التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6119 6484 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكرياء، عن عامر قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". [انظر: 10 - مسلم: 40 - فتح: 11 \ 316].


ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث: "وأنا النذير العريان".

ثانيها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها" الحديث.

ثالثها: حديث عبد الله بن عمرو: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

[ ص: 525 ] وكلها أمثال ضربها الشارع لأمته; لينبههم بها على استشعار الحذر خوف التورط في محارم الله والوقوع في معاصيه، ومثل ذلك لهم بما عاينوه وشاهدوه من أمور الدنيا، فيقرب ذلك من إفهامهم، ويكون أبلغ في موعظتهم، فمثل - عليه السلام - اتباع الشهوات المؤدية إلى النار بوقوع الفراش في النار; لأن الفراش من شأنه اتباع (حر) النار حتى يقع فيها.

فكذلك متبع شهوته يئول به ذلك إلى عذاب النار، وشبه جهل راكب الشهوات بجهل الفراش; لأنها لا تظن أن النار تحرقها حتى تقتحم فيها.

فصل:

و("العريان"): رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة.

قال ابن السكيت: هو عوف بن عامر، فقطع يده ويد امرأته، فرجع إلى قومه، فضرب - عليه السلام - المثل لأمته; لأنه تجرد لإنذارهم لما يصير إليه من اتبعه من كرامة [الله]، وبما يصير إليه من عصاه من نقمته وعذابه، يجرد من رأى من الحقيقة ما رأى النذير العريان المذكور حتى ضرب به المثل في تحقيق الخبر، ولم يذكر ابن بطال غيره.

وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان هي امرأة رقبة بن عامر بن كعب لما خشي زوجها ابن المنذر بن ماء السماء لقتله أولاد أبي دواد جار

[ ص: 526 ] المنذر فركبت جملا (ولحقت) بقومها وقالت: أنا النذير العريان. ويقال: أول من فعله إبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة حين غزا البيت (ورجع إلى اليمن وقد سقط لحمه.

وقال الفضل بن سلمة: إنما يقال النذير العريان); لأن الرجل إذا رأى الغارة فجئتهم وأراد إنذار قومه تجرد من ثيابه وأشار بها; ليعلم أن قد فجئهم أمر، ثم صار مثلا لكل أمر يخاف بمفاجأته، وفي "المختلف والمؤتلف" لأبي بشر الآمدي: زنير -بالنون- بن عمرو الخثعمي الذي يقال له النذير العريان، وكان ناكحا في آل زبيد فأرادت زبيد أن تغزو خثعما فخشوا أن ينذر قومه، فحرسه أربعة نفر، فصادف غرة بعد أن رمى ثيابه، وكان من أشد الناس عدوا. وقال أبو عبد الملك: هذا مثل قديم، وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه، فجاء إلى المدينة فقال: إني رأيت الجيش -بعيني- وإني أنا النذير لكم وتروني عريانا، جردني الجيش، فالنجاء النجاء.

فصل:

وقوله: ("العريان") هو بمثناة تحت. قال الخطابي: رواه محمد بن خالد بباء موحدة فإن كان محفوظا فمعناه: الفصح بالإنذار ولا يكني ولا يوري، يقال: رجل عربان أي: فصيح اللسان ويقال: أعرب الرجل عن حاجة: إذا أفصح عنها. قال: وروي العريان، ومعناه: أن الربيئة إذا كان على مركب عال فبصر بالعدو ونزع ثوبه فأشاح به

[ ص: 527 ] فنذر القوم، فيبقى عريانا.

فصل:

قوله: ("فالنجاء النجاء"): هو ممدود، قال ابن فارس: يقال: نجا الإنسان ينجو نجاة، ومن السرعة نجاء، وناقة ناجية ونجاة: سريعة. وهو منصوب على الإغراء أي: الزموا النجاء، والمعنى: أسرعوا.

فصل:

وقوله: ("فادلجوا"): هو بتشديد الدال، كذا ضبطه الدمياطي، قال الجوهري: أدلج إذا سار أول الليل، رباعي، وكذلك ذكر الخطابي وقال ابن فارس: أدلج القوم، إذا قطعوا الليل كله سيرا، وادلجوا بتشديد الدال: إذا ساروا من آخره.

وقال الداودي: أدلجوا: ساروا في طائفة من الليل. قال ابن التين: ورويناه رباعيا على أنه بقطع الهمزة.

فصل:

وقوله: ("على مهلهم") هو بفتح الميم والهاء.

وقوله: ("فصبحهم الجيش") أي: أتاهم صباحا.

("فاجتاحهم") أي: استأصلهم، ومنه الجائحة التي تفسد الثمار، وأصله من جحت الشيء أجوحه أي: أستأصله.

[ ص: 528 ] فصل:

والفراش، قال النحاس في "معانيه": صغار البق. وفي "تفسير الطبري" نحوه كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا. وكذا قال الفراء في تفسير قوله تعالى: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث [القارعة: 4] بزيادة وكذلك الناس يوم القيامة. وقال الطبري: ليس هو ببعوض ولا ذبان. وهو قول أبي عبيد. وقال ابن سيده في "محكمه": دواب مثل البعوض واحدتها: فراشة. وقال أبو نصر: هي التي تطير وتتهافت في السراج، وفي المثل: أطيش من فراشة، والجمع: فراش. وقال القزاز: تطير بالليل، ومنه: أحد من فراشة، ويقال للرجل الخفيف فراشة تشبيها بذلك، وفي "مجمع الغرائب": هي ما يتهافت في النار من الطيارات، وفي "مغرب المطرزي" هو: غوغاء الجراد، وهو ما يتفرش أي: يبسط جناحيه، وسموا دود القز فراشا; لأنها تطير كذلك إذا خرجت من الفيلق.

وقال الداودي: هو طائر فوق البعوض.

فصل:

وقوله: ("وأنا آخذ بحجزكم"): هو جمع حجزة: وهو معقد الإزار وحجزة السراويل التي فيها التكة. وقال الداودي: يعني مرابط

[ ص: 529 ] السراويل، كأنه يأخذ الإنسان بها من ورائه قد أشفى على السقوط فمن بين غالب له مقتحم، ومن بين ناج، والجيم يصح سكونها وفتحها. قال ابن التين: وبالفتح قرأناه.

فصل:

قوله: ("والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه") أي: قطعه وتباعد من فعله، معنى المهاجر: التام الهجرة فلا هجرة أعظم من هجر المحرمات، كما قال - عليه السلام -: "إن جهاد النفس أكبر من جهاد العدو".

فصل:

تحذلق بعض الشراح فقال: ينظر في دخول قوله - عليه السلام -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" في هذا الباب، وقد أغفل منه قوله: "والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" فحذف موضع الحاجة ثم شرع يسأل.

التالي السابق


الخدمات العلمية