التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6357 6738 - حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أما الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل". أو قال: "خير". فإنه أنزله أبا. أو قال: قضاه أبا. [انظر: 467 - فتح: 12 \ 19]


ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - السالف: "ألحقوا الفرائض بأهلها.. " إلى آخره. وحديث عكرمة ، عنه قال: أما الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل" أو قال: "خير". فإنه أنزله أبا. أو قال: قضاه أبا.

الشرح: اختلفت الآثار في هذا الباب اختلافا كثيرا. وكانوا يحذرون الخوض فيها.

[ ص: 480 ] وورد في حديث لا يصح رفعه: "أجرأكم على قسم الجد أجرأكم على النار" قال الدارقطني : لا يصح رفعه; إنما هو عن عمر أو علي ، ولفظ المروي عن علي : من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة .

وعن ابن مسعود : سلونا عن عصباتكم ودعونا من الجد، لا حياه ولا بياه .

وبالجملة فلا بد من الخوض فيه.

فروى يزيد بن هارون ، عن الربيع بن صبيح ، ثنا عطاء أنه - عليه السلام - قال: "لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي في الغار" وكان أبو بكر يقول: الجد أب ما لم يكن دونه أب، كما أن ابن الابن ابن ما لم يكن دونه ابن .

وحدثنا حجاج بن أرطأة ، عن عطاء ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: من شاء لاعناه عند الحجر الأسود أن الجد أب، والله ما ذكر الله جدا ولا جدة، إنهما للآباء، وقرأ: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب [يوسف: 38] .

أخبرنا قيس بن الربيع ، عن عبيد بن حسين ، عن عبد الله بن معقل قال: سأل رجل ابن عباس عن الجد فقال: أي أب لك أبعد أو أقصى؟ (قال: آدم ) قال: فإن الله تعالى يقول يا بني آدم .

[ ص: 481 ] وأخبرنا محمد بن سالم ، عن الشعبي : أن أبا بكر وابن عباس وابن الزبير كانوا يجعلون الجد أبا، يرث ما يرث، ويحجب ما يحجب .

وأخبرنا يزيد بن إبراهيم التستري ، ثنا الحسن ، أن أبا بكر جعل الجد أبا .

وأخبرنا حماد بن سلمة ، عن ليث ، عن طاوس أن عثمان وابن عباس كانا يجعلان الجد أبا .

وأخبرنا الثوري ، عن فرات ، عن سعيد بن جبير قال: كنت كاتبا لعبد الله بن عتبة ، فأتاه كتاب من ابن الزبير أن أبا بكر جعل الجد أبا .

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : أن أبا بكر كان يرى الجد أبا .

قال: وحدثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني ، عن أبي بكر ، عن كردوس ، عن أبي موسى : أن أبا بكر - رضي الله عنه - جعل الجد أبا .

وحدثنا وكيع عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال ابن الزبير : إن الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا" جعل الجد أبا. يعني: أبا بكر .

وحدثنا حفص عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه جعل الجد أبا .

وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن ابن جريج : سمعت ابن أبي مليكة يحدث أن ابن الزبير كان يجعل الجد أبا .

[ ص: 482 ] وروى ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش ، عن إسماعيل بن سميع ، قال رجل لأبي وائل : إن أبا بردة يزعم أن أبا بكر جعل الجد أبا. فقال: كذب (لو جعلها أو) جعله أبا لما خالفه عمر ، وقد يخدش هذا فيما ذكره البخاري : "ولم يذكر أن أحدا خالف أبا بكر .." إلى آخره.

وما ذكره عن ابن عباس : يرثني ابن ابني.. إلى آخره، رواه سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عطاء عنه به.

فصل:

قال ابن حزم : وممن كان يرى الجد أبا: عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وعائشة وأبو الدرداء وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو هريرة ومروان ، ومن التابعين: الحسن وعطاء وطاوس وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وجابر بن زيد والشعبي وعثمان البتي وشريح ، وجماعة سواهم، ومن بعدهم: أبو حنيفة ونعيم بن حماد والمزني وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ، وجميع [ ص: 483 ] أصحابنا قالوا: لا يرث الإخوة. لا الذكور ولا الإناث أشقاء كانوا أو لأب أو لأم- مع الجد أب الأب، ولا مع أبي الجد المذكور، ولا مع جد جده، والجد المذكور أب إذا لم يكن الأب، فكل أحد منهم يحجب أباه.

قال: رواه عن أبي بكر عمر وعثمان وابن عباس وابن الزبير وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وغيرهم، ثبتت الأسانيد بلا شك.

وروى عن عمر : أبو بردة (عن) أبي موسى : أنه كتب بذلك إلى أبيه، وهذا إسناد ثابت، ورواه عنه أيضا زيد بن ثابت .

ورواه عن ابن عباس : عكرمة وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وغيرهم. ورواه عن ابن الزبير ابن أبي مليكة ، وكل ذلك بأصح إسناد. وروي عن عثمان وعلي وابن مسعود بأسانيد هي أحسن من كل ما روي عنهم وعن زيد بما أخذ به المخالفون.

فصل:

وقول البخاري : (ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة) كذا ذكره عنهم بصيغة تمريض، وقد أسلفنا من عند ابن حزم الصحة عن عمر وعلي وابن مسعود . قال ابن حزم وذكر قول عمر : أليس بنو عبد الله يرثوني دون إخوتي، فمالي لا أرثهم دون إخوتهم : هذا إسناد في غاية الصحة، ساقه إلى زيد بن ثابت ، دخل على عمر في الليلة التي قبض فيها.. الحديث.

[ ص: 484 ] وروى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث الحسن عن عمران بن حصين ، قال جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه؟ قال: "لك السدس" فلما ولى دعاه قال: "لك سدس آخر" فلما ولى دعاه قال: "إن السدس الآخر طعمة" قال الترمذي : حديث حسن صحيح. وخولف في سماع الحسن من عمران .

قال قتادة -أحد رواته- فلا (يدرون) مع أي شيء ورثه.

وروى يزيد بن هارون : حدثنا أبو معشر المديني ، حدثنا عيسى بن أبي عيسى الحناط أن عمر سأل جلساءه: أيكم عنده علم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجد؟ فقال رجل: أعطاه المال كله .

وأخبرنا هشام ، ثنا حسان ، عن محمد بن سيرين قال: قال لي عبيدة السلماني : إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا .

[ ص: 485 ] فصل:

وأثر علي ذكره ابن حزم من طريق أبي داود الطيالسي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن سلمة عنه: أنه كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا . تم قال: وهذا إسناد صحيح.

وأما رواية إبراهيم عنه أنه كان يعطي كل صاحب فريضة (فريضته) ولا يورث أختا لأم ولا أخا لأم مع الجد شيئا، ولا يقاسم الأخ للأب مع الأخ للأب والأم والجد شيئا، فإذا كان أخت لأب وأم، وأخ لأب (وحده) أعطى الأخت النصف، وما بقي أعطاه الجد والأخ بينهما نصفان، فإن كثر الإخوة شركه معهم حتى يكون السدس خيرا من المقاسمة، فإن كان السدس خيرا له أعطاه السدس - فمنقطع فيما بين إبراهيم وبينه.

وروى يزيد بن هارون في كتابه عن محمد بن سالم ، عن الشعبي قال: كان علي - رضي الله عنه - شرك بين الجد والإخوة إلى السدس، فجعله كأحدهم ... الحديث.

وحدثنا إسماعيل بن خالد ، عن الشعبي قال: حدثت أن عليا - رضي الله عنه - كان ينزل بني الأخ مع الجد منازل آبائهم، ولم يكن أحد من الصحابة يفعله غيره .

وأخبرنا قيس بن الربيع عن فراس ، عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي - رضي الله عنه - يسأله في سبعة إخوة وجد، فكتب إليه علي - رضي الله عنه -: أن اقسم [ ص: 486 ] المال بينهم سواء (وامحو) كتابي فلا تخلده .

وفي لفظ: ستة إخوة; فقال: أعطه سبعا، وفي لفظ: أعط الجد سدسا، أو قال: سهما.

فصل:

وأثر ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكره سعيد بن منصور عن أبي معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن عبيد بن نضيلة قال: كان عمر وابن مسعود يقاسمان الجد مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة الإخوة .

قال ابن حزم : وهذا إسناد في غاية الصحة.

فصل:

وأثر زيد ذكره ابن حزم من حديث إسماعيل القاضي ، ثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه، أنا خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه أنه قال: إن الجد أبا الأب معه الإخوة من الأب لم يكن يقضي بينهم إلا أمير المؤمنين، وكان إذا أتى يستفتي فيهم (يعني: يفتيهم) بالوجه الذي يرى فيهم على قدر كثرة الإخوة وقلتهم .

[ ص: 487 ] قال زيد : وكان رأيي أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد. قال ابن حزم : لا سبيل أن يؤخذ عن زيد أحسن من هذا الإسناد في شيء بما روي عنه في الجد إلا قوله في الخرقاء في أخت وأم وجد أن للجد سهمين وللأخت سهما وللأم الثلث، فإنه ثابت عنه بأحسن من هذا الإسناد.

فصل:

قال ابن حزم : وبقول علي هذا -يعني: المروي عن إبراهيم السالف - يقول المغيرة بن مقسم وعبيدة السلماني ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريح وابن حي وهشيم بن بشير والحسن بن زياد اللؤلؤي وبعض أصحاب أبي حنيفة .

قال: وروينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن ذؤيب أن عمر قضى أن الجد يقاسم الإخوة للأب والأم والإخوة (للأم) ما كانت المقاسمة خيرا له من ثلث المال ، فإن كثر الإخوة أعطي الجد الثلث، وكان للإخوة ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، وأن بني الأب والأم أولى بذلك من بني الأب وذكورهم (ونسائهم) غير أن بني الأب يقاسمون الجد بني الأب والأم فيردون عليه ولا يكون لبني [ ص: 488 ] الأب شيء مع بني الأم والأب إلا أن يكون بنو الأب يردون على بنات الأب والأم، فإن بقي شيء بعد فرائض بنات الأب والأم فهو للإخوة من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن الثوري عن إبراهيم : كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الإخوة والأخوات إلى الثلث، فإذا بلغ (الثلثين) أعطاه الثلث، وكان للإخوة والأخوات ما بقي، ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالإخوة من الأب أو الأخوات من الأب والإخوة من الأب والأم ولا يورثهم شيئا، فإذا كان أخ للأب والأم أعطاه النصف، وإذا كان أخوات وجد أعطاه مع الأخوات الثلث ولهن الثلثين، وإن كانتا أختين أعطاهما النصف وله النصف، ولا يعطي أخا لأم مع الجد شيئا .

قال ابن حزم : فهذا قول روي عن عمر كما يسمعون وزيد ، وبه يقول الأوزاعي والثوري ومالك وعبيد الله بن الحسن وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والحسن اللؤلؤي والشافعي وأحمد وأبو عبيد ، ثم رجع محمد بن الحسن إلى التوقف جملة، ورجع اللؤلؤي إلى ما ذكرناه قبل.

فصل:

قال ابن عبد البر : اتفق علي وزيد بن ثابت وابن مسعود على توريث الإخوة مع الجد ، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك، وسأل ابن عباس زيدا [ ص: 489 ] عن قوله في الجد وفي معادته الإخوة للأب والأم والإخوة للأب، فقال: إنما نقول برأي كما تقول برأيك.

قال ابن عبد البر : انفرد زيد من بين الصحابة في معادته الجد بالإخوة للأب مع الإخوة الأشقاء، وخالفه طائفة من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض; لإجماع المسلمين أن الإخوة للأب لا يرثون مع الإخوة الأشقاء ، فلا معنى لإدخالهم معهم وهم لا يرثون; لأنه حيف على الجد في المقاسمة.

(فرع):

أم وأخ وجد، للأم الثلث، والباقي بين الباقي، وفي كتاب المغيرة الضبي : عن عبد الله جعل للأم السدس، والباقي بين الباقي، وجعلوا ذلك وهما من المغيرة .

فرع:

المفهوم من كلام أصحابنا أنه لا فرق بين الجد وأبي الجد في مقاسمة الإخوة، وفي تعليق القاضي وفرائضه: إذا كان هناك أب جد وأخ أنه يعطى له السدس وخمسة أسداسه للأخ; لأن الأقرب أقرب إليه.

قال ابن الرفعة : وله مأخذ من كلام الشافعي .

قلت: هو بعيد غريب والرافعي نقله عن الإمام فقط.

فصل:

نقل ابن بطال وغيره الإجماع على أن الجد لا يرث مع الأب، وأن الأب يحجب أباه ، ثم لخص الخلاف فيه مع الإخوة أيضا.

