التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6233 6607 - حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، حدثني أبو حازم، عن سهل أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هذا". فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين، حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسرعا فقال: أشهد أنك رسول الله. فقال "وما ذاك؟". قال: قلت لفلان: "من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه". وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم" [انظر: 2898 - مسلم: 112 - فتح: 11 \ 499].


[ ص: 143 ] ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، فقال - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن كان معه يدعي الإسلام: "هذا من أهل النار" فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال . الحديث.

وفيه: (نحر نفسه) وفي آخر الحديث "وإنما الأعمال بالخواتيم" ثم ذكر مثله من حديث سهل .

وسلفا في غزوة خيبر ، وسلفت الترجمة أيضا، وسلف حديث أبي هريرة في الجهاد (أيضا).

وهذا -أعني "إنما الأعمال بالخواتيم"- حكم الله في عباده في الخير والشر، فيغفر الكفر وأعماله بكلمة الحق يقولها العبد عند الموت قبل المعاينة لملائكة العذاب، وكذلك يحبط عمل المؤمن إذا ختم له بالكفر، كذلك هذا الحكم موجود في الشرع كله، كقوله: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة" وقوله: "من أدرك ركعة من الصبح" وكذلك: "من العصر" فجعله مدركا لفضل الوقت بإدراك الخاتمة، وإن كان لا يدرك منه إلا أقله، وكذلك من أدرك جزءا من ليلة عرفة قبل الفجر، فوقف بها أدرك الحج، وتم له ما فاته (من [ ص: 144 ] مقدماته) كما عهد الذي لم يعمل خيرا قط أن يحرق ويذرى، فكانت خاتمة سوء عمله خشية -أدركته (لربه) - تلاقاه الله بها، فغفر له (سوء عمله) طول عمره، هذا فعل من لا تضره الذنوب، ولا تنفعه العبادة، وإنما تنفع وتضر المكتسب لها الدائم عليها إلى أن يموت. نبه على ذلك المهلب .

وفي قوله: "العمل بالخواتيم" حجة قاطعة على أهل القدر في قولهم: إن الإنسان يملك أمر نفسه، ويختار لها الخير والشر. فمهما اتهموا اختيار الإنسان لأعماله الشهوانية واللذيذة عنده، فلا يتهمونه باختيار القتل لنفسه؛ إذ هو أوجع الآلام، وأن الذي طيب عنده ذلك غير اختياره، والذي يسره له دون جبره عليه ولا مغالب له، هو قدر الله السابق في علمه، والختم من حكمه.

فصل:

قوله: (يدعي الإسلام) أي: تلفظ به.

وقوله: (كثرت به الجراح فأثبتته) أي: صرعته صرعا لا يقدر معه على القيام.

وقوله: (فاشتد رجال) أي: أسرعوا في السير إليه، لا جرم قال في الحديث الثاني: فأقبل الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مسرعا .

وقوله: (فأهوى بيده إلى كنانته وانتزع منها سهما فانتحر به) وذكر في الحديث الثاني: فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من كتفيه) [ ص: 145 ] والظاهر أنها قصة واحدة، وأن الراوي نقل على المعنى، ويحتمل أن يكونا رجلين.

وفيه من علامات النبوة: ظهور صدقه.

والكنانة: الجعبة التي فيها السهام.

وقوله: ("لا يدخل الجنة إلا مؤمن") أي: مصدق بقلبه، ويصدقه. قوله: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ".

وفيه: جواز الاستعانة بالمشركين في قتال الكفار ، وهو مذهبنا، وأجازه ابن حبيب ، وأباه في "المدونة".

فصل:

قوله في الحديث الثاني: (غناء عن المسلمين) الغناء -بالفتح والمد- الجزاء والنكاية وإن كسر الغين قصر، قاله الداودي .

وقال ابن ولاد : الغناء -ممدود- النفع، يقال: إن فلانا لقليل الغناء، قال: والغنى ضد الفقر مقصور يكتب بالياء، ومن الصوت ممدود مكسور.

[ ص: 146 ] وقوله: (فجعل ذباب سيفه بين ثدييه) قد سلف عن ابن فارس أنه قال: الثندؤة بالهمز للرجل، والثدي للمرأة.

والجوهري جعل الثدي للرجل، وهذا الحديث شاهد له.

التالي السابق


الخدمات العلمية