التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6326 6704 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه". قال عبد الوهاب : حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [فتح: 11 \ 586]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث عائشة - رضي الله عنها -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" الحديث، وقد سلف قريبا.

[ ص: 390 ] ثانيها:

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن حميد، عن ثابت ، عن أنس - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - (قال: "إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه" ورآه يمشي بين ابنيه .

- وقال الفزاري ، عن حميد : حدثني ثابت ، عن أنس .

يريد بذلك ما ذكره في الحج، حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا الفزاري هو مروان فذكره.

ثالثها:

حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه.

وعنه أنه - صلى الله عليه وسلم - مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم أمره أن يقوده بيده .

رابعها:

حديث وهيب ، ثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" . قال عبد الوهاب : ثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح:

الخزامة بكسر الخاء: حلقة من شعر تجعل للبعير في الحاجز الذي بين المنخرين يشد فيها الزمام، وسلف حديث أبي إسرائيل ، وأنه - عليه السلام - أمره أن يفعل ما هو طاعة من ذلك وهو الصوم.

ثم اعلم أنه ليس في [ ص: 391 ] هذه الأحاديث شيء من معنى النذر فيما لا يملك، وقد سلف قبل هذا شيء منه، نعم، فيها من نذر معصية ، وما ليس بطاعة وهو لا يملكها (إذ المعاصي غير مأذون في تعاطيها).

وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك : من نذر معصية كالزنا فلا شيء عليه ويستغفر; استدلالا بقوله: "ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" لم يذكر كفارة، قال مالك : وكذلك إذا نذر ما ليس بطاعة ولا معصية كالأكل مثلا فلا شيء عليه أيضا; لأنه ليس في شيء من ذلك طاعة; استدلالا بحديث أبي إسرائيل .

قال مالك : ولم أسمع أنه - عليه السلام - أمره بكفارة، وقد أمره أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما خالفه، وقول الشافعي كقول مالك ، وقال أبو حنيفة والثوري : من نذر معصية كان عليه مع تركها كفارة يمين، واحتجوا بحديث عمران بن حصين ، وأبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذر في معصية لله وكفارته كفارة يمين" .

قال ابن بطال : وهذا حديث لا أصل له; لأن حديث أبي هريرة إنما يدور على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث، وحديث عمران يدور على زهير بن محمد عن أبيه، وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه زهير ، وزهير أيضا عنده مناكير.

فصل:

وفي قوله - عليه السلام -: "من نذر أن يعصيه فلا يعصه" حجة لمن قال أن من نذر أن ينحر ابنه فلا كفارة عليه; لأنه لا معصية أعظم من إراقة دم مسلم بغير حق ولا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار في قول المنكر من [ ص: 392 ] القول والزور، كما اعتبر ذلك ابن عباس ; لأن الظهار ليس بنذر، والنذر في المعصية قد جاء فيه نص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مالك : من نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم فلا شيء عليه، وكذلك إن لم يرد أن يحجه، وإن نوى وجه ما ينحر فعليه الهدي.

وقال أبو حنيفة : إذا حلف أن ينحر ولده عليه شاة، وقال أبو يوسف : لا شيء عليه، وبه يأخذ الطحاوي .

فصل:

وفي حديث أبي إسرائيل دليل أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس من طاعة الله، وكذلك الجلوس في الشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة لله ولا قربة بنص كتاب أو سنة، كالحفاء وغيره، وإنما الطاعة ما أمر الله ورسوله بالتقرب بعمله لله. ألا ترى أنه - عليه السلام - أمره بإتمام الصيام لما كان لله طاعة.

التالي السابق


الخدمات العلمية