التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
591 [ ص: 344 ] 10 - باب: الكلام في الأذان.

وتكلم سليمان بن صرد في أذانه. وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن أو يقيم.

616 - حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد، عن أيوب وعبد الحميد صاحب الزيادي وعاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث قال: خطبنا ابن عباس في يوم ردغ، فلما بلغ المؤذن: حى على الصلاة. فأمره أن ينادي: الصلاة في الرحال. فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عزمة [668، 901 - مسلم: 699 - فتح: 2 \ 97].

وتكلم سليمان بن صرد في أذانه.

هذا أخرجه ابن أبي شيبة من حديث موسى بن عبد الله بن يزيد، أن سليمان بن صرد - وكانت له صحبة - كان يؤذن في العسكر فكان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه. قال: وحدثنا ابن علية قال: سألت يونس عن الكلام في الأذان والإقامة فقال: حدثني عبيد الله بن غلاب، عن الحسن: لم يكن يرى بذلك بأسا. وعن عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: لا بأس به وعن غندر عن أشعث، عن الحسن: لا بأس أن يتكلم الرجل في إقامته.

[ ص: 345 ] وعن حجاج وقتادة، وعطاء، وعروة مثل ذلك، وكرهه محمد بن سيرين والشعبي، وإبراهيم، وعن الزهري: إذا تكلم في إقامته يعيد، وكرهه إبراهيم أيضا في رواية.

ثم قال البخاري: وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن أو يقيم. وهذا قد علمته آنفا عنه في الكلام لا في الضحك.

ثم ساق البخاري من حديث عبد الله بن الحارث: قال: خطبنا ابن عباس في يوم ردغ، فلما بلغ المؤذن: حى على الصلاة. فأمره أن ينادي: الصلاة في الرحال. فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عزمة.

والكلام عليه من أوجه:

أحدها: هذا الحديث، ذكره البخاري في مواضع أخر في باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر في الجمعة والرخصة إذا لم يحضر الجمعة في المطر، وأخرجه مسلم أيضا ولفظ البخاري في الباب الأخير، قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: فعله من هو خير مني... الحديث.

[ ص: 346 ] وعند الطبراني - بإسناد صحيح - عن نعيم بن النحام قال: أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فيها برد، وأنا تحت لحافي، فتمنيت أن يلقي الله على لسانه: ولا حرج، فلما فرغ قال: ولا حرج، وعند البيهقي. فلما قال:

[ ص: 347 ] الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج.

ثانيها: الردغ: براء ثم دال مهملتين، ثم غين معجمة، كذا روايتنا، وحكى أبو موسى وابن الأثير سكون الدال وفتحها: طين ووحل.

وروي بالزاي بدل الدال. مفتوحة وساكنة، والصواب: الفتح؛ لأنه الاسم. قال ابن التين: وروايتنا بفتح الزاي وهو في اللغة بالسكون، والرزغ: المطر الذي يبل وجه الأرض، وفي كتاب: رزغة؛ الرزغة بالزاي: أشد من الردغة، وقيل: بالعكس، وقال أبو عبيد: الرزغ: الطين والرطوبة.

[ ص: 348 ] وفي "الجمهرة": الرزغة مثل الردغة، وهو الطين القليل من مطر أو غيره، وقاله ابن الأعرابي، وقال الداودي: الرزغ: الغيم البارد. وفي "الصحاح": الرزغة بالتحريك: الوحل، وكذلك الردغة بالتحريك.

وكذا ذكره في "المنتهى"، وهو وارد على قول ابن التين السالف أنه في اللغة بالسكون. قال أبو موسى: وقد يقال: ارتدع بالعين المهملة: تلطخ، والصحيح الأول.

ثالثها: وجه ذكر البخاري هذا الحديث هنا أن فيه الصلاة في الرحال، وهو كلام غير الأذان، نعم يستحب ذلك في ليلة مطر أو ريح أو ظلمة أن يقول ذلك عقب الأذان، ولو قاله بعد حيعلته جاز.

ونص الشافعي عليه في " الأم"، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى الأذان على نظمه.

ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس، ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر؛ لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت، وكلاهما صحيح، بل ظاهر حديث ابن عباس أنه يقولهما بدل الحيعلتين، وبه قال بعض المتأخرين.

وأغرب إمام الحرمين حيث استبعد الإتيان بهذه اللفظة في أثناء الأذان، وقال: تغييره من غير ثبت مستبعد، وقد علمت أنت الثبت، وأن ظاهره: حذف الحيعلتين، ويقولهما بدلهما.

[ ص: 349 ] وقال القرطبي: استدل بالحديث من أجاز الكلام في الأذان وهم: أحمد والحسن وعروة، وعطاء، وقتادة، وعبد العزيز بن أبى سلمة، وابن أبي حازم من المالكية، ولا حجة فيه لما في حديث ابن عمر الآتي بعد من عند البخاري فقال في آخر الأذان: ألا صلوا في الرحال.

وحديث ابن عمر إن لم يكن ظاهرا في ذكره له بعد الأذان؛ إذ يحتمل أن يكون في آخره قبل الفراغ، فلا أقل من أن يكون محتملا.

وقد روى ابن عدي في "كامله" من حديث أبي هريرة ما هو صريح في ذكره له بعد فراغ الأذان.

ثم إن حديث ابن عباس لم يسلك فيه مسلك الأذان. ألا تراه قال: فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، وإنما أراد إشعار الناس بالتخفيف عنهم؛ للعذر كما فعل في التثويب للأمراء، وقد كره الكلام في الأذان مالك وأبو حنيفة، والشافعي، وعامة الفقهاء، وعن أحمد: إباحته في الأذان دون الإقامة، وأبطل الزهري الإقامة به، وعن الكوفيين أنه إذا تكلم في أذانه يجزئه ويبني، وهذا الحديث دال عليه، حجة على من خالف.

رابعها: الرحال: المنازل والدور والمساكن، وهي جمع رحل، وسواء كانت من حجر ومدر وخشب، أو شعر وصوف ووبر وغيرها.

[ ص: 350 ] خامسها: قوله: (قد فعل هذا من هو خير منه) قد جاء في بعض طرقه يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعزمة بإسكان الزاي أي: حق وواجب وأبعد بعض المالكية حيث قال: إن الجمعة ليست بفرض، وإنما الفرض الظهر أو ما ينوب مقامه، والجماعة على خلافه، نبه عليه ابن التين في باب الجمعة.

قال: وحكى ابن أبي صفرة عن "موطأ ابن وهب" عن مالك أن الجمعة سنة قال: ولعله يريد في السفر، ولا يعتد به. والضمير في قوله: وإنها عزمة: جاء في بعض طرقه مقتصرا أن الجمعة عزمة.

وقوله: (خطبنا) دال عليه.

ومن فوائد الحديث: تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وإنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وإنكار الجماعة يقتضي أن يكون قال ذلك في صلب الأذان، فلو قاله بعده لم يكن فيه ذلك الإنكار، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة عند العود إلى هذا الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية