التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6343 [ ص: 443 ] 6722 - حدثني محمد بن عبد الله، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، أخبرنا ابن عون، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك". [انظر: 6622 - مسلم: 1652 - فتح: 11 \ 608]
تابعه أشهل عن ابن عون . وتابعه يونس وسماك بن عطية وسماك بن حرب وحميد وقتادة ومنصور وهشام والربيع .

ذكر فيه حديث إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن القاسم التميمي ، عن زهدم الجرمي عن أبي موسى بطوله إلى قوله: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها" .

تابعه حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة والقاسم بن عاصم الكليبي .

حدثنا قتيبة ، ثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة والقاسم التميمي ، عن زهدم بهذا.

حدثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، ثنا أيوب ، عن القاسم ، عن زهدم بهذا.

ثم ساق حديث عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسأل الإمارة" إلى قوله: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك".

الشرح:

قوله: تابعه حماد بن زيد ، يعني بالمتابع ابن علية ، عن أيوب .

[ ص: 444 ] وحديث ( أبي أيوب ) أخرجه البخاري أول الكتاب، وقال في موضع: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، ثنا حماد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال أيوب : وحدثني القاسم وأنا لحديثه أحفظ عن زهدم .

فائدة: الإمارة بكسر الهمزة الإمرة، وبفتحها: العلامة.

فصل:

اختلف العلماء في جواز الكفارة قبل الحنث ، فقال ربيعة ومالك والثوري والليث والأوزاعي : يجزئ قبل الحنث، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور ، وروي مثله عن ابن عباس وعائشة وابن عمر .

وقال الشافعي : يجوز تقديم الرقبة والكسوة والطعام قبل الحنث، ولا يجوز تقديم الصوم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، ولا سلف لأبي حنيفة فيه، واحتج له الطحاوي بقوله تعالى: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم [المائدة: 89] والمراد: إذا حلفتم فحنثتم، ولم يذكر البخاري في حديث أبي موسى ولا في حديث سمرة في هذا الباب تقديم الكفارة على الحنث، وقد ذكر في باب الاستثناء في الأيمان، في أول كتاب الأيمان، وهو قوله: "إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير" أو "أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ".

وقال ابن المنذر : قد قال بعض أصحابنا أنه ليس في اختلاف ألفاظ هذه الأحاديث إيجاب لتقديم أحدهما على الآخر، إنما هو أمر الحالف [ ص: 445 ] بأمرين: أمر بالحنث والكفارة، فإذا أتى بهما جميعا فقد أطاع، وفعل ما أمر به، كقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] فأيهما قدم على الآخر فقد أتى بما عليه، وكذلك إذا أتى بالذي هو خير وكفر فقد أتى بما عليه.

قال ابن القصار : وقد رأى جواز تقديمها على الحنث أربعة عشر صحابيا وهم: ابن مسعود ، وعائشة ، وابن عباس ، وابن عمر، وأبو الدرداء، وأبو أيوب، وأبو موسى، وأبو مسعود، وحذيفة، وسلمان، ومسلمة بن مخلد، والزبير، ومعقل، ورجل لم يذكره، وبعدهم من التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وعلقمة، والنخعي، والحكم بن عتيبة، ومكحول، فهؤلاء الأعلام أئمة الأمصار، ولا نعلم لهم مخالفا إلا أبا حنيفة على أنه يقول ما هو أعظم من تقديمها، وذلك لو أن رجلا أخرج عشرا من الظباء من الحرم، فولدت له أولادا ثم ماتت في يده هي وأولادها أن عليه الجزاء عنها وعن أولادها، وإن كان حين أخرجها أدى جزاءها ثم ولدت أولادا ثم ماتت لم يكن عليه فيها ولا في أولادها شيء، ولا شك أن الجزاء الذي أخرجه عنها وعن أولادها كان قبل أن تموت هي وأولادها، ومن قال هذا لم ينبغ له أن ينكر تقديمها قبل الحنث.

وأما تقدير الآية: فحنثتم، فتقديرها عندنا: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وأردتم الحنث.

وأما قول الشافعي : لا يجوز تقديم الصيام على الحنث. فيرد عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - "فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" ولم يخص شيئا من [ ص: 446 ] جنس الكفارة في جواز التقديم. فإن قال: إن الصوم من حقوق الأبدان ولا يجوز تقديمها (على) وقتها كالصلاة، والعتق والكسوة والإطعام من حقوق الأموال، فهي كالزكاة يجوز تقديمها، قيل له: ليس كل حق يتعلق بالمال يجوز تقديمه قبل وقته; ألا ترى كفارة القتل وجزاء الصيد لا يجوز تقديمه قبل وجوبه; فلذلك يجوز تقديم صيامها.

قال الأبهري : وأما جواز تقديم ذلك من طريق النظر; فلأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء إذا اتصل باليمين -وإنما هو قول- كانت الكفارة بأن تحل (عقدة) اليمين أولى; لأنها أقوى; لأنها ترفع حكم الحنث حتى كأنه لم يكن، فكذلك يرفع حكم العقد حتى كأنه لم يكن، ويشبهه الإطعام وما بعده، فالزكاة يجوز تقديمها فلا نسلم له; لأنها لما كان وجوبها (متعلقا) بوقت لم يجز تقديمها، كما لا يجوز في الصلاة والصيام، ووقت الكفارة غير متعلق بوقت، وإنما هو على حسب ما يريده المكفر من الحنث، فكان فعلها جائزا قبل الحنث وبعده.

آخر الكفارات بحمد الله تعالى ومنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية