التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6135 [ ص: 580 ] 37 - باب: من جاهد نفسه في طاعة الله تعالى

6500 - حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: بينما أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال: "يا معاذ". قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ". قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل". قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: "هل تدري ما حق الله على عباده؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا". ثم سار ساعة ثم قال: "يا معاذ بن جبل". قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟". قلت: الله ورسوله أعلم قال: "حق العباد على الله أن لا يعذبهم". [انظر: 2856 - مسلم: 30 - فتح: 11 \ 337].


ذكر فيه حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: بينا أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال: "يا معاذ". قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ". قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل". قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: "هل تدري ما حق الله -عز وجل-.. ".

الحديث، وقد سلف في الاستئذان، ويأتي في الاعتصام في باب: وكان عرشه على الماء.

[ ص: 581 ] (وآخرة الرحل): ما يستند إليها الراكب، قال يعقوب: ولا تقل مؤخرة. وقال غيره: هي لغة قليلة، وقال الداودي: إنها العود الذي يكون بين وركي الراكب. قال: والرحل: سرج الجمل، وقال الجوهري: الرحل: رحل البعير، وهو أصغر من القتب.

وقوله: ("ما حق العباد على الله؟ ") يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون خرج مخرج المقابلة في اللفظ، كقوله: ومكروا ومكر الله [آل عمران: 54]; لأنه قال في أوله: "ما حق الله على عباده؟ " فأتبع الثاني الأول.

والثاني: أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كقول المعتزلة، وكأنه لما وعد تعالى صار حقا من هذه الجهة; لأنه لا يخلف الميعاد. وقال الداودي فيه: أنه جعل على نفسه حقا بفضله وعدله، خلافا لقول بعض الناس: إنه لو شاء عذب الخلق جميعا، وفيهم من لا ذنب له.

قلت: وهذا هو مذهب أهل الحق.

فصل:

(وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة مجاهدة النفس بالتوحيد; فإنه لا يأمر مخير)، وجهاد المرء نفسه: هو الجهاد الأكبر، وحرب العدو الأصغر، قال تعالى: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات: 40، 41]. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأصحابه وقد انصرفوا من الجهاد "أتيتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال:

[ ص: 582 ] "مجاهدة النفس"،
وقال سفيان الثوري: ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك به أجر، إنما عدوك نفسك التي بين جنبيك، فقاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك، وقال أويس القرني لهرم بن حبان: ادع الله أن يصلح قلبك ونيتك، فإنك لن تعالج شيئا أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبل، إذ هو مدبر، فاغتنم إقباله قبل إدباره، والسلام عليك.

وقال علي - رضي الله عنه -: أول ما تفقدون من دينكم جهاد أنفسكم. وقد يكون جهاد النفس منعها الشهوات المباحة; توفيرا لها في الآخرة لئلا يدخل في معنى قوله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها الآية [الأحقاف: 20]. وعلى هذا جرى سلف الأمة، وقال سالم الخواص: أوحى الله إلى داود: لا تقرب الشهوات فإني خلقتها لضعفاء خلقي; فإن أنت قربتها أهون ما أصنع بك أسلبك حلاوة مناجاتي، يا داود قل لبني إسرائيل: لا تقربوا الشهوات; فالقلب المحجوب بالشهوات حجبت صوته عني.

التالي السابق


الخدمات العلمية