التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6081 [ ص: 450 ] 15 - باب: الغنى غنى النفس

وقوله تعالى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين إلى قوله تعالى: هم لها عاملون [المؤمنون: 55 - 63]. قال ابن عيينة: لم يعملوها، لا بد أن يعملوها.

6446 – حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس". [مسلم: 1051 - فتح: 11 \ 271].


قلت: وافقه الحسن وزاد أنها أعمال رديئة. وعبارة مجاهد: لهم خطايا لا بد أن يعملوها.

قال قتادة: ورجع إلى أهل البر (فقال): ولهم أعمال من دون ذلك [المؤمنون: 63] أي: سوى ما عددتم.

قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر -هو ابن عياش السالف قريبا- ثنا أبو حصين -هو عثمان بن عاصم وهو بفتح الحاء- عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

الشرح:

الآية نزلت في الكفار فليست بمعارضة لدعائه لأنس بكثرة المال والولد، والمعنى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخيرا؟ بل هو استدراج; ولذلك قال تعالى: بل قلوبهم في غمرة من هذا [المؤمنون 63] أي: في غطاء عن المعرفة أن الذي يمدهم به من مال استدراج لهم.

[ ص: 451 ] وقال بعض أهل التأويل في قوله: أنما نمدهم به هي الخيرات، فالمعنى: نسارع فيه، ثم أظهر فقال: في الخيرات أي: نسارع لهم في الخيرات. والخبر محذوف، والمعنى: نسارع لهم به. وقيل: (أنه ما)، فالمعنى: نسارع لهم، وقرئ بالياء مضمومة وكسر الراء، وهذا على حذف، أي: الإمداد ويسارع لهم به في الخيرات.

والمراد بالحديث: ليس حقيقة الغنى كثرة متاع الدنيا; لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال يكون فقير النفس لا يقنع بما أعطي فهو يجهد دائما في الزيادة ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير من المال لشدة شرهه وحرصه على الجمع، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس الذي استغنى صاحبه بالقليل وقنع به، ولم يحرص على الزيادة فيه، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني واجد أبدا، وغنى النفس: هو باب الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علما أن ما عند الله خير للأبرار. وفي قضائه لأوليائه الخيار.

روى الحسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارض بما قسم لك تكن أشكر الناس".

[ ص: 452 ] فصل:

العرض -بفتح الراء -: كل ما ينتفع به من متاعها وحطامها، وهو بالإسكان: الأمتعة التي يتجر فيها، قال الجوهري: العرض بالتحريك ما يعرض للإنسان من مرض ونحوه، وعرض الدنيا أيضا: ما كان من مال قل أو كثر، يقال: الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر. وقال أبو عبد الملك: اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال: عرض -بتحريك الراء- الواحد من العروض، وهو خطأ؟ قال تعالى: يأخذون عرض هذا الأدنى الآية [الأعراف: 169]. ولا خلاف بين أهل اللغة في أنه ما يعرض فيه، وليس بواحد، قال: وهو بإسكان الراء: المتاع لكل شيء سوى الدنانير والدراهم، فإنها عين. وقال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا، ولا عقارا.

فصل:

الغنى مقصور، وربما مده الشاعر اضطرارا، وهو من الصوت ممدود، يقال: غنى غناء، والغناء -بالفتح والمد-: الكفاية.

التالي السابق


الخدمات العلمية