التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6281 6657 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثني غندر، حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، سمعت حارثة بن وهب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، وأهل النار كل جواظ [ ص: 277 ] عتل مستكبر" [انظر: 4918 - مسلم: 2853 - فتح: 11 \ 541]


وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال أبو بكر - رضي الله عنه -: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في الرؤيا (قال: "لا تقسم") يريد البخاري بذلك: ما رواه في كتاب التعبير مسندا، وذكره ابن أبي عاصم بإسناد جيد إلى عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال: كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحدث أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله رأيت كأن ظلة.. الحديث، من مسند أبي هريرة .

والذي أخطأ فيه أبو بكر : هو تقدمته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أصاب في عبارته، واستحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول له: أخطأت في تقدمتك بين يدي.

ثم ساق فيه أحاديث:

أحدها: حديث البراء : أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبرار المقسم .

ثانيها: حديث أسامة بن زيد أن ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه –ومعه أسامة بن زيد وسعد وأبي - أن ابني قد احتضر فاشهدنا. فأرسل يقرأ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ وما أعطى" فأرسلت إليه تقسم عليه، فقام وقمنا معه .. الحديث.

ثالثها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم" .

[ ص: 278 ] رابعها: حديث حارثة بن وهب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، وأهل النار كل جواظ عتل مستكبر" . وسلف في التفسير.

فصل:

من روى (بإبرار المقسم) بفتح السين، فمعناه: بإبرار الإقسام; لأنه قد يأتي المصدر على لفظ المفعول، كقوله: أدخلته مدخلا، بمعنى: إدخال، وأخرجته مخرجا، بمعنى: إخراج.

فصل:

قال المهلب : قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم [الأنعام: 109] دليل على أن الحلف بالله أكبر الأيمان كلها; لأن الجهد: (شدة) المشقة.

فصل:

اختلف العلماء في قول الحالف: أقسمت بالله ، على أقوال سلفت في باب: لا تحلفوا بآبائكم.

وقال مالك : أقسم، لا يكون يمينا حتى يقول: بالله، أو ينوي به اليمين، فإن لم ينو فلا شيء عليه. وروي مثله عن الحسن، وعطاء، وقتادة، والزهري . وقال الشافعي : أقسم: ليست بيمين، وإن نواها، [ ص: 279 ] بخلاف أقسم بالله، فإنها يمين إن نواها، وروى عنه الربيع أنه إذا قال: أقسم، ولم يقل: بالله، فهو كقوله: والله.

واحتج الكوفيون برواية من روى في حديث أبي بكر - رضي الله عنه -: أقسمت عليك يا رسول الله لتحدثني، فقال - عليه السلام -: "لا تقسم" وبحديث البراء في الباب، قالوا: ولم يقل بالله. وبحديث أسامة بن زيد أيضا: أرسلت تقسم عليه، ولم يقل: بالله. وبقوله: "لو أقسم على الله لأبره" ولم يأت في شيء من الأحاديث ذكر اسم الله، قالوا: وقد جاء [في القرآن] ذكر اسم الله مع القسم في موضع، ولم يأت في موضع آخر; اكتفاء بما دل عليه اللفظ. قال تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم [الأنعام: 109] فذكر اسمه تعالى. وقال تعالى: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين [القلم: 17] فحذف اسمه تعالى، فدل أن أحد الموضعين يفيد ما أفاده الآخر.

وقال السيرافي : لا تكون (أقسم) إلا يمينا لدخول اللام في جوابها، ولو كانت غير يمين لما دخلت اللام في الجواب; لأنك لا تقول: ضربت لأفعلن، كما تقول: أقسمت لأفعلن. وحجة مالك قوله - عليه السلام -: "الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ومن لم ينو اليمين فلا يمين له. وأيضا فإن العادة جرت بأن يحلف الناس على ضروب، فمنها اللغو، يصرحون فيه باسم الله تعالى، ثم لا تلزمهم [ ص: 280 ] الكفارة لعدم قصدهم إلى الأيمان، فالموضع الذي عدم فيه التصريح والقصد أولى أن لا تجب فيه كفارة. قاله ابن القصار .

قال: وقال أصحاب الشافعي : اليمين تكون يمينا; لحرمة اللفظ، وإذا قال: أقسمت، فلا لفظ هنا له حرمة. وكل ما احتج به الكوفيون فهو حجة على غيره.

قال ابن القصار : ويقال له: قال تعالى: وأقسموا بالله جهد [الأنعام: 109] فوصل القسم باسمه تعالى، فكان يمينا، وقال في موضع آخر: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين [القلم: 17] فأطلق القسم، ولم يقيده بشيء، فوجب أن يحمل المطلق على المقيد كالشهادة قرنت بالعدالة في موضع وعريت في موضع من ذكرها، وكالرقبة في الكفارة، قيدت في موضع بالإيمان، وأطلقت في آخر.

