التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6047 [ ص: 379 ] 68 - باب: لله مائة اسم غير واحدة

6410 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: حفظناه من أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رواية قال: "لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر". [انظر: 2736 - مسلم: 2677 - فتح: 11 \ 214]


ذكر فيه حديث الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رواية قال: "لله تسعة وتسعون اسما، إلا واحدة، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر".

الشرح:

اختلف العلماء في الاستدلال من هذا الحديث، كما قال المهلب، فذهب قوم إلى أن ظاهره يقتضي: أن لا اسم لله غير ما ذكر، إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيص هذه العدة معنى، قالوا: والشريعة متناهية، والحكمة فيها بالغة.

وقال آخرون: يجوز أن يكون له زيادة على ذلك، إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه; لأن مدائحه وفواضله غير متناهية، كما قال تعالى في كلماته وحكمه: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله [لقمان: 27].

ومعنى ما أخبرنا به الشارع من هذه الأسماء، وإنما هو في معنى الشرع لنا في الدعاء بها، وغيرها من الأسماء لم يشرع لنا الدعاء بها; لأن الحديث مبني على الآية، وهي قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 18] فكأن ذكر هذا العدد إنما هو لشرع الدعاء به.

[ ص: 380 ] قال المهلب: وهذا القول أميل إلى النفوس، ونقله النووي عن اتفاق العلماء; لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يبلغ كنهه الواصفون، ولا ينتهي إلى صفاته المقرظون، دليل لازم أن له أسماء غير هذه وصفات، وإلا فقد تناهت صفاته تعالى عن ذلك، وهذا قول أبي الحسن الأشعري وجماعة من أهل العلم.

قال ابن الطيب: وليس في الحديث دليل على أنه ليس لله أكثر من ذلك، لكن ظاهره يقتضي أن من أحصاها على وجه التعظيم لله دخل الجنة، وإن كان له أسماء أخر.

وقال القابسي: أسماء الله تعالى وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف، وهو: الكتاب والسنة واتفاق الأمة، وليس للقياس فيه مدخل، وما أجمعت عليه الأمة، فإنما هو عن سمع علموه من بيان الرسول، قال: ولم يذكر في كتاب الله لأسمائه عدد مسمى، وقد جاء حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا، وقد أخرج بعض الناس من كتاب الله تسعة وتسعين اسما والله أعلم بما خرج من هذا العدد إن كان كل ذلك أسماء (أو بعضها أسماء) وبعضها صفات، ولا يسلم له ما نقله من ذلك.

وقال الداودي: لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نص على التسعة وتسعين اسما.

قال ابن القابسي: وقد روى مالك، عن سمي، عن القعقاع بن

[ ص: 381 ] حكيم
أن كعب الأحبار أخبر قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: ما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر (وبأسمائه) الحسنى كلها، ما علمت منها، وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ.

فهذا كعب على علمه واتساعه، لم يتعاط أن يحصر معرفة الأسماء مثل ما حصرها، هذا الذي زعم أنه عرفها من القرآن، والدعاء في هذا بدعاء كعب أولى وأسلم من التكلف، وقد كان بعض السادة يدعو به كثيرا.

وسيأتي تفسير الإحصاء والمراد بهذا الحديث في الاعتصام في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "باسم الله الأعظم"، وفي الباب أيضا بعد.

وروى وكيع، عن مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أنه - عليه السلام - سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: "لقد دعا باسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى".

[ ص: 382 ] وروى شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد مرفوعا: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [البقرة: 163] " وروي عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك مرفوعا: "اسم الله (الأعظم) الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى، ألم تسمع قوله فنادى في الظلمات إلى قوله المؤمنين [الأنبياء: 87] فهو شرط الله لمن دعا بها".

قال الطبري: قد اختلف السلف قبلنا في ذلك، فقال بعضهم في ذلك ما قال قتادة: اسم الله الأعظم: اللهم إني (أعوذ) بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، وأعوذ بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت، وإذا سئلت بها أعطيت. وقال آخرون: اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع قوله: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة [الحشر: 22] إلى آخر السورة، وقال آخرون بأقوال مختلفة لروايات رووها عن العلماء.

