التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6223 [ ص: 129 ] 2 - باب: جف القلم على علم الله -عز وجل-

وقوله تعالى: وأضله الله على علم [الجاثية: 23] وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جف القلم بما أنت لاق" [انظر: 5076]. قال ابن عباس: لها سابقون [المؤمنون: 61]: سبقت لهم السعادة .

6596 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا يزيد الرشك قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث، عن عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: "نعم". قال: فلم يعمل العاملون؟ قال " كل يعمل لما خلق له". أو "لما يسر له". [7551 - مسلم: 2649 - فتح: 11 \ 491].


ذكر فيه حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: "نعم". قال: فلم يعمل العاملون; قال: "كل يعمل لما خلق له -أو- "لما يسر له" .

عرض البخاري في هذا الباب غرضه السالف من إدحاض حجة القدرية بهذه النصوص من كلام الله تعالى وكلام رسوله، كما نبه عليه المهلب ، فأخبر أنه قد فرغ من الحكم على كل نفس، وكتب القلم بما يصير إليه العبد من خير أو شر في أم الكتاب، وجف مداده على المقدور من علم الله، وأضله الله على علم به، ومعرفة ما كان يصير إليه أمره لو أهمله، ألا تسمعه قد بين ذلك في كتابه حيث يقول: هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى [النجم: 32] يعرفنا أنه كان بنا عالما حين خلق آدم من طينة الأرض المختلفة، وأحاط علما بما يقع من تلك الطينة لكل شخص من أشخاص ولده إلى يوم القيامة المتناسلين [ ص: 130 ] من صلب إلى صلب في أعداد لا يحيط بها إلا محصيهم تعالى، وعلم ما قسمه من تلك الطينة (من طيب أو خبيث) وعلم ما يعمل كل واحد من الطاعة والمعصية; ليشاهد أعماله بنفسه، وكفى بنفسه شهيدا عليه ، ولتشهد عليه ملائكته، ومن عاينه من خلقه، فتنقطع حجته، وتحق عقوبته، وكذلك قال لأبي هريرة - رضي الله عنه - حين أراد أن يختصي خشية الزنا على نفسه: "قد جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر" فعرفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم من خير أو شر، فإنه لا بد عامله ومكتسبه، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول، الذي ظاهره التخيير، ومعنى النهي والتكسب لمن أراد الهروب عن القدر، والتعريف له أنه إن فعل فإنه أيضا من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه.

وقد سئل الحسن البصري عن القدر فقال: إن الله خلق الخلق للابتلاء، لم يطيعوه بإكراه منه، ولم يعصوه بغلبة، ولم (يهملهم من المملكة) بل كان المالك لما ملكهم فيه، والقادر لما قدره عليهم، فإن يأتم العباد بطاعة الله لم يكن الله صادا عنها، ولا مبطأ بل يزيدهم هدى إلى هداهم وتقوى إلى تقواهم، وإن يأتم العباد بمعصية الله، كان القادر على صرفهم، إن شاء فعل، وإن شاء (حال) بينهم وبينها فيكتسبونها، فمن بعد الإعذار والإنذار لله الحجة البالغة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [الأنبياء: 23] ولو شاء لهداكم أجمعين [النحل: 9].

[ ص: 131 ] فصل:

قال المهلب أيضا: في حديث الباب حجة لأهل السنة على المجبرة من أهل القدر، وذلك قوله: ("اعملوا فكل ميسر لما خلق له") ولم يقل: فكل مجبر على ما خلق له، وإنما أراد لما خلق له من عمله للخير أو للشر، فإن قلت: إنما أراد بقوله: لما خلق له الإنسان من جنة أو نار، فقد أخبر أنه ميسر لأعمالها ومختار لا مجبر; لأن الجبر لا يكون باختيار، وإنما هو إكراه.

فصل:

قيل: أول ما خلق الله اللوح والقلم والدواة ، وقال للقلم: اكتب ما يكون، فكتب. وروي عن ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب. ثم خلق نون، فوقع ذلك، فذلك قوله تعالى: ن والقلم وما يسطرون [القلم: 1] وذكر أيضا عنه: أن أول ما خلق الله الدواة، وهي نون والقلم، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة .

فصل:

وقوله تعالى: وأضله الله على علم [الجاثية: 23] أي: علم الله تعالى في الأزل من يضله ومن يهديه، هذا معنى ما ذهب إليه البخاري في الترجمة كما مر، وقيل معناه: أنه أضله بعد أن أعلمه وبين له فلم يقبل.

فصل:

قوله: ("كل يعمل لما خلق له -أو- لما ييسر له") إنما قال إحداهما، يعني: أنه إنما يعمل ما سبق في علمه سبحانه أنه يعمله.

التالي السابق


الخدمات العلمية