فصل:

قال ابن المنذر : وأمر الشارع بإبرار القسم أمر ندب (لا) وجوب ; لأن الصديق أقسم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبر قسمه، ولو كان ذلك واجبا لبادر، ولم يشأ رجل أن يسأل آخر بأن يخرج له من كل ما يملك، ويطلق زوجته، ثم يحلف على الإمام في حد أصابه أن يسقط عنه إلا تم له، وفي ذلك تعطيل الحدود، وترك القصاص بما فيه القصاص، وإذا لم يجز ذلك كان معنى الحديث بالندب، فيما (يجب) الوقوف عنه دون ما يجوز تعطيله.

[ ص: 281 ] وقال المهلب : إبرار القسم إنما يستحب إذا لم يكن في ذلك ضرر على المحلوف عليه، أو على جماعة أهل الدين; لأن الذي سكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيان موضع الخطأ في تعبير الصديق هو عائد على المسلمين بهم و(غم) لأنه عبر قصة عثمان بأنه يخلع، ثم يراجع الخلافة، فلو أخبره الشارع بخطئه، لأخبر الناس أن يقتل ولا يرجع إلى الخلافة، فكان يدخل على الناس فتنة بقصة عثمان من قبل كونها، وكذلك لو أقسم على رجل ليشربن الخمر ما وجب عليه إبرار قسمه، بل الفرض عليه ألا يبره.

واختلف الفقهاء: إذا أقسم على الرجل فحنث، فروي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن الحالف يكفر. وروي مثله عن عطاء وقتادة ، وهو قول أهل المدينة والعراق والأوزاعي .

وفيها قول ثان روي عن عائشة أم المؤمنين : أن مولاة لها أقسمت عليها في قديدة تأكلها فأحنثتها عائشة ، فجعل - عليه السلام - (تكفير اليمين على) عائشة .

وقال ابن المنذر : وإسناده لا يثبت. وفيها قول ثالث (روي) عن أبي هريرة ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : أنهما لا يجعلان في ذلك كفارة. قال عبيد الله : ألا ترى أن الصديق قال ما قال، فقال له الشارع: "لا تقسم" قال: ولم يبلغنا أنه أمر بالتكفير.

[ ص: 282 ] قال ابن المنذر : ويقال لمن قال: إن الكفارة تجب على المقسم عليه، ينبغي أن توجب الكفارة على الشارع في قصة الصديق .

فصل:

قال: قوله في حديث أسامة : (ونفسه تقعقع) قال شمر : قال خالد بن حبيب : أي: كلما صار إلى حال لم يلبث أن يصير إلى آخر، ويقرب من الموت لا يثبت على حال واحدة، يقال: تقعقع الشيء إذا اضطرب وتحرك.

فصل:

وقول سعد (ما هذا؟): يريد بالاستفهام، ليس أنه يعيب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعله سمعه ينهى عن البكاء الذي فيه الصياح أو العويل، فظن أنه نهى عن البكاء كله.

وفيه: أنهم كانوا يستفهمونه فيما يخشون عليه فيه السهو; لأنه بشر وينسى ليسن، كما قاله.

[ ص: 283 ] فصل:

المراد بتحلة القسم في حديث أبي هريرة قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها [مريم: 71].

قيل: تقديره: والله إن منكم إلا واردها، وقيل: هو معطوف على قوله: فوربك لنحشرنهم [مريم: 68].

فصل:

"والجواظ" كما قال أبو زيد الأنصاري : الكثير اللحم، المختال في مشيته، يقال: جاظ يجوظ (جوظا) وقال الأصمعي مثله، وكذا الجوهري : الجواظ: الضخم المختال في مشيته. وفي "العين": الجواظ: الأكول، ويقال: الفاجر. وقال الداودي : إنه الكثير اللحم، الغليظ الرقبة.

قال: والعتل: الفاحش الأثيم، والمستكبر: المتكبر، الجبار في نفسه، المحتقر للناس.

وقال الهروي : قال أحمد بن عبيد : هو الجموع المنوع. وقال عن غيره: هو القصير البطين. وذكر أيضا مثل ما تقدم عن الجوهري ، وكذا فسره ابن فارس .

[ ص: 284 ] وقال القزاز : هو الجافي الغليظ، قال: وكذا العتل: أنه الغليظ الجافي، ومنه قوله تعالى: عتل بعد ذلك زنيم [القلم: 13] وكذلك في الصحاح في العتل أنه الغليظ الجافي.

وفي كتاب ابن فارس أنه الأكول المنوع، وعبارة ابن بطال : العتل: الأكول.

التالي السابق


الخدمات العلمية