قال الطبري: والصواب في كل ما روينا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف أنه صحيح; لأنه لم يرو عن أحد منهم أنه قال في شيء من ذلك، لقد دعا باسمه الأعظم الذي لا اسم له أعظم منه، فيكون ذلك من

[ ص: 383 ] روايتهم اختلافا، وأسماؤه كلها عظيمة جليلة، وليس منها اسم أعظم من اسم.

ومعنى قوله: "لقد دعا باسمه الأعظم": العظيم، كقوله: وهو أهون ، أي: هين يوضحه حديث حفص بن أخي أنس بن مالك، عن أنس - رضي الله عنه -، أنه - عليه السلام - قال: "لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب". فقال: "باسمه العظيم" إذا كان معنى ذلك ومعنى الأعظم واحد.

وقال أبو الحسن القابسي: لا يجوز أن يقال في أسمائه وصفاته ما يشبه المخلوقات، ولو كان في أسمائه اسم أعظم من اسم لكان غيره، ومنفصلا منه، والاسم هو المسمى على قول أهل السنة، فلا يجوز أن يكون الاسمان متغايرين.

قال: ومن جعل اسما أعظم من اسم، صار إلى قول من يقول: القرآن مخلوق، ومسألة الاسم هل هو المسمى، سلفت واضحة.

قال القشيري: فيه دليل على أنه هو، إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره، لقوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى .

قال الطبري: فإن قيل: فلو كان -كما وصفت- كل من أسمائه عظيما، لا شيء منها أعظم من شيء لكان كل من دعا باسم من أسمائه مجابا دعاؤه، كما استجيب دعاء صاحب سليمان، الذي أتاه بعرش بلقيس من مسيرة شهر قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه; لأنه كان عنده علم من اسم الله الأعظم، وكان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ

[ ص: 384 ] الأكمه والأبرص، وقد يدعو أحدنا الدهر الطويل بأسمائه فلا يستجاب له، فدل أن الأمر بخلاف ذلك.

قيل: بل الأمر في ذلك كما قلناه، ولكن أحوال الداعين تختلف، فمن داع ربه لا ترد دعوته، ومن داع محله محل من غضب الله عليه، وعرضه للبلاء والفتنة، فلا يرد كثيرا من دعائه ليبتليه، ويبتلي به غيره، ومن داع يوافق دعاؤه محتوم قضائه، ومبرم قدره، وقد قال - عليه السلام -: "ما من مسلم يدعو إلا استجيب له، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا" وقد سلف أيضا.

وتبين ما قلناه أنا وجدنا أنه يدعو بالذي دعا به الذين عجلت لهم الإجابة، فلا يجاب له، فدل أن الذي أوجب الإجابة لمن أجيب، وترك (الإجابة) لمن لم يستجب له، وهو اختلاف أحوال الداعين، لا الدعاء باسم من أسمائه تعالى بعينه.

فصل:

وقع هنا من رواية سفيان، عن أبي الزناد "مائة إلا واحدة" ولا يجوز

[ ص: 385 ] في العربية، وقد جاء في الاعتصام "إلا واحدا" من رواية شعيب، عن أبي الزناد، وهو الصحيح في العربية; لأن الاسم مذكر، فلا يستثنى منه إلا مذكر مثله، نبه عليه ابن بطال، وقد روي هنا من طريق الأول "واحدا".

فصل:

الوتر بكسر الواو وفتحها، وقرئ بهما، وبالكسر رويناه.

فصل:

قال الخطابي: فيه دليل على أن الله أشهر أسمائه; لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أنه الاسم الأعظم. قال اللكائي: وإليه ينسب كل اسم له، فيقال: الرءوف الرحيم الله، أو من أسماء الله، ولا يقال: من أسماء الرءوف (الرحيم) الله.

