التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6236 [ ص: 150 ] 7 - باب: لا حول ولا قوة إلا بالله

6610 - حدثني محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا، ولا نعلو شرفا، ولا نهبط في واد، إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال: فدنا منا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا". ثم قال: "يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله". [انظر: 2992 - مسلم: 2704 - فتح: 11 \ 500].


ذكر فيه حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة... الحديث، "اربعوا على أنفسكم" إلى آخره. ثم قال: "يا عبد الله بن قيس ، ألا أدلك على كلمة هي من كنوز الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله" وقد سلف.

"واربعوا" بالباء الموحدة. قال ابن السكيت : ربع الرجل يربع إذا وقف وانحبس.

ومنه قولهم: اربع على نفسك، أي: ارفق بها وكف.

وقوله: ("من كنوز الجنة") يعني: أن ثوابها كثير، يوجب الجنة. قاله الداودي .

وهذا باب جليل في الرد على القدرية ، وذلك أن معنى لا حول ولا قوة إلا بالله: لا حول للعبد ولا قوة له إلا بالله، أي: يخلق الله له الحول والقوة، التي هي القدرة على فعله للطاعة والمعصية.

[ ص: 151 ] قال المهلب : فأخبر - عليه السلام - أن الباري خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره، وإذا كان خالقا للقدرة فلا شك أنه خالق للشيء المقدور، فيكون المقدور كسبا للعبد خلقا لله، بدليل قوله تعالى: خالق كل شيء [الرعد: 16] وقوله: إنا كل شيء خلقناه بقدر [القمر: 49] قال محمد بن كعب القرظي : نزلت هذه الآية الأخيرة تعييرا لأهل القدر، والدليل على أن أفعالهم خلق لله أن أيديهم التي عندهم هي خالقة لأعمال الشر من الظلم والتعدي، وفروجهم التي هي خالقة للزنا قد توجد عاطلة من الأعمال عاجزة عنها.

ألا ترى أن من الناس من يريد الزنا، وهو يشتهيه بعضو لا (آفة) فيه، فلا يقدر عليه عند إرادته للزنا، ولو كان العبد خالقا لعمله لما عجزت أعضاؤه عند إرادته ومستحكم شهوته، فثبت أن القدرة ليست لها، وأنها لمقدر يقدرها إذا شاء، ويعطلها إذا شاء، لا إله إلا هو.

فصل:

وإنما أمرهم بالربع على أنفسهم على جهة الرفق بهم، وقد سلف هذا المعنى في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت بالتكبير. وعرفهم - عليه السلام - أن ما يعلنون به من التكبير ويجتهدون فيه من الجهاد هو فضل الله عليهم؛ إذ لا حول لهم ولا قوة (في شيء منه) إلا بالله الذي أقدرهم عليه، وحببه إليهم، وإن كان فيه تلف نفوسهم؛ رغبة في جزيل الأجر وعظيم الثواب.

[ ص: 152 ] فصل:

وفيه: أن التكبير يسمى دعاء، كقوله "إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" فجعل قولهم: "الله أكبر" دعاء له من أجل أنهم كانوا يريدون به إسماعه الشهادة له بالحق.

التالي السابق


الخدمات العلمية