صفحة جزء
3279 - "ترك الدنيا أمر من الصبر؛ وأشد من حطم السيوف في سبيل الله - عز وجل" ؛ (فر)؛ عن ابن مسعود ؛ (ض) .


( ترك الدنيا أمر من الصبر ) ؛ أي: أشد مرارة منه؛ قال بعض الحكماء: الدنيا من نالها؛ مات منها؛ ومن لم ينلها مات عليها؛ (وأشد من حطم السيوف في سبيل الله - عز وجل) ؛ في الجهاد؛ و"حطم الشيء"؛ كسره؛ وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه؛ وهو ذهول عجيب؛ بل بقيته عند مخرجه الديلمي ؛ من حديث ابن مسعود هذا: "ولا يتركها أحد إلا أعطاه الله مثل ما يعطي الشهداء؛ وتركها قلة الأكل؛ والشبع؛ وبغض الثناء من الناس؛ فإنه من أحب الثناء من الناس؛ أحب الدنيا ونعيمها؛ ومن سره النعيم؛ فليدع الدنيا والثناء من الناس" ؛ أهـ؛ بلفظه؛ فاقتصار المصنف على الجملة الأولى منه؛ من سوء التصرف؛ وإن كان جائزا.

(تنبيه) :

طريق ترك الدنيا بعد إلفها؛ والأنس بها؛ ورسوخ القدم فيها؛ بمباشرة العادة: أن يهرب من موضع أسبابها؛ ويكلف نفسه في أعماله أفعالا يخالف ما يعتاده؛ فيبدل التكلف بالتبذل؛ وزي الحشمة بزي التواضع؛ وكذا كل هيئة وحال؛ في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده؛ وما يقتضي جاهه؛ فيبدلها بنقيضها؛ حتى يترسخ باعتياد ذلك ضدها؛ كما رسخ فيه من قبل باعتياده ضده؛ فلا معنى للمعالجة إلا المضادة؛ ويراعى في ذلك التلطف بالتدريج؛ فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل؛ فإن الطبع نفور؛ ولا يمكن نقله عن أخلاقه إلا بالتدريج؛ فيترك البعض؛ ويسلي نفسه به؛ وهكذا شيئا فشيئا؛ إلى أن تنقمع لك الصفات التي رسخت فيه؛ وإلى هذا التدريج الإشارة بخبر: "إن هذا الدين متين؛ فأوغلوا فيه برفق..." ؛ الحديث.

(تنبيه آخر) :

قال بعضهم: دواء الحرص على الدنيا إكثار التفكر في مدة قصرها؛ وسرعة زوالها؛ وما في أبوابها من الأخطار والهموم؛ والتفكر في خساسة المطلب؛ وملاحظة أن من أفضل المأكولات العسل؛ وهو رضاب حيوان؛ وأفضل المشروبات الماء؛ وهو أهون شيء؛ وأيسره؛ وألذ الاستمتاعات المجامعة؛ وهي تلاقي مبولين؛ وأشرف الملابس الديباج؛ وهو من دودة.

(فر؛ عن ابن مسعود ) ؛ ورواه عنه البزار أيضا؛ ومن طريقه عنه أورده الديلمي .

التالي السابق


الخدمات العلمية