التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6220 6593 - حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي. فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا .

فكنتم على أعقابكم تنكصون [المؤمنون: 66]: ترجعون على العقب. [انظر: 7048 - مسلم: 2213 - فتح: 11 \ 466].


[ ص: 114 ] ثم ساق أحاديث:

أحدها:

حديث شقيق ، عن عبد الله وشعبة ، عن أبي عوانة ، عن سليمان، عن أبي المغيرة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي . فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" تابعه عاصم عن أبي وائل . وقال أبو حصين : عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الفرط والفارط: هو الذي سبق أصحابه إلى الماء ليسقي ويقوى في الحياض، حتى يردوا فيشربوا، وفراط: جمع فارط في شعر الفطامي .

ومعنى "ليختلجن دوني": يعدل بهم عن الحوض، وأصله الجذب والإسراع، وكل شيئين فرق بينهما، فقد تخلج أحدهما عن صاحبه.

وقوله: ("ما أحدثوا بعدك") هو من ارتد بعده من الأعراب. وقوله: (عن أبي وائل، عن عبد الله ) ومرة: (عن حذيفة ) لا ينكر أن يكون ذلك عنهما، وهذا يدل أن ذلك قبل قوله: "فيحد لي حدا" إلى آخر الحديث.

الحديث الثاني:

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح" .

هما موضعان. قال ابن التين : وقرأنا "جرباء" بالمد، وفتح الجيم، و"أذرح": غير مصروف; لأنه تأنيث البقعة.

[ ص: 115 ] الحديث الثالث:

حديث أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه.

الكوثر وزنه فوعل من الكثرة، قال الهروي : وجاء في التفسير أنه القرآن والنبوة.

الحديث الرابع:

حديث ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا" .

الكيزان: جمع كوز، كعود وأعواد، وكوزة مثل: عود وعودة. قال الداودي : هي الأقداح والأواني.

ومعنى "لا يظمأ": لا يعطش. قال تعالى: وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [طه: 119].

الحديث الخامس:

حديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء" .

الحديث السادس:

حديثه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم، قال: "بينما أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك. فإذا طينه -أو طيبه- مسك أذفر" شك هدبة -يعني [ ص: 116 ] ابن خالد – شيخ البخاري .

والدر جمع درة: وهي اللؤلؤة، وتجمع درات ودرر. والمجوف: الخاوي، والمسك الأذفر: الذكي الرائحة، قال ابن فارس : الذفر: حدة الرائحة الطيبة والخبيثة.

وقوله: ("بينما أنا أسير") إلى آخره. قال الداودي : إن كان محفوظا يدل على أن الحوض الذي يزاد عنه أقوام غير النهر الذي رآه، وهو في الجنة، أو يكون يراهم وهو في الجنة وهم خارج، فيناديهم، فينصرفون ذات الشمال، فيتفق (الحديثان).

الحديث السابع:

حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك" .

ثم ساقه بعد من حديث أبي سعيد الخدري بزيادة: "فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي" وقال ابن عباس "سحقا": بعدا. يقال: سحيق: بعيد، وأسحقه وسحقه واحد: أبعده.

وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي : ثنا أبي، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض" الحديث بنحوه "ارتدوا على أدبارهم القهقرى".

ثم ساق عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرد علي الحوض" وقال: "من أصحابي فيحلئون عنه" الحديث بنحوه.

[ ص: 117 ] وقال شعيب ، عن الزهري : كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فيحلئون" فقال عقيل: فيجلون. وقال الزبيدي ، عن الزهري ، عن محمد بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ثم ساق من حديث عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. "ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى" وفي آخره. "فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم" .

الشرح:

الرهط: ما دون العشرة من الرجال، لا يكون فيهم امرأة.

وقوله: "فيجلون" ضبطناه بالحاء والجيم، وقد سلف اختلاف (الرواة) في ذلك. قال ابن التين : قرأناه بالجيم في موضع، وبالحاء في آخر مهموزا. قال الجوهري : حلأت الإبل عن الماء، تحلئة وتحليئا: إذا طردتها عنه ومنعتها أن ترده، ونحوه عن الخطابي وابن فارس ، وأنشدوا:


محلأ عن سبيل الماء (مطرود)

.

