صفحة جزء
1057 - " أشد الناس بلاء؛ الأنبياء؛ ثم الصالحون؛ لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر؛ حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها؛ فيلبسها؛ ويبتلى بالقمل؛ حتى يقتله؛ ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء " ؛ (هـ ع ك)؛ عن أبي سعيد ؛ (صح).


(أشد الناس بلاء؛ الأنبياء) ؛ قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: (ثم الصالحون) ؛ لأن أعظم البلاء سلب المحبوب؛ وحمل المكروه؛ والمحبوبات مسكون إليها؛ ومن أحب شيئا شغل به؛ والمكروه مهروب منه؛ ومن هرب من شيء أدبر عنه؛ والأمثلون أحباء الله؛ فيسلبهم محبوبهم في العاجل؛ ليرفع درجتهم في الآجل؛ (لقد) ؛ بلام التأكيد؛ (كان أحدهم يبتلى بالفقر) ؛ الدنيوي؛ الذي هو قلة المال؛ وعدم المرافق؛ (حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها) ؛ بجيم؛ وواو؛ فموحدة؛ أي: يخرقها؛ ويقطعها؛ وكل شيء قطع وسطه فهو مجبوب؛ (فيلبسها) ؛ ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه؛ علما منه بأن المال ظل زائل؛ وعارية مسترجعة؛ وليس في كثرته فضيلة؛ ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه لرسالته؛ واجتباه لوحيه؛ وقد كان أكثر الأنبياء؛ مع ما خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه؛ فقراء؛ لا يجدون بلغة؛ ولا يقدرون على شيء؛ حتى صاروا في الفقر مثلا؛ قال البحتري :


فقر كفقر الأنبياء وغربة ... وصبابة ليس البلاء بواحد

(ويبتلى بالقمل) ؛ فيأكل من بدنه؛ (حتى يقتله) ؛ حقيقة؛ أو مبالغة عن شدة الضنا؛ ومزيد النحول والأذى؛ (ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) ؛ لأن المعرفة كلما قويت بالمبتلى؛ هان عليه البلاء؛ وكلما نظر إلى الأجر الناشئ عنه؛ سهل؛ فلا يسألون رفعه؛ بل يحصل الترقي لبعضهم؛ حتى يتلذذ بالضراء؛ فوق تلذذ أحدنا بالسراء؛ ويعد عدمه مصيبة؛ وفي تاريخ ابن عساكر : سبب قطع العارف أبي الخير المغربي الأقطع؛ أنه عاهد الله ألا يتناول لشهوة نفسه شيئا يشتهى؛ فرأى يوما كمام شجرة زعرور؛ فأعجبته؛ فقطع غصنا؛ فذكر عهده؛ فترك؛ فرآه صاحب الشرطة؛ فظنه لصا؛ فقطعه؛ فكان يقول: قطعت عضوا؛ فقطعت مني عضوا.

(هـ ع ك؛ عن أبي سعيد) ؛ الخدري ؛ قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محموم؛ فوضعت يدي من فوق القطيفة؛ فوجدت حرارة الحمى؛ فقلت: ما أشد حماك يا رسول الله! فذكره؛ قال الحاكم : على شرط مسلم ؛ وأقره الذهبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية