التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6045 6408 - حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم". رواه شعبة، عن الأعمش، ولم يرفعه. ورواه سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [مسلم: 2689 - فتح: 11 \ 208]


[ ص: 368 ] ذكر فيه حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا (يذكره) مثل الحي والميت".

وحديث جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم.. " الحديث. قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" بطوله. ثم قال: رواه شعبة، عن الأعمش، ولم يرفعه. ورواه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

هذا حديث شريف في فضل ذكر الله تعالى وتسبيحه وتهليله، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة منها: ما رواه زيد بن أسلم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قلت لأبي ذر: يا عم، أوصني. قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما سألتني فقال: "ما من يوم ولا ليلة إلا ولله فيه صدقة يمن بها على من يشاء من عباده، وما من الله على عباده بمثل أن يلهمهم ذكره".

وروى شعبة وسفيان عن أبي إسحاق، عن أبي مسلم الأغر أنه شهد على أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

[ ص: 369 ] "ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وقال معاذ - رضي الله عنه -: ليس شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - يرفع الحديث: "من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله".

وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سيروا، سبق المستهترون". قيل: ومن هم يا رسول الله؟، قال: "هم الذين استهتروا، واستهتروا بذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم ويأتون يوم القيامة خفافا".

[ ص: 370 ] وروى أبو هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري.

ترة -بكسر التاء المثناة: فوق، وتخفيف الراء- نقص، أو تبعة، أو حسرة.

وعن جابر - رضي الله عنه - رفعه: "ارتعوا في رياض الجنة" قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر الله، واذكروه في أنفسكم، من أحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، إن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله من نفسه".

وروى الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لأبي الدرداء: إن رجلا أعتق مائة نسمة. قال: إن ذلك من مال رجل لكثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار، ولا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله.

[ ص: 371 ] وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سأل موسى - عليه السلام - ربه -عز وجل- فقال: رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني.

ثم قال ابن عباس: ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يذكرون الله إلا كانوا أضيافا لله ما داموا فيه، حتى يتصدعوا عليه، وأظلتهم الملائكة بأجنحتها ما داموا فيه. ذكر هذه الآثار كلها الطبري في "آداب النفوس".

وفقه الباب: أن معنى أمر الله تعالى العبد بذكره وترغيبه فيه; ليكون ذلك سببا لمغفرته له، ورحمته إياه، لقوله تعالى: فاذكروني أذكركم [البقرة: 152] وذكر الله العبد رحمة له. قال ثابت البناني: قال أبو عثمان النهدي: إني لأعلم الساعة التي (يذكرني) الله فيها. قيل: ومن أين تعلمها؟ قال: يقول الله: فاذكروني أذكركم .

وقال السدي: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا كافر إلا ذكره بعذابه.

وروي معناه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

وقيل: المعنى: اذكروا نعمتي عليكم شكرا أذكركم برحمتي، والزيادة من النعم.

[ ص: 372 ] وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن الذكر ذكران: ذكر الله عند أوامره ونواهيه، وباللسان، وكلاهما فيه الأجر، إلا أن ذكر الله تعالى عند أوامره ونواهيه إذا فعل الذاكر ما أمر به، وانتهى عما نهي عنه، أفضل من ذكره باللسان مع مخالفة أمره ونهيه، والفضل كله والشرف والأجر في اجتماعهما من الإنسان، وهو أن لا ينسى ذكر الله تعالى عند أمره ونهيه، فينتهي، ولا ينساه من ذكره بلسانه، وسيأتي في كتاب الرقاق في باب: من هم بحسنة أو سيئة، هل تكتب الحفظة

الذكر بالقلب؟ وما للسلف فيه، وسيأتي في الاعتصام في باب: قوله تعالى: ويحذركم الله نفسه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" الحديث.

قال الطبري: ومن جسيم ما (يرجى) به العبد الوصول إلى رضا ربه تعالى، ذكره إياه بقلبه; فإن ذلك من شريف أعماله عندي; لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

فإن قلت: فهل من أحوال العبد حال يجب عليه فيها ذكر الله فرضا بقلبه؟

قيل: نعم، هي أحوال أداء فرائضه من صلاة وصيام وزكاة وحج، وسائر الفرائض، فإن على كل من لزمه عمل شيء من ذلك أن يكون

[ ص: 373 ] عند دخوله في كل ما كان من ذلك له تطاول، فابتداء بأول، وانقضاء بآخر أن يتوجه إلى الله بعمله، ويذكره في حال ابتدائه فيه، وما لم يكن له تطاول منه فعليه توجهه إلى الله بقلبه في حال عمله وذكره ما كان مشتغلا به، وما كان نفلا وتطوعا، فإنه وإن لم يكن فرضا عليه، فلا ينتفع به عامله، وإن لم يرد به وجه الله، ولا ذكره عند ابتدائه فيه.

فصل:

قوله: ("تعالوا هلموا إلى حاجتكم"). هذه لغة أهل نجد، تثني وتجمع، وتقول للنساء: هلمن، (وللواحدة: هلمي)، ولغة أهل الحجاز يستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والجمع، قال الله تعالى: هلم إلينا [الأحزاب: 18] قال الخليل: أصله (لما) من قولهم: لم الله شعثه، أي: جمعه، كأنه أراد: لم نفسك إلينا، أي: أقرب، و (ها) للتنبيه، وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسما واحدا.

وقال ابن فارس: أصلها (هل أم) كلام من يريد إتيان الطعام، ثم كثرت حتى تكلم بها الداعي مثل: تعال وحي، كأنه يقولها من كان (انتقل من مكان إلى مكان) فوق. قال: ويحتمل أن يكون معناها: هل لك في الطعام أم. أي: قصد وإذن.

[ ص: 374 ] فصل:

قوله: ("فيحفونهم بأجنحتهم") أي: يطوفون بهم، ويقال: حف به القوم، أي صاروا في (أحفته)، ومنه: وترى الملائكة حافين [الزمر: 75] ومنه: وحففناهما بنخل [الكهف: 22].

فصل:

استدل (به) بعض الأشاعرة على المعتزلة أن الله تعالى يجوز أن يرى (بقوله في الحديث: "كيف لو رأوني").

التالي السابق


الخدمات العلمية