قال الجوهري : وكذلك غير الإبل، وذكر عن البختري حلأت الإبل، بالتشديد والتخفيف، وهو مهموز عند جميعهم. وفي رواية غير مهموز وإنما سهل الهمزة.

[ ص: 118 ] وقال الجوهري : قوله: "يجلون" يعني: الطرد، وإن كان بالحاء فهو أطبع وتجلو أيديهم من الخير.

والقهقرى: الرجوع إلى خلف، كما قاله الجوهري وغيره، فإذا قلت: رجعت القهقرى. فإنك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم; لأن القهقرى ضرب من الرجوع. ومعنى الحديث: أنهم ارتدوا عما كانوا عليه. وحكى ابن ولاد ، عن أبي عمرو أن القهقرى: الإحضار، وهو العدو، ويقال: حضر الفرس وأحضر.

ومعنى "يجلون" بالجيم: يصرفون، مثل: يحلون بالمهملة. والهمل بالتحريك: الإبل بلا راع مثل النفش، إلا أن النفش لا يكون إلا ليلا، والهمل يكون ليلا ونهارا، يقال: إبل هاملة وهمال وهوامل، وتركتها هملا أي: سدى إذا أرسلتها ترعى ليلا ونهارا بلا راع، وفي المثل: اختلط المرعي بالهمل، المرعي: ما له راع، قاله الجوهري ، وعند ابن فارس : الهمل السدى من النعم ترعى نهارا بلا راع، وقال الخطابي : الهمل من النعم: ما لا ترعى ولا تستعمل تترك هملا لا تتعهد حتى تضيع وتهلك، قال: وقد يكون الهمل أيضا بمعنى الضوال، وقال الهروي في الحديث سألته عن الهمل -يعني: الضوال من النعم- واحدته هامل، كحارس وحرس، وطالب وطلب، ومعنى الحديث: أنه لا يخلص منهم إلا القليل; لأن الهمل من الإبل قليل نادر.

[ ص: 119 ] ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" .

وقد سلف في موضعه، وأن المراد ببيته: بيت عائشة الذي فيه قبره، أو معنى بيته: قبره. وسلف معناه أيضا، واحتج به من فضل المدينة على مكة ، وأنه خص ذلك الموضع منها لفضله على بقيتها فسواها أولى، وخولف.

وحديث جندب : "أنا فرطكم على الحوض" .

وقد سلف معناه أول الباب.

وحديث عقبة بن عامر أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فرط لكم" الحديث.

معناه: دعاء لهم، وكان ذلك بعد موتهم بثمانية أعوام. وقيل: صلى صلاة الموتى، وهو ظاهر الحديث.

وقوله فيه: ("وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن") يحذرهم أن يأتوا بما يوجب طردهم عنه.

وقوله: ("فإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض") أو "مفاتيح الأرض" أي: كنوزها، وأصله من: خزن الشيء فأسره، ويقال للسر من الحديث: مختزن.

وحديث حارثة بن وهب يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحوض فقال كما قال: "كما بين المدينة وصنعاء ".

وزاد ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة ، سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: حوضه ما بين صنعاء والمدينة . فقال له [ ص: 120 ] المستورد : ألم تسمعه قال: "الأواني" قال: لا. قال المستورد : "ترى فيه الآنية مثل الكواكب" .

وحديث أسماء قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني على حوضي حتى أنظر من يرد علي منكم" الحديث.

قوله: ("الآنية مثل الكواكب") يحتمل أن يريد التكبير، ويحتمل أن يريد الحقيقة، كما قاله الداودي .

وقوله: ("ما برحوا") أي: ما زالوا.

وقوله: في الحوض ("كما بين صنعاء والمدينة ") وفي الأول: " المدينة وصنعاء" يريد صنعاء الشام ، وقال: قيل: كما بين صنعاء وأيلة فيحتمل أن يكون ذلك كله سواء، أو يكون ما بين صنعاء والمدينة ما بينها وبين أيلة ، ومثل ذلك ما سلف أول الباب: "ما بين جرباء وأذرح" .

آخر الرقائق وما ألحق به.

التالي السابق


الخدمات العلمية