التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6336 6714 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم" [انظر: 2130 - مسلم: 1368 - فتح: 11 \ 597]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث السائب بن يزيد قال: كان الصاع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدا وثلثا بمدكم اليوم ، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز .

ثانيها: حديث مالك ، عن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يعطي زكاة رمضان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - المد الأول، وفي كفارة اليمين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال أبو قتيبة : قال لنا مالك : مدنا أعظم من مدكم، ولا نرى الفضل إلا في مد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لي مالك : لو [ ص: 412 ] جاءكم أمير فضرب لكم مدا أصغر من مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء كنتم تعطون؟ قلت: كنا نعطي بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ثالثها: حديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم" .

الشرح:

الحديث الأول يدل على أن مدهم ذلك الوقت حين حدث به السائل زنته أربعة أرطال، فإذا زيد عليه (ثلثه) -وذلك رطل وثلث- قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بالبغدادي، بدليل أن مده - عليه السلام - فيه رطل وثلث، وصاعه أربعة أمداد بمده - صلى الله عليه وسلم -.

وأما مقدار ما زيد عليه في زمن عمر بن عبد العزيز فلا يعلم ذلك إلا بخبر، وإنما الحديث يدلس أن مدهم ثلاثة أمداد بمده، ووصف ابن عمر المد بالأول ليفرق بينه وبين مد هشام بن الحارث الذي أخذ به أهل المدينة في كفارة الظهار; ليغلظها على المظاهرين الذين شهد عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا، فجعلوها بمد هشام ، وهو أكبر من مده - عليه السلام - بثلثي مد، ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مد واحد، وهو الذي نقله أهل المدينة ، وعمل به الناس إلى اليوم قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، وإجماع أهل المدينة (حجة) عند مالك ، ومن ذلك: فضل الأذان والإقامة، وتقديم أذان الصبح قبل وقتها، وترك أخذ الزكاة من الخضروات، وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير [ ص: 413 ] المد والصاع، وترك مذهب إمامه.

والفقهاء على قولين في كفارة الأيمان، فطائفة يقولون: إن الكفارات كلها بمده - عليه السلام - مد مد لكل مسكين، وكذلك الإطعام عمن وطئ في رمضان حتى أتى رمضان آخر، وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف كما قلناه على ما ثبت في هذه الأحاديث، وحديث المواقع في رمضان.

وقال أهل العراق : الكفارات كلها مدان، مدان لكل مسكين، فالمد رطلان، والصاع ثمانية أرطال، قياسا على ما أجمعوا عليه من فدية الأذى في حديث كعب السالف أنه - عليه السلام - أمر أن يطعم كل مسكين نصف صاع، وهو مدان، وما أسلفناه يرده.

فصل:

قال المهلب : وإنما دعا الشارع لهم بالبركة في مكيالهم ومدهم وصاعهم، فإنه خصهم من بركة دعوته بما اضطر أهل الأرض كلها إلى أن يشخصوا إلى المدينة ليأخذوا هذا (المعيار) المدعو له بالبركة، وينقلوه إلى بلدانهم، ويكون ذلك سنة في معايشهم وما افترضه الله عليهم لعيالهم، وقد سلف في كتاب الوضوء والغسل الحجة لمقدار مده وصاعه بما فيه مقنع.

التالي السابق


الخدمات العلمية