صفحة جزء
1339 - (اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق فإنه سيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم) . (طس (هب) عن حذيفة.
(اقرءوا القرآن بلحون العرب) أي تطريبها (وأصواتها) أي ترنماتها الحسنة التي لا يختل معها شيء من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارئ لكنه إذا قرئ بالألحان التي تخرجه عن وضعه تضاعف فيه النشاط وزاد به الانبساط وحنت إليه القلوب القاسية وكشف عن البصائر غشاوة الغاشية (وإياكم ولحون أهل الكتابين) أي احذروا لحون اليهود والنصارى (وأهل الفسق) من المسلمين يخرجون القرآن عن موضعه بالتمطيط بحيث يزاد حرف أو ينقص حرف فإنه حرام إجماعا كما ذكره النووي في التبيان بدليل قوله (فإنه) أي الشأن (سيجيء بعدي قومي يرجعون) بالتشديد. أي يرددون (بالقرآن) ومنه ترجيع الأذان وهو تفاوت ضروب الحركات في الصوت وهو المراد بقوله (ترجيع الغناء) أي أهل الغناء (والرهبانية) يعني رهبانية النصارى (والنوح) أي أهل النوح (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الغلصمة وهي مجرى النفس (مفتونة قلوبهم) بنحو محبة الشبان والنساء (وقلوب من يعجبه شأنهم) فإن من أعجبه شأنهم فمآل مصيره منهم. وفي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأ في يوم الفتح - فتح مكة - سورة الفتح فرجع فيها. وقال العارف المرسي: دخل بعض الصحب على اليهود فسمعهم يقرءون التوراة فتخشعوا - أي بعض الصحب - فأنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله فما الظن بمن أعرض عن كتابه وتخشع بالملاهي والغناء؟ . اهـ. وعلم مما تقرر أنه لا تلازم بين التلحين المذموم وتحسين الصوت المطلوب وأن التلحين المذموم والأنغام المنهي عنها هو إخراج الحروف عما يجوز له في الأداء كما يصرح به كلام جمهور الأئمة ومنهم الإمام أحمد فإنه سئل عنه في القرآن فمنعه فقيل له: لم؟ فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: أيعجبك أن يقال لك يا محآمد؟ .

(تنبيه): قال ابن عربي: من لم يطربه سماع القرآن بغير ألحان فليس على شيء وقد كان أولئك الرجال لا يقولون بالسماع المقيد بالنغمات لعلو هممهم ويقولون بالسماع المطلق فإنه لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر والسماع المقيد إنما يؤثر في أصحاب النغم وهو السماع الطبيعي فإذا ادعى مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب المحرك فيتأمل في أمره. وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم استدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن إحساسه فقل له ما حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما عرفتني فاسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل [ ص: 66 ] له هذا المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن إحساسه ولا تصدر منه حركة أصلا هبه من الكبار والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه فإذا جاءه الوارد الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم وما سمع من نبي قط أنه تخبط عند نزول الوحي. ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن إحساسه وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه

(طس (هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم اهـ.قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر. اهـ. ومثله في اللسان.

التالي السابق


الخدمات العلمية