صفحة جزء
148 - " اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تحمل على الغمام؛ يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك؛ ولو بعد حين " ؛ (طب)؛ والضياء ؛ عن خزيمة بن ثابت .


(اتقوا دعوة المظلوم) ؛ أي: اجتنبوا دعوة من تظلمونه؛ وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم؛ على أبلغ وجه؛ وأوجز إشارة؛ وأفصح عبارة؛ لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم لم يظلم؛ فهو أبلغ من قوله: " لا تظلم" ؛ وهذا نوع شريف من أنواع البديع؛ يسمى " تعليقا" ؛ ثم بين وجه النهي بقوله: (فإنها تحمل على الغمام) ؛ أي: يأمر الله برفعها؛ حتى تجاوز الغمام؛ أي: السحاب الأبيض؛ حتى تصل إلى حضرته - تقدس -؛ وقيل: " الغمام" : شيء أبيض فوق السماء السابعة؛ فإذا سقط لا تقوم به السماوات السبع؛ بل يتشققن؛ قال الله (تعالى): ويوم تشقق السماء بالغمام ؛ وعلى هذا فالرفع والغمام حقيقة؛ ولا مانع من تجسيم المعاني؛ كما مر؛ لكن الذي صار إليه القاضي الحمل على المجاز؛ حيث قال: استأنف لهذه الجملة لفخامة شأن دعاء المظلوم؛ واختصاصه بمزيد قبوله؛ ورفعه على الغمام وفتح أبواب السماء له مجاز عن إثارة الآثار العلوية؛ وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم؛ وإنزال البأس عليه؛ وقوله: (يقول الله: وعزتي وجلالي؛ لأنصرنك) ؛ بلام القسم؛ ونون التوكيد الثقيلة؛ وفتح الكاف؛ أي: لأستخلصن لك الحق ممن ظلمك؛ وفتح الكاف هو ما اقتصر عليه جمع؛ فإن كان الرواية فهو متعين؛ وإلا فلا مانع من الكسر؛ أي: لأستخلصن لصاحبك؛ وتجسد المعاني وجعلها بحيث تعقل؛ لا مانع منه؛ (ولو بعد حين) ؛ أي: أمد طويل؛ بل دل به - سبحانه - على أنه يمهل الظالم؛ ولا يهمله؛ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد ؛ وقد جاء في بعض الآثار أنه كان بين قوله: قد أجيبت دعوتكما ؛ وغرق فرعون أربعون عاما؛ ووقوع العفو عن بعض أفراد الظلمة يكون مع تعويض المظلوم؛ فهو [ ص: 142 ] نصر أيضا؛ وفيه تحذير شديد من الظلم؛ وأن مراتعه وخيمة؛ ومصائبه عظيمة؛ قال:


نامت جفونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم



و" الحين" : الزمان؛ قل؛ أو كثر؛ والمراد هنا الزمان المطلق؛ نحو: ولتعلمن نبأه بعد حين

(طب؛ والضياء ) ؛ في المختارة؛ وابن أبي عاصم ؛ والخرائطي ؛ في مساوئ الأخلاق؛ عن خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت ؛ عن أبيه (عن) ؛ جده (خزيمة) ؛ بخاء وزاي معجمتين؛ مصغر؛ (ابن ثابت) ؛ ابن فاكه الخطمي؛ بفتح المعجمة؛ المدني؛ ذي الشهادتين؛ من كبار الصحابة؛ شهد " أحدا" ؛ وما بعدها؛ وقتل مع علي بـ " صفين" ؛ قال الهيتمي: وفيه من لا أعرفه؛ انتهى؛ وأقول: فيه سعد بن عبد الحميد؛ أورده الذهبي في الضعفاء؛ وقال: فحش خطؤه؛ قاله ابن حبان ؛ وضعفه غيره أيضا؛ ولم يترك؛ لكن قال المنذري: لا بأس بإسناده في المتابعات.

التالي السابق


الخدمات العلمية