التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6313 [ ص: 368 ] 25 - باب: إذا حرم طعامه

وقوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله: تحلة أيمانكم [التحريم: 1 - 2] وقوله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87].

6691 - حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا الحجاج، عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له. فقال: " لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له" فنزلت: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، إن تتوبا إلى الله [التحريم: 4] لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا [التحريم: 3] لقوله: "بل شربت عسلا".

وقال لي إبراهيم بن موسى: عن هشام: " ولن أعود له، وقد حلفت، فلا تخبري بذلك أحدا" [انظر: 4912 - مسلم: 1474 - فتح: 11 \ 574].


ثم ساق حديث ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة - رضي الله عنها - تزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا ... الحديث إلى قوله: أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك. قال: "لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له". فنزلت: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، إن تتوبا إلى الله [التحريم: 4] لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا [التحريم: 3] لقوله: "بل شربت عسلا" .

[ ص: 369 ] وقال إبراهيم بن موسى ، عن هشام : "ولن أعود له، فلا تخبري بذلك أحدا".

الشرح:

هذا الحديث سلف الكلام عليه في موضعه. والمغافير: واحده مغفور، وهو شيء ينتجه شجر العرفط كريه الرائحة، وقيل: هو حلو كالناطف يحلى بالماء ويشرب، ويقال: مغثور بالثاء كثوم وفوم، وجدف، وجدث.

وذكر ابن حمدون في "تذكرته" أن المغافير: البطون، كأنه أراد رائحة البطون.

قال أبو عمرو : يقال أغفر الرمث: إذا ظهر ذلك فيه.

وقال الكسائي : يقال: خرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه من ثمره.

وهذا التعليق خرجه مسندا في التفسير، فقال: حدثنا إبراهيم بن موسى ، ثنا هشام ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، كما سلف.

(وقوله: (فنزلت) إلى آخره ، هذا قول. وأكثر المفسرين على أنها نزلت في مارية حين حرمها على نفسه).

وقوله: ("ولن أعود له") قال مالك : إنه حرمه على نفسه باليمين. أي: قال: والله لا أعود له; فلذلك كفره، وأما من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو غير ذلك من المباح فلا شيء عليه في فعل ذلك، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يلزمه كفارة يمين في المأكول والمشروب [ ص: 370 ] دون الملبوس والطيب، دليلنا قوله تعالى: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87] ولأنه حرم على نفسه ما لا يصح فيه طلاق ولا عتاق، فلم يكن للتحريم تأثير أصله اللباس والطيب، والدليل من هذه الآية قوله تحلة أيمانكم وقوله في الحديث: "قد حلفت" وهي دالة على أن الكفارة المذكورة في الآية من أجل يمينه.

فصل:

قوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا [التحريم: 3] هو ما سلف من قصة مارية أو العسل، وأغرب من قال: إنه خلافة الصديق وأنه خليفة بعده.

فصل:

في بسط مسألة الباب اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه طعاما أو شرابا أحله الله له على قولين: أحدهما: لا يحرم عليه ذلك، وعليه كفارة يمين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي .

وثانيهما: وهو قول مالك : لا يكون الحرام يمينا في طعام ولا في شراب إلا في المرأة، فإنه يكون طلاقا يحرمها عليه، وروى الربيع عن الشافعي كقول مالك : إن حرم على نفسه طعاما أو شرابا فهو حلال له، ولا كفارة عليه.

وروي عن بعض التابعين أن التحريم ليس بشيء، وسواء حرم على نفسه زوجته أو شيئا من ذلك لا يلزمه كفارة في شيء من ذلك، وهو قول أبي سلمة ومسروق والشعبي .

حجة من لم يوجبها حديث عائشة أن الآية نزلت في شرب العسل الذي حرمه الشارع على نفسه، ولم يذكر في ذلك كفارة.

[ ص: 371 ] وحجة الموجب أن سبب نزولها مارية كما سلف، فكفر وأصاب جاريته، وهو قول قتادة وغيره، وقال القاضي إسماعيل : الحكم في ذلك واحد; لأن الأمة لا يكون فيها طلاق فتطلق بالتحريم، فكان تحريمها كتحريم ما يؤكل ويشرب، ولعل القصة قد كانتا جميعا في وقتين مختلفين، غير أن أمر الجارية في هذا الموضع أشبه لقوله تعالى: تبتغي مرضات أزواجك [التحريم: 1] ولقوله تعالى: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا [التحريم: 3] فكان ذلك في الأمة أشبه; لأن الرجل يغشى أمته في ستر ولا يشرب العسل في ستر، وتحريم الأمة فيه مرضاة لهن، وتحريم الشراب إنما حرمه للرائحة وقد يمكن أن يكون حرمها وحلف كما روي، ويمكن أن يكون حرمها بيمينه بالله; لأن الرجل إذا قال لأمته: والله لا أقربك فقد حرمها على نفسه باليمين، فإذا غشيها وجبت عليه اليمين، وإذا قال لأمته: أنت علي حرام فلم يحلف، وإنما أوجب على نفسه شيئا لا يجب، فلم تحرم عليه، ولم تكن كفارة; لأنه لم يحلف، وقوله لامرأته: أنت علي حرام مثل قوله: أنت طالق، فلا تحرم (عليه) وكذلك: أنت خلية وبرية وبائن، ليس في شيء منه يمين، وإنما هو فراق أوجبه الإنسان على نفسه، فإن كان شيئا يجب وجب، وإن كان لا يجب لم يجب، وقد قال - عليه السلام -: "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" فلم يوجب كفارة كما أوجبها في قوله: "من حلف على يمين" الحديث.

[ ص: 372 ] قال المهلب : والتحريم إنما هو لله ولرسوله، فلا يحل لأحد أن يحرم شيئا، وقد وبخ الله من فعل ذلك فقال: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا [المائدة: 87] فجعل ذلك من الاعتداء، وقد قال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب [النحل: 116] فهذا كله حجة في أن تحريم الناس ليس بشيء.

التالي السابق


الخدمات العلمية