صفحة جزء
1206 - (أغبط الناس عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة وكان رزقه كفافا فصبر عليه حتى يلقى الله وأحسن عبادة ربه وكان غامضا في الناس عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه) (حم) (ت) (ك) (هب) عن أبي أمامة. (ض)
(أغبط) لفظ رواية الترمذي إن أغبط (الناس) اسم تفضيل مبني للمفعول من غبط أي: أحقهم (عندي) بأن يغبط أي: يتمنى مثل حاله ونص على العندية تأكيدا لاستحسان ذلك وجزما بأغبطية من هذا حاله (مؤمن) لفظ رواية الترمذي لمؤمن بزيادة اللام أي: موصوف بأنه (خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي: خفيف الظهر من العيال والمال بأن يكون قليلهما والغبطة تمني أن يكون لك مثل ما له ويدوم عليه ما هو فيه. قال الزركشي في اللآلئ: وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من متن الفرس ضرب به المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل لقلة ماله وعياله انتهى (ذو حظ من صلاة) أي: ذو نصيب وافر منها من مزيد النوافل والتهجد (وكان رزقه كفافا) أي: كافا عن الحاجة يعني بقدر حاجته لا ينقص ولا يزيد بل يكفيه على وجه التقنع والتقشف لا التبسط والتوسع كما يفيده قوله (فصبر عليه) أي: حبس نفسه على القناعة به غير ناظر إلى توسع أبناء الدنيا في المطاعم والملابس ونحوها (حتى يلقى الله) أي: إلى أن يموت فيلقاه (وأحسن عبادة ربه) بأن أتى بها بكمال الواجبات والمندوبات ونص على الصلاة مع دخولها فيها اهتماما بها لكونها أفضلها وخص الرب إشارة إلى أنه إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول والتربية. ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي: خاملا لا يعرفه كل أحد وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى مفعول أي: محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته) أي: كان قبض روحه سهلا لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل ترابه) بمثناة فوقية مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي: ميراثه (وقلت)، وفي رواية: فقلت (بواكيه) لقلة عياله وهوانه عليهم وهو جمع باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي: أسألك منزلة أغبط عليها لا ما يهبطني فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان فإن فرض عدمه فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى الجنة بخمس مائة عام وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه وفيه حث على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه وقيل لأعرابي من أنعم الناس عيشا قال أنا؟ قيل فما بال الخليفة فقال:


وما العيش إلا في الخمول مع الغنى . . . وعافية تغدو بها وتروح



والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره وتختلف باختلاف المقامات فخمول المريد عزلته عن الناس وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى مقام الصدق بالإخلاص وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا الخمول نعمة وكل الناس تأباه والظهور نقمة وكل الناس [ ص: 15 ] تتمناه والظهور يقطع الظهور وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني

(حم) (ت) في الزهد (ك) (هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال الزركشي في اللآلئ بعد عزوه للترمذي : إسناده ضعيف وقال الصدر المناوي فيه علي بن زيد وهو ضعيف.

التالي السابق


الخدمات العلمية