التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
579 604 - حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني نافع، أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود. فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا بلال، قم فناد بالصلاة". [مسلم: 377 - فتح: 2 \ 77]


[ ص: 310 ] الأذان: الإعلام. وفي الشرع: الإعلام بدخول وقت الصلاة المكتوبة، واستفتحه البخاري بقوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية. [المائدة: 58] وقوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [الجمعة: 9] إما للتبرك أو لذكر الأذان فيهما، أو لأن ذلك كان بدء الأذان، وأن ذلك كان بالمدينة، فإنهما مدنيتان، والحديثان اللذان أوردهما عقب ذلك كانا بالمدينة؛ لقوله: (كان المسلمون حين قدموا المدينة).

وقد قال ابن عباس: الأذان نزل مع الصلاة: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [الجمعة: 9] مع أنه قد روي أن الأذان كان ليلة الإسراء كما ذكره أحمد بن فارس وغيره مطولا. وأصل مشروعية [ ص: 311 ] الأذان رؤية عبد الله بن زيد في السنن؛ أبو داود والترمذي والنسائي [ ص: 312 ] ................

[ ص: 313 ] ................

[ ص: 314 ] و"مستدرك الحاكم" وغيره، فوافق ما رآه - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غيره من المؤمنين؛ لما فيه من التنويه من الله بعبده، والرفع لذكره، والتفخيم بشأنه، قال تعالى: ورفعنا لك ذكرك [الشرح: 4].

الحديث الأول: حديث أنس: ذكروا النار والناقوس، وذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.

وقد أخرجه مسلم أيضا، وباقي الستة، وذكره البخاري أيضا في [ ص: 315 ] ذكر بني إسرائيل كما ستعلمه إن شاء الله. وفي لفظ له ذكره قريبا: قال إسماعيل بن إبراهيم: فذكرته لأيوب فقال: إلا الإقامة.

وفي "صحيح ابن منده" هذه اللفظة من قول أيوب، هكذا رواه ابن المديني عن ابن علية، فأدرجها سليمان عن حماد. أي: كما سيأتي في الباب بعده.

ورواه غير واحد عن حماد، ولم يذكروا هذه اللفظة. وفي النسائي أن الآمر بذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يرجح أن هذه الصيغة وهي: (أمر) مقتضية للرفع، وهو الأصح. وصححها ابن حبان [ ص: 316 ] والحاكم.

والمراد معظم الأذان شفع، وإلا فالتكبير في أوله أربع ولا إله إلا الله في آخره مرة، وكذلك المراد بالوتر معظم الإقامة وإلا فلفظ الإقامة والتكبير في أوله مثنى، ولهذا استثنى لفظ الإقامة من قوله: (ويوتر الإقامة إلا الإقامة)، كما تقدم. وإنما لم يستثن التكبير؛ لأنه على نصف لفظه في الأذان، فكأنه وتر. وحاصل مذهبنا أن الأذان تسع عشرة كلمة بإثبات الترجيع، والإقامة أحد عشرة، وأسقط مالك تربيع التكبير في أوله وجعله مثنى، وجعل الإقامة عشرة بإفراد كلمة الإقامة.

وقال أبو حنيفة: هو خمس عشرة بإسقاط الترجيع، وزاد في الإقامة كلمة الإقامة. وحكي عن أحمد أنه لا يرجع، ثم المشهور عندنا سنية الأذان والإقامة، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وعن مالك: تجب في الجماعة. وقال عطاء ومجاهد وداود: هو فرض وقال أحمد: إنه فرض كفاية. وقال ابن المنذر: هو فرض في حق الجماعة في السفر والحضر.

[ ص: 317 ] الحديث الثاني: حديث ابن عمر: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود. فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال قم فناد بالصلاة".

والكلام عليه من أوجه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وللإسماعيلي وأبي نعيم: "فأذن بالصلاة".

ثانيها: معنى يتحينون: يقدرون ويطلبون أحيانها، ويأتون إليها فيها.

والحين: الوقت والزمان. والناقوس توقف الجواليقي هل هو عربي أو معرب. والنقس: ضرب الناقوس، قال في "الصحاح": وفي الحديث: كادوا ينقسون حتى رأى عبد الله بن زيد الأذان. وصحفه ابن التين بالنون، فقال: كانوا. ثم شرع يستشكله، ولا إشكال. وفي أبي داود: حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا.

ثالثها: قول عمر - رضي الله عنه -: (أولا تبعثون رجلا منكم ينادي بالصلاة؟) الظاهر أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي، بل إخبار بحضور وقتها، جمعا بينه وبين رؤيا عبد الله بن زيد فإنه بدء الأذان، فالواقع [ ص: 318 ] أولا الإعلام، ثم لما رآه عبد الله بن زيد شرعه - صلى الله عليه وسلم -: إما بوحي كما ذكره ابن إسحاق في "السيرة"، ويجوز أن يكون باجتهاد منه لا بمجرد المنام، ويحتمل أن يكون عمر لما رأى الرؤيا وصحتها قال: ألا تنادون بالصلاة؟ فأقره الشارع وأمر به.

رابعها: قوله: "قم فناد بالصلاة" ليس فيه التعرض للقيام في حال الأذان، والمشهور أنه سنة.

فوائد:

الأولى: في ابن ماجه من حديث الزهري عن سالم عن أبيه قصة رؤيا عبد الله بن زيد. وفي آخره: قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم. فأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولما خرجه ابن خزيمة في "صحيحه" أتبعه بأن قال: حدثنا بندار بخبر غريب، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: إن بلالا كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة. فقال له عمر بن الخطاب: قل في إثرها: أشهد أن محمدا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قل كما أمرك عمر"، وعن أبي حنيفة أنه يقوله - أي: التثويب - بعد الأذان، لا فيه، وصححه قاضي خان.

[ ص: 319 ] ثانيها: في "المصنف" عن محمد بن فضيل عن (يزيد) بن أبي صادق أنه كان يجعل آخر أذانه: لا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هكذا كان آخر أذان بلال. قال البيهقي بعد أن أخرجه من فعل مؤذن علي: وكذا فعله أبو يوسف صاحب أبي حنيفة.

ثالثها: روى البيهقي من حديث نافع، عن ابن عمر أنه قال: الأذان ثلاث ثلاث. وفسره غيره بتثليث الشهادتين والحيعلتين أيضا.

وعن الحسن أنه كان يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح. ثم يرجع فيقول: الله أكبر مرتين، وكل شهادة مرة، ويكرر الحيعلة.

وفي "القواعد" لابن زيد: أذان البصريين تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة حي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل حي على الصلاة، ثم يعيد كذلك مرة ثانية، يعني: الأربع كلمات تبعا، ثم يعيد ثالثة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين.

التالي السابق


الخدمات العلمية