التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
592 [ ص: 351 ] 11 - باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره.

617 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". ثم قال: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت [620، 623، 1918، 2656، 7248 - مسلم: 1092 - فتح: 2 \ 99]


حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". ثم قال: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت.

الكلام عليه من أوجه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع منها: الشهادات في باب شهادة الأعمى، وأخرجه مسلم أيضا، قال ابن منده: رواه القعنبي عن مالك، والصحيح عنه إرساله يعني: بإسقاط ابن عمر، وصوب الدارقطني اتصاله.

قال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وأبي ذر، وسمرة.

[ ص: 352 ] ثانيها: قوله: قال: (وكان رجلا أعمى...) إلى آخره، هذا القائل ذكر البيهقي أنه من قول ابن شهاب.

وقال الخطيب في كتاب "الفصل للوصل" جعلها بعضهم من قول ابن شهاب وآخر من قول سالم.

وفي "الجمع" للحميدي: رواه عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه وكان ابن أم مكتوم... إلى آخره. قال: ومن حديث مالك عن الزهري نحوه، وصرح صاحب "المغني" بأنه من قول ابن عمر، وقال في آخره: رواه البخاري.

[ ص: 353 ] ثالثها: معنى أصبحت أي: دخلت في حكم الصباح، وإن كان يحتمل قاربت الصباح، وستعلم ذلك في آخر الباب.

رابعها: فيه من الفقه ما ترجم له، وهو جواز أذان الأعمى، إذا كان له من يخبره، وإن كان الطحاوي روى من حديث أنس مرفوعا: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئا". قال: فأخبر أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر وليس في الحقيقة بفجر قال: ولما ثبت بينهما من القرب بمقدار ما يصعد هذا وينزل هذا ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا، وهو طلوع الفجر، فيخطئه بلال لما يبصره، ويصيبه ابن أم مكتوم؛ لأنه لم يكن يؤذن حتى تقول له الجماعة: أصبحت أصبحت وأذانه صحيح عندنا. وعند مالك وأحمد وأبي حنيفة، ونقل النووي عن أبي حنيفة وداود عدم الصحة، وهو غريب عن أبي حنيفة، نعم في "المحيط" يكره، قال أصحابنا: ولا كراهة في أذانه إذا كان معه بصير كابن أم مكتوم مع بلال، فإن لم يكن معه بصير كره خوف غلطه، وممن كره أذانه ابن مسعود وابن الزبير. وابن عباس كره إقامته، وروي أن مؤذن النخعي كان أعمى.

[ ص: 354 ] وحمل البيهقي ما روي عن ابن مسعود على كراهة الانفراد، واستنبط منه البخاري والمهلب جواز شهادة الأعمى على الصوت؛ لأنه يميز صوت من علم الوقت ممن يثق به مقام أذانه على قبوله مقام شهادة المخبر له، ومنعه أبو حنيفة فيما حكاه ابن التين.

وفيه أيضا أحكام أخر:

الأول: جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة يستدل بذلك لما يحتاج إليه.

الثاني: نسبة الرجل إلى أنه إذا كان معروفا بذلك، واسمه: عمرو أو عبد الله.

الثالث: تكنية المرأة؛ لقوله - عليه السلام -: ابن أم مكتوم واسمها: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم.

الرابع: جواز تكرير اللفظ؛ للتأكيد؛ لقوله: أصبحت أصبحت.

الخامس: جواز الأذان قبل الفجر، وعندنا فيه أوجه، أصحها: آخر الليل كما أوضحناه في كتب الفروع، ونقل في "المحلى" عن جماعة كراهة الأذان قبل الفجر، منهم: الحسن وإبراهيم، ونافع، والأسود، والشعبي، وسمع علقمة مؤذنا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو نام على فراشه لكان خيرا له.

[ ص: 355 ] قال ابن حزم: والأذان الذي كان في زمنه - عليه السلام - كان أذان سحور لا أذان صلاة، وعنده أنه لا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ورد: ينزل هذا ويرقى هذا.

وأغرب القرطبي فنقل عن الجمهور أن أذان بلال هو أذان الفجر، وأن أبا حنيفة والثوري قالا: إن فائدته التأهب، ولابد من أذان عند الفجر.

فرع: لو أراد الاقتصار على أذان واحد للصبح فالأفضل ما بعده كما هو المعهود في سائر الصلوات، ولو لم يوجد إلا واحد أذن مرتين، فإن اقتصر على واحد فقال الإمام: يقتصر على ما بعده، وقال ابن الصباغ: على ما قبله.

فائدة: حديث أنيسة السالف أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمة، وابن حبان على عكس حديث ابن عمر السالف، وهو أنه - عليه السلام - قال: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال".

وروى ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عائشة مثلما قالت: كان بلال لا يؤذن حتى يطلع الفجر.

[ ص: 356 ] ويجمع بينهما بأنه يجوز أن يكون بينهما نوب، وهذا أولى من قول ابن الجوزي: كأنه مقلوب.

خاتمة: أذان ابن أم مكتوم اختلف العلماء في تأويله كما ذكره ابن بطال، فقال ابن حبيب: ليس قوله: أصبحت أصبحت إفصاحا بالصبح بمعنى أن الصبح انفجر وظهر، ولكن بمعنى: التحذير من طلوعه؛ خيفة انفجاره، ومثله قاله الأصيلي والداودي، وسائر المالكيين، وقالوا: معنى: أصبحت: قاربت الصباح، كما قال تعالى: فإذا بلغن أجلهن [البقرة: 234] أي: قاربن؛ لأن العدة إذا تمت فلا رجعة، ولو كان أذان ابن أم مكتوم بعد الفجر لم يجز أن يؤمر بالأكل إلى وقت أذانه؛ للإجماع أن الصيام واجب من أول الفجر.

وأما مذهب البخاري في هذا الحديث على ما ترجم به الباب فأراد به: كان بعد طلوع الفجر. والحجة له قول: "إن بلالا يؤذن بليل"، لو كان أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر لم يكن لقوله: إن بلالا ينادي بليل [ ص: 357 ] معنى؛ لأن أذان ابن أم مكتوم كذلك هو في الليل، وإنما يصح الكلام أن يكون نداؤه في غير الليل في وقت يحرم فيه الطعام والشراب اللذان كانا مباحين في وقت أذان بلال، وقد روي هذا المعنى نصا في رواية البخاري في كتاب الصيام: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن عمرو؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"، وأذان عمرو كان علامة لتحريم الأكل لا للتمادي فيه.

أخرى: شرط الأذان الوقت ولا يجوز قبله، وهو إجماع في غير الصبح، ومذهب أبي حنيفة في الصبح أيضا. وفي "سنن أبي داود" من حديث ابن عمر: أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فينادي: إن العبد قد نام. أعله أبو داود بتفرد حماد. قال ابن المديني: أخطأ فيه وهو غير محفوظ. وقال الشافعي: أهل الحديث لا يثبتونه، ولا تقوم بمثله حجة على الانفراد.

[ ص: 358 ] قلت: وحديث الباب هو العمدة.

التالي السابق


الخدمات العلمية