[ ص: 490 ] قال: واختلفوا في ميراث الجد مع الإخوة للأب والأم، أو للأب ، فكان الصديق وابن عباس وابن الزبير وعائشة ومعاذ وأبي وأبو الدرداء وأبو هريرة - رضي الله عنه – يقولون: إنه أب عند عدم الأب كالأب سواء، يحجبون به الإخوة كلهم، ولا يورثون مع الجد أحدا من الإخوة شيئا. وقاله عطاء وطاوس والحسن ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق .

وذهب علي وزيد وابن مسعود - رضي الله عنه - إلى توريث الإخوة معه، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ميراثهم معه كان معهم ذو فرض مسمى أم لا.

فذهب [ زيد ] إلى أنه لا ينقص الجد من الثلث مع الإخوة الأشقاء أو لأب إلا مع ذوي الفروض، فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئا ، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي ، وقد روي عن ابن مسعود مثل قول علي ، وكان علي يشرك بين الجد والإخوة، ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفروض وغيرهم، وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة.

قال: واختلف عن ابن مسعود فروي عنه مثل قول زيد ، والحجة لقول الصديق ملة أبيكم إبراهيم [الحج: 78] فسماه أبا وهو جد، وقال تعالى: واتبعت ملة آبائي إبراهيم [يوسف: 38] فسماه أبا وهو جد له وكذلك إسحاق جد له.

وقال - عليه السلام -: "أنا ابن عبد المطلب " وإنما هو ابن ابنه.

[ ص: 491 ] وأجمع العلماء أن حكم الجد حكم الأب في غير موضع; من ذلك إجماعهم أن الجد يحجب الإخوة من الأم كالأب ; فالقياس أن يحجب الإخوة الأشقاء أيضا، وأجمعوا أن الجد يضرب مع أصحاب الفرائض بالسدس ، كما يضرب الأب، وإن عالت الفريضة وللأب مع ابن الابن السدس، وكذلك الجد له معه مثل ما للأب، وقال تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد [النساء: 11] ومن المحال أن يكون له ولد ولا يكون له والد، قال: واحتجوا بحديث الباب: "فهو لأولى رجل ذكر" لأن رجلا لو مات وترك بنتا أو بنتين وجدا وإخوة فألحقنا البنت أو البنتين بفرائضهن، وكان ما بقي للجد، وهو أولى ذكر بقي.

واحتج من ورث الأخ مع الجد بهذا الحديث أيضا، فقال: الأخ أولى; لأنه أقرب إلى الميت بدليل أنه ينفرد بالولاء (لقوته) وأيضا فإن الأخ يقول: أنا أقوى من الجد; لأني أقوم مقام الولد في حجب الأم من الثلث إلى السدس، وليس كذلك الجد، فوجب أن لا يحجبني كما لا يحجب الولد، والجد إنما يدلي بالميت وهو أبو أبيه، والأخ يدلي بالميت وهو ابن أبيه، والابن من جهة المواريث أقوى من الأب; لأن الابن ينفرد بالمال ويرده إلى السدس، والأب لا يفعل ذلك بالابن، فكان من أدلى بالأقوى أقوى ممن أدلى بالأضعف، وحاصله أن تعصيبه تعصيب بنوة، وتعصيب الجد تعصيب أبوة.

[ ص: 492 ] قال في "المعونة": ولأن الأخ يعصب أخته فلم يسقط الجد; ولأن الأخت فرضها النصف إذا انفردت فلم يسقطها الجد كالبنت; ولأنه يعصب أخته بخلاف الجد فامتنع من قوة تعصيبه عليه أن يسقط به.

فصل:

نقل ابن التين عن عثمان البتي أن جعل الجد أبا روي عن عثمان وعلي ، وليس بالقوي في الرواية، وهو مخالف لما أسلفناه عن ابن حزم ، ثم قال في مقالة زيد أن له مع الإخوة المقاسمة ما لم ينقصه ذلك عن الثلث : روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود .

قال: وهو قول علي وهو بالمدينة ، فلما صار إلى العراق قاسم به إلى السدس، وروي عنه أنه كتب إلى ابن عباس في ستة إخوة وجد أن المال بينهم، وأن للجد السدس، وقد أسلفنا هذا عنه قال: وروي عنه أنه كان ينزل بني الإخوة منازل آبائهم مع الجد، والمعروف عنه المقاسمة ما لم تنقص من السدس، وقال عمران بن حصين : يقاسمهم إلى نصف السدس، قال عبيدة السلماني : حفظت عن عمر في الجد سبعين قضية، كلها يخالف بعضها بعضا، وعن عمر أنه جمع الصحابة ليجتمعوا في الجد على قول فسقطت حية من السقف، فتفرقوا.

قال: احتج (علي) بأن قال: الجد مع الإخوة بمنزلة شجرة أنبتت غصنا، ثم تفرع من الغصن فرعان فيكون الفرعان أشد في القرب من أحد الفرعين والأصل; لأن الغصن واسطة بين الأصل وأحد الفرعين فلا واسطة بين الفرعين، فيقتضي التعصيب ترجيح الجد فيستويان ما لم ينقص حقه من السدس; لأن للأب حال تعصيب وفرض، ولا مزاحمة [ ص: 493 ] للعاصب معه في حال الفرض; لأن فرضه السدس، واحتج زيد فقال: هو مثل واد تشعب منه نهر ثم جر النهر نهرين فالنهران الأخوان، وأصل الوادي الجد، وأبعد من قال: معنى قول أبي بكر : الجد أب، أي: في الحرمة والبر دون الميراث.

فصل:

قيل: حقيقة الخليل: من خص بما لم يخص به غيره، وذلك أنه تعالى خص إبراهيم بكون النار عليه بردا وسلاما، فالمعنى على هذا: لو كنت أخص أحدا من هذا الدين بشيء لخصصت أبا بكر ، فهو رد على الشيعة القائلين أنه خص عليا من الدين والقرآن بما لم يخص به أحدا، وقيل: المانع من اتخاذه خليلا قوله في الحديث في رواية أخرى: "ولكن صاحبكم خليل الله" يريد نفسه، وأن من كان خليل الله لم يخالل غيره.

وقوله هنا: "ولكن خلة الإسلام أفضل" الخلة بالضم: الخليل ، يستوي فيه المذكر والمؤنث; لأنه في الأصل مصدر قولك: خليل بين الخلة والخلولة، وقد جمع على خلال كقلة وقلال.

فصل:

لم يذكر البخاري حديثا في الجدة ، وقد روى مالك في "الموطأ" عن الزهري ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن الصديق أعطاها السدس بعد أن سأل وقال: لا أعلم لك في كتاب الله ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – شيئا ، وأن المغيرة بن شعبة ومحمد بن [ ص: 494 ] مسلمة رويا له ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضى به الصديق إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض ولكنه ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما، وأيكما خلت به فهو لها .

وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وهذا صححه ابن حبان والحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين، وأما ابن حزم فقال: لا يصح; لأنه منقطع لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة ولا محمد . قلت: تصحيح من صحح من شرطه الاتصال.

وروى مالك عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد أنه قال: أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق ، فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم، فقال له رجل من الأنصار : أما إنك تركت التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث، فجعل أبو بكر السدس بينهما .

وروى يزيد بن هارون عن محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال في الجدة مع ابنها: أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدسا وابنها حي . وهذا إسناد جيد، ثم قال: وحدثنا أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين قال: قال ابن مسعود .. فذكره.

[ ص: 495 ] وقال ابن عبد البر : خولف مالك في عثمان فقالت طائفة من أهل التثبت والرواية: إنما هو عثمان بن إسحاق بن أبي خرشة بن عمرو بن ربيعة من بني عامر بن لؤي ، وما أعلم روى عنه غير ابن شهاب وهو معروف النسب، إلا أنه ليس مشتهرا بالرواية للعلم، وقد تابع مالكا على روايته هذا الحديث أبو أويس وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، ورواه معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة لم يدخل بين ابن شهاب وبين قبيصة أحدا، ورواه كرواية معمر أيضا يونس وأسامة بن زيد ، والقول على قول مالك ومن تابعه; لأنهم زادوا ما قصر عنه غيرهم.

وأما ابن عيينة فرواه عن الزهري (وحده) وقال مرة: ثنا قبيصة ، وقال مرة: ثنا رجل عن قبيصة قال: جاءت الجدة أم الأم، أو أم الأب إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقالت: إن ابن ابني أو ابن بنتي مات، وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما أجد لك في كتاب الله من حق ، قال سفيان : وزاد فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه من الزهري ولكن حفظته عن معمر أن عمر قال: إذا اجتمعتما فإنه لكما، وأيتكما انفردت به فهو لها ، وحديث القاسم بن محمد لفظه عند ابن عيينة : فأعطى الجدة أم الأم السدس دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل : -رجل من الأنصار – الحديث .

ولما ذكر ابن حزم ما أسلفناه عنه من انقطاعه قال: فإن قيل إن منصورا روى عن إبراهيم النخعي أنه - عليه السلام - أعطى ثلاث جدات السدس ، رويناه من طريق سفيان وحماد بن زيد وجرير بن عبد الحميد ; [ ص: 496 ] كلهم عن منصور ، وأن ابن وهب روى عمن سمع عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر يحدث عن أبيه، عن علي - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - أعطى جدتين السدس إذا لم تكن أم أو شيء دونهما، فإن لم توجد واحدة فلهما السدس ، وعند أبي داود من حديث ابن بريدة أنه - عليه السلام - جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم .

وروي نحو هذا عن ابن عباس ، قالوا: ومن المحال أن يكون هذا عند ابن عباس ويخالفه.

قلنا: هذا كله لا يصح منه شيء; خبر إبراهيم مرسل; وخبر ابن بريدة فيه: عبيد الله العتكي وهو مجهول; وخبر علي (أسفهها كلها إلا أن) ابن وهب لم يسم من أخبره عن عبد الوهاب ، وعبد الوهاب أيضا هالك ساقط، وأيضا فلا سماع لمجاهد من علي ، والرواية عن ابن عباس لا يعرف مخرجها.

قلت: أخطأ في جهالته عبيد الله العتكي ؛ فإن ابن معين وثقه وكذا النسائي ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في "ضعفائه" وقال: يحول، وقد روى عن خلق، وعنه خلق، فمن هذا حاله يكون مجهولا؟! وأخرجه أيضا النسائي في "سننه" وشرطه صعب في الرجال.

[ ص: 497 ] وقال ابن عدي : روى عنه النضر بن شميل أحاديث مستقيمة، وهو لا بأس به، ولما صحح الحاكم له حديثا في الوتر قال: مروزي ثقة يجمع حديثه، وقال ابن خلفون في "ثقاته": هو عندي في الطبقة الرابعة من المحدثين، وهو مشهور بكنيته.

وقوله: لا سماع لمجاهد من علي فيه نظر; فإنه قد أدركه.

قال الضياء المقدسي : مجاهد أدرك عليا ، وقد اتفقت رواية أيوب ووهيب عنه: خرج علينا علي .

فصل:

قال ابن حزم : والجدة ترث الثلث إذا لم يكن للميت أم ؛ حيث ترث الأم الثلث، وترث السدس حيث ترث الأم السدس إذا لم يكن للميت أم، وترث الجدة وابنها -أبو الميت- حي، كما ترث لو (كان) حيا، وكل جدة ترث إذا لم تكن هناك أم أو جدة أقرب منها، فإن استوين في الدرجة أشركن، وسواء فيما ذكرنا أم الأم وأم الأب، وأم أم الأب وأم أبي الأم وأم أم الأم، وهكذا أبدا وهذا مكان اختلف الناس فيه، فروي [ ص: 498 ] عن أبي بكر أنه لم يورث إلا جدة واحدة، وهي أم الأم فقط، وروي عنه وعن غيره توريث جدتين فقط، وهما أم الأم وأمهاتها، وأم الأب وأمهاتها، وقالت طائفة بتوريث ثلاث جدات: هاتان وأم أب الأب وأمهاتها.

وروي عن طائفة توريث كل جدة إلا جدة من قبل أبي أم، أو من قبل أبي جدة، وقال بعضهم: لا ترث الجدة ولا الجدتان والأكثر إلا السدس فقط، وقال بعضهم: إن كانت التي من قبل الأم أقرب انفردت بالسدس، ولم ترث معها التي من قبل الأب، فإن كانت التي من قبل الأب مساوية للتي من قبل الأم، أو كانت التي من قبل الأم أبعد اشتركتا في السدس، وقالت طائفة: لا ترث الجدة ما دام ابنها الذي صارت به جدة حيا.

التالي السابق


الخدمات العلمية