فصل:

ذهب ابن حزم ومن وافقه إلى القول الأول; لأنه لا يجوز الزيادة عليها، ثم قال: والأحاديث في إحصائها مضطربة ولا يصح منها

[ ص: 386 ] شيء البتة -قلت: صحح بعضها ابن خزيمة والحاكم- قال: وإنما تؤخذ من نص القرآن ومما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وقد بلغ إحصاؤها إلى ما نذكره، فذكر أربعة وثمانين اسما.

فصل:

مما يدل على أن المراد الإخبار دخول الجنة بإحصائها لا حصرها، حديث الترمذي: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك".

وذكر ابن العربي القاضي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم، قال: وهذا قليل فيها.

[ ص: 387 ] وأما نفس هذه الأسماء فقد جاءت مفصلة في الترمذي والحاكم وغيرهما، وفي بعض الأسماء خلاف، وقيل: إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم، وليلة القدر، ونظائرهما.

فصل:

واختلفوا في معنى الإحصاء، وفي رواية أخرى (فذكر البخاري) وغيره أنه حفظها، وهو الصحيح عملا بالرواية الأخرى: "من حفظها" وقيل: معناه: عدها في الدعاء بها، وقيل: أطاقها: أي أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها، وقيل: معناه: العمل بها، والطاعة بمعنى كل اسم منها. والإيمان بها لا يقتضي عملا. وأغرب بعضهم فقال: أراد حفظ القرآن أجمع وتلاوته كله; لأنه مستوف لها.

وقال الخطابي: يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناها: من عرفها وعقل معانيها وآمن بها دخل الجنة، مأخوذ من الحصاة: وهو العقل.

قال طرفة بن العبد:


وإن لسان المرء ما لم يكن له حصاة على عوراته لدليل



والعرب تقول: فلان ذو حصاة: أي ذو عقل.

[ ص: 388 ] فصل:

وقوله: ("يحب الوتر") معناه: في حق الله الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى "يحب": يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمسا، والطهارة ثلاثا، والطواف سبعا سبعا، والسعي سبعا، ورمي الجمار سبعا، وأيام التشريق ثلاثة، والاستنجاء ثلاثة، وشبه ذلك.

وقيل: معناه ينصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتصرف مخلصا له.

فصل:

لما خرجها البيهقي في "الأسماء والصفات" وابن خزيمة في "صحيحه" من حديث صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا، وعددها.

قال وذكر من رواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، قال: -وهو ضعيف- ثنا أيوب بن أبي تميمة، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا، فذكر أسماء غير المتقدمة وقال: تفرد بهذه الرواية عبد العزيز. ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، في حديث الوليد بن مسلم، ولهذا الاحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج حديث الوليد هذا في الصحيح، فإن كان محفوظا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[ ص: 389 ] فكأنه قصد أن من أحصى من أسماء الله تسعة وتسعين اسما دخل الجنة، سواء أحصاها مما نقلنا في حديث الوليد، أو مما نقلنا في حديث ابن الترجمان، أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة.

ولما خرجه الحاكم من حديث صفوان بن صالح، عن الوليد، قال: هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه، والعلة فيه عندهما أن الوليد تفرد بسياقته بطوله، وذكر الأسامي فيه، ولم يذكرها غيره، وليس هذا بعلة، فإني لا أعلم اختلافا بين أئمة الحديث أن الوليد أوثق، وأحفظ، وأعلم، وأجل من أبي اليمان، وبشر بن شعيب، وعلي بن عياش، وأقرانهم من أصحاب [شعيب]، ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه ابن الترجمان، عن أيوب، وهشام.

وهو حديث محفوظ عنهما مختصر دون ذكر الأسامي الزائدة عنها كلها في القرآن، وابن الترجمان ثقة، وإن لم يخرجها، وإنما خرجته شاهدا للحديث الأول، ولما خرجه الترمذي من حديث صفوان، قال: هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان، ولا نعرفه إلا من حديثه، وهو ثقة عند أهل الحديث.

وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.

[ ص: 390 ] وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح.

التالي السابق


الخدمات العلمية