التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6114 [ ص: 507 ] 24 - باب: البكاء من خشية الله

6479 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعة يظلهم الله: رجل ذكر الله ففاضت عيناه". [انظر: 660 - مسلم: 1031 - فتح: 11 \ 312].


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "سبعة يظلهم الله في ظله: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

وقد سلف ([وسيأتي] في باب: فضل من ترك الفواحش، من كتاب: المحاربين).

وفي الباب أحاديث أخر منها: ما رواه أسد بن موسى، عن عمران بن يزيد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك مرفوعا: "أيها الناس، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول، ثم تنقطع الدموع وتسيل الدماء، فتقرح العيون، فلو أن السفن أجريت فيها لجرت".

[ ص: 508 ] وكان - عليه السلام - إذا قام إلى الصلاة سمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وهذه كانت سيرة الأنبياء والصالحين، كان خوف الله أشرب في قلوبهم واستولى عليهم الوجل حتى كأنهم عاينوا الحساب، وعن يزيد الرقاشي قال: يا لهفاه، سبقني العابدون، وقطع بي نوح يبكي على خطيئته، ويزيد لا يبكي على خطيئته، إنما سمي نوحا لطول ما ناح على نفسه من البكاء.

وذكر ابن المبارك، عن مجاهد قال: كان طعام يحيى بن زكريا العشب، وكان يبكي من خشية الله ما لو كان النار على عينيه لا تحرقه، ولقد كانت الدموع اتخذت في وجهه مجرى.

وقال ابن عباس مرفوعا: "كان مما ناجى الله موسى أنه لم يتعبد العابدون بمثل البكاء من خيفتي، أما البكاءون من خيفتي فلهم الرفيق لا يشاركون فيه".

وعن وهيب بن الورد، أن زكريا قال ليحيى ابنه شيئا، فقال له: يا أبت إن جبريل أخبرني أن بين الجنة والنار مغارة لا يقطعها إلا كل بكاء. وقال الحسن: أوحى الله إلى عيسى أن اكحل عينيك بالبكاء إذا رأيت البطالين يضحكون. وعن وهب بن منبه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم يزل أخي داود باكيا على خطيئته أيام حياته كلها، وكان

[ ص: 509 ] يلبس الصوف، ويفترش الشعر، ويصوم يوما ويفطر يوما، ويأكل خبز الشعير بالملح والرماد، ويمزج شرابه بالدموع، ولم ير ضاحكا بعد الخطيئة، ولا شاخصا ببصره إلى السماء، حياء من ربه، وهذا بعد المغفرة، وكان إذا ذكر خطيئته خر مغشيا عليه، يضطرب كأنه أعجب منه، فقال: وهذه خطيئة أخرى".


وروي عن محمد بن كعب في قوله تعالى: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ص: 25] قال: الزلفى: أول من يشرب من الكأس يوم القيامة داود وابنه - عليهما الصلاة والسلام -. قال بعضهم: أرى هذه الخاصية; لشربه دموعه من خشية الله. وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فيقال له: قد تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه". وقال أبو رجاء: رأيت مجرى الدموع من ابن عباس كالشراك البالي من البكاء.

فصل:

ومن أحاديث الباب قوله - عليه السلام -: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين". يعني: أهل الحجر. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" من حديث أبي ذر بزيادة: "ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله".

[ ص: 510 ] ومن حديث يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعا: "ابكوا"، وقد سلف للترمذي من حديث ابن عباس مرفوعا: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين حرست في سبيل الله". ثم قال: حسن غريب.

وبعضهم رواه عن ابن عباس، عن العباس، ذكره أبو موسى المديني. وله من حديث أبي هريرة: "ثلاثة أعين لا تمسها النار" فذكرهما، وزاد: "وعين فقئت في سبيل الله". قال المديني: قوله: "فقئت" غريب لا أعرفه إلا من هذا الوجه. وذلك نحو ما روي عن عثمان بن مظعون، وقتادة بن النعمان - رضي الله عنهما -، وغيرهما، وروي هذا العدد أيضا عن معاوية بن حيدة وابن عباس وأبي ريحانة إلا أنهم قالوا يدل فقء العين على الغض عن محارم الله، وفي حديث أسامة بن زيد مرفوعا: "كل عين باكية يوم القيامة إلا أربعة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين باتت ساهرة فباتت ساجدة لله تعالى".

ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "لا يدخل النار عين بكت من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع". قال أبو موسى: وهو على شرط الترمذي والنسائي. ومن حديث زيد بن أرقم: قال رجل: يا رسول الله بما أتقي النار؟ قال: "بدموع عينيك فإن عينا بكت من

[ ص: 511 ] خشية الله لا تمسها النار أبدا".
وقال: هذا إسناد غريب، ويروى من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أيضا.

ومن حديث ابن مسعود مرفوعا: "ما من عبد مؤمن يخرج من عينيه دموع وإن كانت مثل رأس الذباب من خشية الله لم تصب شيئا من خروجه إلا حرمه الله على النار".

ثم قال: هذا الحديث من هذا الوجه يعرف بمحمد بن أبي حميد رواه عنه جماعة، ومن حديث قتادة، عن أنس رفعه: "ما اغرورقت عين بمائها إلا حرمه الله على النار".

قال: ورواه عبيدة بن حسان، عن النضر بن حميد رفعه فزاد فيه: "من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار; فإن فاضت على وجهه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة".

ومن حديث أنس مرفوعا: "إن العبد ليمرض المرض فيرق قلبه فيذكر ذنوبه التي سلفت منه، فيقطر من عينه مثل رأس الذباب من الدمع، فيطهره الله من ذنوبه; فإن بعثه بعث مطهرا وإن قبضه قبضه مطهرا".

[ ص: 512 ] ومن حديث ثابت عنه: نزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وعزتي وجلالي لا تبكين عين عبد في الدنيا من خشيتي إلا أكثرت ضحكها في الجنة".

ومن حديث القاسم، عن أبي أمامة رفعه: "ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دمع من خشية الله، وقطرة دم تراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله". وقال أبو موسى: رواه أبو النضر، عن (أبي) الوليد، عن القاسم، عن أبي أمامة موقوفا.

وذكر ابن منجويه الدينوري في كتاب "الوجل" من حديث العباس مرفوعا: "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة اليابسة ورقها". قال أبو موسى: لا أعرفه إلا من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي. قلت: أخرجه ابن منجويه أيضا من حديث الليث بن سعد أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية