صفحة جزء
1517 - (اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقرر عيني من عبادتك) . (حل) عن الهيثم بن مالك الطائي. (ض)
(اللهم اجعل حبك) أي حبي لك (أحب الأشياء إلي) وذلك يستلزم الترقي في مدارج معرفة الحق ومطالعة كمال جماله فكلما ازدادت المعرفة تضاعفت الأحبية (واجعل خشيتك) خوفي منك المقترن بكمال التعظيم (أخوف الأشياء عندي) بأن تكشف لي من صفات الجمال ما يستلزم كمال الخوف (واقطع عني حاجات الدنيا) أي امنعها وادفعها (بالشوق إلى لقائك) أي بسبب حصول الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم الذي هو أرفع درجات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم بالله أشدهم له شوقا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله وأقربهم قربا وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق قميصه من شدة الشوق. قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف (وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم) أي فرحتهم بما أتيتهم منها. قال الزمخشري: من المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر بعيني أن أراك وهو في قرة من العيش في رغد وطيب (فأقر عيني من عبادتك) أي فرحني بها وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من كبده. قال الحليمي: هذا قاله تذللا وإشفاقا على نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال عن طاعة الرحمن وهو معصوم من ذلك لكن الكل يغلب عليهم مقام الخوف

(حل) عن الهيثم بن مالك الطائي) أي محمد الشامي الأعمى.

التالي السابق


الخدمات العلمية