صفحة جزء
3587 - "جعل الله الرحمة مائة جزء؛ فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا؛ وأنزل في الأرض جزءا واحدا ؛ فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق؛ حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه"؛ (ق)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .


(جعل الله) ؛ أي: اخترع وأوجد؛ أو قدر؛ (الرحمة مائة جزء) ؛ في رواية: "في مائة جزء"؛ أي أنه (تعالى) أظهر تقديره لذلك يوم تقدير السماوات والأرض؛ (فأمسك) ؛ في رواية: "فأخر"؛ (عنده تسعة وتسعين جزءا) ؛ وفي رواية: "أخر عنده تسعة وتسعين رحمة" ؛ وفي رواية: "وخبأ عنده مائة إلا واحدة" ؛ (وأنزل في الأرض) ؛ بين أهلها؛ (جزءا واحدا) ؛ وفي رواية: "وأرسل في خلقه كلهم رحمة" ؛ قال القرطبي : هذا نص في أن الرحمة يراد بها الإرادة؛ لا نفس الإرادة؛ وأنها راجعة إلى المنافع والنعم؛ وقال الكرماني : الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير؛ والقدرة في نفسها غير متناهية؛ والتعلق غير متناه؛ لكن حصره في مائة على التمثيل؛ تسهيلا للفهم؛ وتقليلا لما عند الخلق؛ وتكثيرا لما عند الله؛ وقال ابن أبي جمرة : نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا؛ فإذا قوبل كل جزء برحمة؛ زادت الرحمات ثلاثين جزءا؛ فيفيد أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة ؛ وحكمة هذا العدد الخاص أنه عدد درج الجنة؛ والجنة محل الرحمة؛ فكانت كل رحمة بإزاء درجة؛ (فمن ذلك الجزء) ؛ الواحد؛ (يتراحم الخلق) ؛ أي: يرحم بعضهم بعضا؛ وفي رواية: "بها يتراحمون؛ بها يعطف الوحش على ولدها" ؛ وفي رواية: "تعطف الوالدة على ولدها؛ والوحش والطير بعضها على بعض" ؛ (حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشية أن يصيبه) ؛ بمثناة تحتية أوله؛ بضبط المصنف؛ خص الفرس لأنها أشد الحيوان المألوف إدراكا؛ ومع ما فيها من خفة وسرعة تتحرز أن يصل الضرر منها لولدها؛ رحمة له؛ وعطفا عليه؛ وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تتكون فيهم يوم القيامة؛ يتراحمون بها؛ وإدخال السرور على المؤمنين؛ إذ النفس يكمل فرحها بما وهب لها؛ وحث على الإيمان واتساع الرجاء في الرحمة المدخرة؛ وغير ذلك.

(تنبيه) :

قال الزركشي : قال في هذه الرواية: "جعلها"؛ وفي غيرها "خلق"؛ فإن قيل: كيف هذا؛ والرحمة صفة لله - عز وجل -؛ وهي إما صفة ذات؛ فتكون قديمة؛ أو صفة فعل؛ فكذلك عند الحنفية ؟! قيل: عند الأشعري أن صفة الفعل حادثة؛ وأصل النعمة: الرحمة؛ ورواية "جعل"؛ أشبه من "خلق"؛ وتؤول بما أول به: إنا جعلناه قرآنا عربيا

(ق؛ عن أبي هريرة ) ؛ ورواه أحمد ؛ عن سلمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية