التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6310 6688 - حدثنا قتيبة، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أرسلك أبو طلحة؟". فقلت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: "قوموا" فانطلقوا، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة حتى دخلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلمي يا أم سليم ما عندك". فأتت بذلك الخبز. قال: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك الخبز ففت، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقول، ثم قال: " ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون -أو ثمانون- رجلا. [انظر: 422 - مسلم: 3040 - فتح: 11 \ 570].


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - فقال: حدثنا محمد بن يوسف ، ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس ، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - [ ص: 358 ] قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله .

وقال ابن كثير : أنا سفيان ، ثنا عبد الرحمن ، عن أبيه أنه قال لعائشة بهذا.

وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - السالف. وفيه: فأتت بذلك الخبز. قال: فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففت، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته . الحديث بطوله.

الشرح:

إنما أتى البخاري رحمه الله بقوله: (وقال ابن كثير : أنا سفيان ، ثنا عبد الرحمن بن عابس ) ليزول توهم ما قد يتوهم من عدم [سماع] سفيان من عبد الرحمن . والبر: جمع برة من القمح، ومنع سيبويه أن يجمع على أبرار، وجوزه المبرد . والأقراص في الحديث الثاني جمع قرص، وقرص: جمع قرصة، كغصن وغصنة وأغصان.

وقوله: ("هلمي يا أم سليم ما عندك") كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ "هلم" بحذف الياء.

ثم قال: إنه على لغة أهل الحجاز أن (هلم) يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع والمفرد، قال تعالى: هلم إلينا [الأحزاب: 18] والعكة بضم العين: آنية السمن.

ومعنى (فأدمته): جعلت السمن إدامه، وهو ثلاثي يقال: أدم الخبز، يأدمه بالكسر، وقول عائشة - رضي الله عنها - قبل: (من خبز بر مأدوم) يدل على صحة ذلك; لأن مفعولا لا يكون إلا من الثلاثي، ولو كان الفعل رباعيا لقالت: خبز بر مؤدم.

[ ص: 359 ] فصل:

واختلف العلماء فيمن حلف أن لا يأكل إداما فأكل لحما مشويا ، فقال مالك والشافعي : يحنث كما لو أكل زيتا وخلا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : الإدام: ما يصطبغ مثل الزيت والعسل والخل، فأما ما لا يصطبغ به مثل اللحم المشوي والخبز والبيض فليس بإدام، وعند المالكية : يحنث بكل ما هو عند الحالف إدام، ولكل قوم عادة.

قال محمد : ما كان الغالب منه أنه يؤكل بالخبز فهو إدام، حكاه ابن بطال ، وحكاه ابن التين عنه: يحنث بأكل السمن والعسل والزيت والودك والشحم والزيتون والجبن والصبر والسلجم والمري والشبراق، وشبه ذلك قال: ولا أرى أن يحنث بالملح (الجريش) ولا المطيب وإن كان قد أحنثه بعض العلماء به.

وقال أصبغ عن أشهب في "العتبية": يحنث بالملح محضا أو مبررا. حجة الكوفيين أن حقيقة الإدام هو اسم للجمع بين الشيئين قال - عليه السلام - "إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" معناه: أنه يجمع بينهما.

وقيل: إنه من الدوام، وقيل: من وقوع الأدمة على الأدمة، وليس كل اسم يتناوله إطلاق اسم، بدليل أن من جمع بين لقمتين لا يسمى بهذا الاسم، وإنما المراد أن يستهلك فيه الخبز ويكون تابعا له بأن تتداخل أجزاؤه بأجزاء غيره، وهذا لا يحصل إلا فيما يصطبغ به. وهذا الوجه [ ص: 360 ] مجمع عليه وما سواه مختلف فيه، فلا يصح إثباته إلا بلغة أو عادة، وقد قال تعالى: وصبغ للآكلين [المؤمنون: 20].

قال ابن القصار : فيقال لهم: لا خلاف بين أهل اللغة أن من أكل خبزا بلحم مشوي أنه قد ائتدم به، ولو قال: أكلت خبزي بلا أدم لكان كاذبا، ولو قال: أكلت خبزي بإدام كان صادقا، فيقال لهم: أما قولكم: إن الإدام اسم للجمع بين الشيئين، فكذلك نقول، وليس الجمع بين شيئين هو امتزاجهما واختلاطهما، بل هو صفة زائدة على الجمع; لأننا نعلم أن الخبز بالعسل ليس يستهلك أحدهما صاحبه، ولا الخبز مع الزيت أيضا، فلم نراع في الشريعة في الجمع الاستهلاك، وأما الخل والزيت فهو وإن تشربه فليس بمستهلك فيه؛ إذ لو كان كذلك لم يبق لونه ولا طعمه، وإنما المراعى في الجمع بين الشيئين هو أن يؤكل هذا بهذا على طريق الائتدام به، سواء كان مائعا أو غيره كالعسل والسمن الذائب.

قال غيره: والدليل على أن كل ما يؤتدم به يسمى إداما الحديث السالف: "تكون الأرض خبزة يوم القيامة إدامها زيادة كبد نون وثور" فجعل الكبد إداما، فكذلك التمر وكل شيء مائع فهو إدام كالكبد.

وروى حفص بن غياث عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ، عن يزيد الأعور ، عن ابن أبي أمية ، عن يوسف ، عن عبد الله بن سلام قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرا، وقال: "هذه إدام هذه" فأكلها .

[ ص: 361 ] وروى القاسم بن محمد ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه أدما من أدم البيت، فقال: "ألم أر برمة فيها لحم" الحديث، فدل هذا الحديث أن كل ما في البيت مما جرت العادة بالائتدام به فهو إدام، مائعا كان أو جامدا.

فصل:

قال ابن التين : وإن حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل الفاكهة (كلها) يابسها ورطبها عند ابن حبيب ، ذكره أو لم يذكره.

وقال محمد نحوه إذا ذكر يابسها ورطبها، يريد أنه لا يحنث في يابسها إلا إذا ذكره; لأن الفاكهة إنما تطلق عنده على الطري خاصة.

التالي السابق


الخدمات العلمية