التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6244 6618 - حدثنا علي بن حفص وبشر بن محمد قالا: أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد: " خبأت لك خبيئا". قال: الدخ. قال: "اخسأ فلن تعدو قدرك". قال عمر: ائذن لي فأضرب عنقه. قال: "دعه، إن يكن هو فلا تطيقه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله". [انظر: 1354 - مسلم: 2130 - فتح: 11 \ 513].


ذكر فيه حديث سالم ، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كثيرا مما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلف: "لا ومقلب القلوب" .

وحديث سالم ، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد : "خبأت لك خبيئا" قال: الدخ. قال: "اخسأ، فلن تعدو قدرك" قال عمر - رضي الله عنه -: ائذن لي فأضرب عنقه . قال: "دعه، إن يكن هو فلا تطيقه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله" .

وهذا قد سلف، والدخ: الدخان، وقيل: خبأ له - عليه السلام - سورة الدخان مكتوبة، فأصاب بعض القصة، وهذا لا يكون إلا من الكهانة إذا اختطف الجان، إذا استرق السمع الكلمة ألقاها إلى من هو دونه، فيقرها في أذن الكاهن.

وقوله: "إن يكن هو -يعني: الدجال الأعور - فلا تطيقه -يعني: أنه لا يموت، يضل من يضل- وإن لم يكن هو" إلى آخره يعني: لأنه ليس من أهل التكاليف; لأنه لم يحتلم.

[ ص: 176 ] فصل:

وقوله: يحول بين المرء وقلبه [الأنفال: 24] يقتضي النص منه تعالى على خلقه الكفر والإيمان، بأن يحول بين قلب الكافر والإيمان الذي أمره به، فلا يكتسبه إذ لم يقدر عليه، بل أقدره على ضده، وهو الكفر، ويحول بين المؤمن وبين الكفر الذي نهاه عنه، بأن لم يقدره عليه، بل أقدره على الإيمان الذي هو به متلبس، وإذا خلق لنا جميع القدرة على ما هما مكتسبان له، مختاران لاكتسابه، فلا شك أنه خالق لكفرهما وإيمانهما; لأن خلقه لكفر أحدهما وإيمان أحدهما من جنس خلق قدرتهما عليه، ومحال كونه قادرا على شيء غير قادر على خلافه أو مثله أو ضده، فبان أنه خالق بهذا النص لجميع كسب العباد، خيرها وشرها، وهذا المعنى قوله: "لا، ومقلب القلوب" لأن معنى ذلك تقليبه قلب عبده عن إيثار الإيمان إلى إيثار الكفر وعكسه، وكان فعل الله تعالى ذلك عدلا فيمن أضله وخذله; لأنه لم يمنعهم حقا وجب عليه، فتزول صفة العدل، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم، لا ما وجب لهم، (وأضلهم) لأنهم ملك من ملكه، خلقهم على إرادته لا على إرادتهم، فكان ما خلق فيهم من قوة الهداية والتوفيق على وجه التفضل.

وقد بين هذا المعنى إياس بن معاوية ، ذكر الآجري من حديث حبيب بن الشهيد ، قال: جاءوا برجل يتكلم في القدر إلى إياس بن معاوية ، فقال له إياس : ما تقول؟ قال: أقول: إن الله أمر العباد ونهاهم، وإن الله لا يظلمهم شيئا. فقال له إياس : أخبرني عن الظلم، تعرفه [ ص: 177 ] أو لا تعرفه؟ قال: بل أعرفه. قال: ما الظلم؟ قال: أن يأخذ الرجل ما ليس له. قال: فمن أخذ ما له ظلم؟ قال: لا، قال إياس : فإن لله -عز وجل- فعل كل شيء.

وقال عمران بن حصين لأبي الأسود الديلي : لو عذب الله أهل السموات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته وسعا لهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا ما تقبل منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره .

وروي مثل ذلك عن ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وسعد بن أبي وقاص ، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -.

وقال زيد : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه قال: "ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم" .

فصل:

وموافقة الحديث للترجمة، وهو قوله - عليه السلام -: لعمر : "إن يكن هو فلا تطيقه" إلى آخره، يعني أنه: إن كان الدجال قد سبق في علم الله خروجه، وإضلاله للناس ، فلن يقدرك خالقك على قتل من سبق في علمه أنه يخرج ويضل الناس؛ إذ لو أقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه، والله تعالى عن ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية