التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6367 [ ص: 539 ] 17 - باب: ميراث الملاعنة

6748 - حدثني يحيى بن قزعة، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها، ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وألحق الولد بالمرأة. [انظر: 4748 - مسلم: 1494 - فتح: 12 \ 30].


حدثنا يحيى بن قزعة ، ثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها، ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، (وألحق الولد بالمرأة) .

الشرح:

في الباب أحاديث ليست على شرطه، منها ما روى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها ، ومن حديث واثلة مرفوعا: "تحرز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه" وإسنادهما ضعيف، وقال البيهقي في الثاني: ليس بثابت.

وروى مكحول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله.

وروى أحمد أن عبد الله بن عبيد بن عمير ، كتب إلى صديق له من أهل المدينة يسأله عن ولد الملاعنة، لمن قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكتب إليه: إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه، هي بمنزلة أبيه وأمه .

[ ص: 540 ] قال البيهقي : رواه حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند، عن عبد الله بن عبيد ، عن رجل من أهل الشام : أنه - عليه الصلاة والسلام - (قال).. فذكره.

قال البيهقي : وهذا والذي قبله منقطع، ولفظه مختلف فيه.

قال مالك : وبلغني أن عروة كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنا: إذا مات ورثت أمهما حقهما في كتاب الله، وإخوته لأمه حقوقهم، ويورث البقية مولى أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم، وكان ما بقي للمسلمين . قال مالك : وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، قال: وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا.

قال ابن عبد البر : هذا مذهب زيد بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غيرها ولا يجعل عصبة أمه منه، ويجعل ما فضل عن أمه لبيت مال المسلمين ، إلا أن يكون له إخوة لأم، فتكون حقوقهم منه كما لو كان ابن غير ملاعنة، والباقي في بيت المال، فإن كانت أمه مولاة جعل الباقي من فرض ذوي السهام لولي الأم، فإن لم يكن لها مولى (حي) جعل في بيت المال.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك مثل قول زيد ، وبه قال جمهور أهل المدينة : ابن المسيب وعروة وسليمان وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة [ ص: 541 ] وأصحابهم وأبو ثور وأهل البصرة ، إلا أن أبا حنيفة وأصحابه وأهل البصرة يجعلون ذوي الأرحام أولى من بيت المال، فيجعلون ما فضل عن فرض أمه وإخوته ردا على أمه وعلى إخوته، إلا أن تكون مولاة فيكون الفاضل لمواليها.

وأما علي وابن مسعود وابن عمر فإنهم جعلوا عصبته عصبة أمه، ذكر أبو بكر ، عن وكيع ، ثنا ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن علي وعبد الله أنهما قالا في ابن الملاعنة: عصبته عصبة أمه (يرثهم ويرثونه ، وهو قول إبراهيم والشعبي ).

وثنا وكيع ، وثنا موسى بن عبيدة ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ابن الملاعنة عصبته عصبة أمه، يرثهم ويرثونه ، وهو قول إبراهيم والشعبي .

وروي عن علي وابن مسعود أيضا: أنهما كانا يجعلان أمه عصبة، فتعطى المال كله، فإن لم يكن له أم فماله لعصبتها، وبه قال الحسن ومكحول ، ومثل ذلك أيضا عن الشعبي وقتادة وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد والثوري وابن حي ويحيى بن آدم وشريك وأحمد بن حنبل .

وعن عمر بن الخطاب : أنه ألحق ولد الملاعنة لعصبة أمه ، وعن الشعبي قال: سألت بالمدينة كيف فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بولد الملاعنة؟ قال: ألحقه بعصبة أمه ، وعنه أنه قال: بعث أهل الكوفة إلى الحجاز زمن عثمان - رضي الله عنه - رجلا يسأل عن ميراث ابن الملاعنة، فجاءهم الرسول [ ص: 542 ] فأخبرهم أنه لأمه وعصبتها. وقال ابن عباس عن علي: أنه أعطى ابن الملاعنة الميراث وجعلها عصبة .

قال أبو عمر : والرواية الأولى أشهر عند أهل الفرائض، وقد روى خلاس عن علي في ابن الملاعنة مثل قول زيد : ما فضل عن أمه و(عن) إخوته في بيت المال، وأنكروها على خلاس ، ولخلاس عن علي أخبار في كثير منها نكارة عند العلماء.

وقال ابن المنذر : لما ألحق الشارع ابن الملاعنة بأمه ونفاه عن أبيه ثبت أن لا عصبة له ولا وارث من قبل أبيه، قال غيره: فإذا توفي ابن الملاعنة فلا يرثه إلا أمه وإخوته لأمه خاصة، أو أخ معه ولد في بطن يكون عصبته (له في المشهور من مذهب مالك بخلاف توأم الزانية، لم يختلف فيه أنهما يتوارثان من قبل الأم خاصة.

واختلف في توأم المغتصبة والمسبية والملاعنة هل يتوارثان من قبل الأب والأم، أو من قبل الأم خاصة؟ والتزم بعضهم أن يتوارث توأم الزانية من قبل الأب والأم قياسا على تؤأم المغتصبة، قال: لأن التطوع بالزنا والإكراه سواء) فإن فضل شيء فلموالي أمه إن كانت معتقة، وكذلك لو كانت وحدها أخذت الثلث وما بقي لمواليها، ولا يكون لبيت المال شيء، وإن كانت عربية فالفاضل لبيت المال، هذا قول زيد ومن سلف.

ثم روى عن علي وابن مسعود : أن ما بقي يكون لعصبة أمه إذا لم يخلف ذا رحم له منهم، فإن خلفه جعل فاضل المال ردا عليه، وحكي عن علي أيضا أنه ورث ذوي الأرحام [ ص: 543 ] برحمهم، ولا شيء لبيت المال، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه. ومن قال بالرد يرد الباقي على أمه، وجعل ابن مسعود عصبته أمه كما سلف، فإن لم تكن الأم فعصبتها هي عصبة ولدها، وإليه ذهب الثوري .

وهذا الاختلاف إنما قام من قوله - عليه السلام -: "وألحق الولد بالمرأة" لأنه لما ألحقه بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد الفيء الذين لم يختلف أن المسلمين عصبتهم - (إذ لا تكون العصبة من قبل الأم، وإنما تكون من قبل الأب) ومن قال: معنى قوله: "ألحق الولد بالمرأة" أي: أقامها مقام أبيه، فهؤلاء جعلوا عصبة أمه عصبة له، وهو قول الثوري وأحمد، واحتجوا بالحديث الذي جاء أن الملاعنة بمنزلة أبيه وأمه، وليس فيه حجة (لأنه إنما هي) بمنزلة أبيه وأمه في تأديبه، وما أشبه ذلك بما لا يتولاه أبوه.

فأما الميراث فلا; لأنهم أجمعوا أن ابن الملاعنة لو ترك أمه وأباه كان لأمه السدس ولأبيه ما بقي، فلو كانت بمنزلة أبيه وأمه في الميراث لورثت سدسين بالأمومة وبالأبوة، وأبو حنيفة جعل الأم كالأب فرد عليها ما بقي; لأنها أقرب الأرحام إليه، وقول أهل المدينة أولى بالصواب كما قاله ابن بطال ; لأنه معلوم أن العصبات من قبل الآباء ومن أدلى بمن لا تعصيب له لم يكن له تعصيب.

التالي السابق


الخدمات العلمية