صفحة جزء
117 - " اتق الله يا أبا الوليد؛ لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله وله رغاء؛ أو بقرة لها خوار؛ أو شاة لها ثؤاج " ؛ (طب)؛ عن عبادة بن الصامت .


(اتق الله) ؛ أي: احذره؛ (يا أبا الوليد) ؛ كنية عبادة بن الصامت ؛ قال ذلك له لما بعثه على الصدقة؛ وفيه تكنية الصاحب والأمير؛ ووعظه؛ (لا تأتي) ؛ قال الزمخشري : " لا" ؛ مزيدة؛ أو أصله: " لئلا تأتي" ؛ فحذف اللام؛ (يوم القيامة) ؛ يوم الجزاء الأعظم؛ (ببعير) ؛ معروف؛ يقع على الذكر والأنثى؛ كـ " الإنسان" ؛ في وقوعه عليهما؛ وجمعه " أبعرة" ؛ و" أباعير" ؛ و" بعران" ؛ (تحمله) ؛ في رواية: " على رقبتك" ؛ قال الزمخشري : وهو ظرف وقع حالا من الضمير في " تأتي" ؛ تقديره: " مستعليا رقبتك بعير" ؛ وقال الراغب : " الحمل" ؛ معنى واحد؛ اعتبر في أشياء كثيرة؛ فسوى بين لفظه في فعل؛ وفرق بين كثير منها في مصادر؛ فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر على الشيء: " حمل" ؛ وفي الأثقال المحمولة في الباطن؛ كالولد في البطن؛ والثمرة في الشجر؛ تشبيها بحمل المرأة؛ ويقال: " حملت الثقيل؛ والرسالة؛ والوزن؛ حملا" ؛ (له رغاء) ؛ بضم الراء؛ وبالمعجمة؛ والمد؛ أي: تصويت؛ و" الرغاء" : صوت الإبل؛ تقول: " رغا البعير رغاء؛ ورغوة واحدة" ؛ فالغالب في الأصوات " فعال" ؛ كـ " بكاء" ؛ وقد يجيء على " فعيل" ؛ كـ " صهيل" ؛ وعلى " فعللة" ؛ كـ " حمحمة" ؛ (أو بقرة لها خوار) ؛ بخاء معجمة مضمومة؛ وواو خفيفة؛ أي: تصويت؛ و" الخوار" : صوت البقر؛ قال الراغب : مختص بالبقر؛ وقد يستعار للبعير والبقر؛ واحده " بقرة" ؛ ويقال في جمعه " باقر" ؛ كـ " حامل" ؛ و" بقير" ؛ كـ " حكيم" ؛ ويقال للذكر " ثور" ؛ كـ " جمل" ؛ و" ناقة" ؛ و" رجل" ؛ و" امرأة" ؛ انتهى؛ (أو شاة لها ثؤاج) ؛ بمثلثة مضمومة؛ وفتح الهمزة؛ فألف؛ فجيم؛ صياح الغنم؛ فقال عبادة: يا رسول الله؛ إن ذلك كذلك؟ فقال: " أي؛ والذي نفسي بيده؛ إلا من رحم الله" ؛ قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدا؛ أي: لا إلى الحكم على اثنين؛ ولا أتأمر على أحد؛ وهذا دليل على كراهة الإمارة في ذلك العصر الذي كان فيه مثل عبادة ونحوه من صالحي الأنصار وأشراف المهاجرين الكبار؛ فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين ارتضاهم المصطفى للولاية؛ وخصهم بها؛ فما الظن بالولاة بعد ذلك الطراز الأول؛ والمتنافسين في الولايات؛ الباذلين الأموال في تحصيل الأعمال السلطانية؟! (تنبيه) : قال حجة الإسلام: هذا الحمل حقيقي؛ فيأتي به حاملا له؛ معذبا بحمله وثقله يعدل الجبل العظيم؛ مرعوبا بصوته؛ وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد؛ والملائكة تنادي: " هذا ما أغله فلان بن فلانة؛ رغبة فيه؛ وشحا؛ وذهب بعضهم إلى أن الحمل عبارة عن وزر ذلك؛ وشهرة الأمر؛ أي: يأتي يوم القيامة وقد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء؛ أو بقرة لها خوار؛ إلى آخره؛ ورده القرطبي بأنه عدول عن الحقيقة إلى المجاز؛ والتشبيه؛ وقد أخبر المصطفى بالحقيقة فهو أولى إذ لا مانع؛ وعورض بوجود المانع؛ وهو أنه إذا غل ألف دينار مثلا؛ فهي أخف من البعير؛ وهو بالنسبة إليها حقير؛ فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل؛ وعكسه؟ وأجيب بأن المراد بالعقوبة بذلك فضيحته على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم؛ لا بالثقل؛ والخفة؛ قال [ ص: 124 ] ابن المنير: أظن أن الحكام أخذوا تجريس السارق؛ ونحوه؛ من هذا الحديث ونحوه.

(تتمة) : أجمعوا على أن الغال يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة؛ وكذا بعدها؛ عند الشافعي - رحمه الله (تعالى) - فيحفظه الإمام كالمال الضائع؛ وقول مالك : يدفع الإمام خمسه؛ ويتصدق بالباقي؛ فيه أنه لم يملكه؛ فكيف يتصدق بمال غيره؟!

(طب)؛ وكذا ابن عساكر ؛ (عن عبادة) ؛ بضم العين المهملة؛ وفتح الموحدة؛ ( ابن الصامت ) ؛ الخزرجي؛ من بني عمرو بن عوف ؛ بدري؛ نقيب فاضل عالم جليل؛ ممن جمع القرآن؛ وولاه عمر قضاء فلسطين؛ رمز المصنف لحسنه؛ وهو تقصير؛ إذ هو أعلى؛ فقد قال الحافظ الهيتمي: رجاله رجال الصحيح؛ ورواه الشافعي والبيهقي عن طاوس ؛ مرسلا.

التالي السابق


الخدمات العلمية