صفحة جزء
97 - " أتحب أن يلين قلبك؛ وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم؛ وامسح رأسه؛ وأطعمه من طعامك؛ يلن قلبك؛ وتدرك حاجتك " ؛ (طب)؛ عن أبي الدرداء .


(أتحب) ؛ استفهام فيه معنى الشرط؛ أي: إن أحببت أيها الرجل الذي شكا إلينا قسوة قلبه؛ (أن يلين قلبك) ؛ يترطب؛ ويتسهل؛ قال الزمخشري : من المجاز: " رجل لين الجانب" ؛ و" لان لقومه" ؛ و" ألان لهم جناحه" ؛ فبما رحمة من الله لنت لهم ؛ و" هو لين الأعطاف؛ وطيء الأكتاف" ؛ (وتدرك حاجتك) ؛ أي: تظفر بمطلوبك؛ فقال الرجل: بلى يا رسول الله؛ قال: (ارحم اليتيم) ؛ أي: الذي مات أبوه؛ فانفرد عنه؛ و" اليتم" : الانفراد؛ ومنه: " الدرة اليتيمة" ؛ للمنفردة في صفائها؛ و" الرملة اليتيمة" ؛ ذكره في الكشاف؛ وذلك بأن تعطف عليه؛ وتحنو حنوا يقتضي التفضل عليه؛ والإحسان إليه؛ كناية عن مزيد الشفقة؛ والتلطف به؛ ولما لم تكن الكناية منافية لإرادة الحقيقة؛ لإمكان الجمع بينهما؛ كما تقول: " فلان طويل النجاد" ؛ وتريد طول قامته؛ مع طول علاقة سيفه؛ قال: (وامسح رأسه) ؛ تلطفا؛ وإيناسا؛ أي: بالدهن؛ إصلاحا لشعره؛ أو باليد؛ لما جاء في حديث آخر يشعر بإرادة مسح رأسه مع ذلك باليد؛ وهو ما رواه أحمد والترمذي عن أبي أمامة ؛ مرفوعا: " من مسح على رأس اليتيم؛ لم يمسحه إلا لله؛ كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنة" ؛ وإسناده - كما قال ابن حجر - ضعيف؛ وإطلاق الأخبار شامل لأيتام الكفار؛ ولم أر من خصها بالمسلم؛ وفي حديث سيأتي عن الحبر أن اليتيم يمسح رأسه من أعلاه إلى مقدمه؛ وغيره بعكسه؛ قال زين الحفاظ العراقي: وورد في حديث ابن أبي أوفى أنه يقال عند مسح رأسه: " جبر الله يتمك؛ وجعلك خلفا من أبيك" ؛ (وأطعمه من طعامك) ؛ أي: مما تملكه من الطعام؛ أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام؛ وتطعمه دونه؛ بل أطعمه مما تأكل منه؛ (يلن قلبك) - بالرفع على الاستئناف؛ وبالجزم جوابا للأمر -؛ (وتدرك حاجتك) ؛ أي: فإنك إن أحسنت إليه؛ وفعلت ما ذكر؛ يحصل لك لين القلب؛ وتظفر بالبغية؛ وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم؛ ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم؛ وإكرامه؛ لله (تعالى) خالصا؛ قال الطيبي: وهو عام في كل يتيم؛ سواء كان عنده أو لا؛ فيكرمه وهو كافله؛ أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه؛ ولا يقتصر على الشفقة عليه؛ والتلطف به؛ ويؤدبه أحسن تأديب؛ ويعلمه أحسن تعليم؛ ويراعي غبطته في ماله؛ وتزويجه؛ وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب؛ فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي؛ كما ورد في عدة أخبار؛ قال الزين العراقي: لكن قيده في حديث أبي أمامة المار بألا يمسحه إلا لله؛ قال: ولا شك في تقييد إطلاق المسح به؛ لأنه قد يقع مسحه لريبة؛ كأمرد جميل؛ يريد مؤانسته بذلك لريبة؛ كشهوة؛ وإن لم يكن مسح الشعر مفضيا إلى الشهوة؛ فربما دعا إلى ذلك؛ انتهى؛ وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء؛ فالتكبر يداوى بالتواضع؛ والبخل بالسماحة؛ وقسوة القلب بالتعطف والرقة؛ قال في الكشاف: وحق هذا الاسم - أعني " اليتيم" - أن يقع على الصغار؛ والكبار؛ لبقاء معنى الانفراد عن الآباء؛ إلا أنه غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال؛ فإذا استغنوا عن كافل وقائم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم؛ زال عنهم؛ وكانت قريش تقول: [ ص: 109 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يتيم آل أبي طالب؛ على القياس؛ أو حكاية حال كان عليها صغيرا؛ توصيفا له؛ وأما خبر: " لا يتم بعد احتلام" ؛ فما هو إلا تعليم شريعة؛ لا لغة؛ يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار؛ انتهى.

(طب؛ عن أبي الدرداء ) ؛ قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يشكو قسوة قلبه؛ فذكره؛ قال المنذري: رواه الطبراني من رواية بقية؛ وفيه راو لم يسم؛ وبقية مدلس؛ وروى أحمد بسند - قال الهيتمي؛ تبعا لشيخه الزين العراقي: صحيح - أن رجلا شكا إلى المصطفى قسوة قلبه؛ فقال له: " امسح رأس اليتيم؛ وأطعم المسكين.

التالي السابق


الخدمات العلمية