التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6390 [ ص: 7 ] 86

كتاب الحدود

[ ص: 8 ] [ ص: 9 ] بسم الله الرحمن الرحيم

86 - كتاب الحدود

هي : جمع حد ، وأصله المنع ، ومنه سمي البواب حدادا .

1 - باب: ما يحذر من الحدود

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ينزع منه نور الإيمان .

6772 - حدثني يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن"

وعن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله ، إلا النهبة . [انظر : 2475 - مسلم : 57 - فتح 12 \ 58 ] .


[ ص: 10 ] وسيأتي في آخر الباب من عند الطبري وغيره .

ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث بطوله ، وسلف في المظالم .

قال الطبري : اختلف من قبلنا في معنى هذا الحديث ، فأنكر بعضهم أن يكون الشارع قاله .

قال عطاء : اختلفت الرواة في أداء لفظ الشارع بذلك ، فقال محمد بن (زيد) بن واقد بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب : وسئل عن تفسير هذا الحديث فقال : إنما قال رسول الله" : "لا يزنين مؤمن ولا (يسرقن) مؤمن" ، وقال آخرون : عني بذلك : لا يزني وهو مستحل له غير مؤمن بتحريم الله تعالى ذلك عليه ، وأما إن فعله معتقدا تحريمه فهو مؤمن ، روي ذلك عن عكرمة ، عن مولاه ابن عباس ، وحجته حديث أبي ذر مرفوعا : "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي ذر " ، وقال آخرون : أراد أن لا يكون في ذلك الحال كاملا لشرائط الإيمان ، (وقال آخرون : ينزع منه الإيمان) فيزول عنه اسم المدح الذي سمي به الأولياء ، ويستحق اسم الذم الذي سمي به المنافق ، فيوسم به ، ويقال له : منافق وفاسق ، روي هذا عن الحسن قال : النفاق نفاقان : تكذيب

[ ص: 11 ] بالشارع فلا يغفر ، ونفاق خطايا وذنوب ترجى لصاحبها . وعن الأوزاعي قال : كانوا لا يكفرون أحدا بذنب ولا يشهدون على أحد بكفر ، ويتخوفون نفاق الأعمال على أنفسهم .

وقال الوليد بن مسلم : ويصدق قول الأوزاعي ما رواه عن هارون بن رئاب أن عبد الله بن عمر قال في مرضه : زوجوا فلانا بابنتي فلانة ، فإني كنت وعدته بذلك ، وأنا أكره أن ألقى الله بثلث النفاق . وحدثنا الزهري ، عن عروة أنه قال لابن عمر : الرجل يدخل منا على الإمام فنراه يقضي بالجور فيسكت ، وينظر إلى أحدنا فيثني عليه بذلك ، فقال عبد الله : أما نحن معاشر أصحاب رسول الله فكنا نعدها نفاقا ، فلا أدري كيف تعدونه .

وعن حذيفة - رضي الله عنه - أنه سئل : من المنافق؟ قال : الذي يتكلم بالإسلام ولا يعمل به .

وحجة هذا القول : أن النفاق إنما هو إظهار المرء بلسانه قولا يبطن خلافه كنافقاء اليربوع التي تتخذها كي إن طلب الصائد من قبل مدخل قصع من خلافه ، فمن لم يجتنب الكبائر من أهل التوحيد ، علمنا أن ما ظهر من الإقرار بلسانه خداع للمؤمنين فاستحق اسم النفاق ، ويشهد لذلك قوله - عليه السلام - : "ثلاث من علامات المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" والزنا والسرقة وشرب الخمر أدل على النفاق من هذه الثلاث . وقال آخرون : إذا أتى المؤمن كبيرة نزع منه الإيمان ، وإذا فارقها عاد إليه .

[ ص: 12 ] وروي عن أبي الدرداء : قال عبد الله بن رواحة : إنما مثل الإيمان مثل قميص بينما أنت وقد نزعته إذ لبسته ، وبينما أنت قد لبسته إذ نزعته .

وعن يزيد بن أبي حبيب ، عن سالم بن عمر ، سمع أبا أيوب يقول : إنه لتمر على المرء ساعة وما في جلده موضع إبرة من إيمان ، وتمر به ساعة وما في جلده موضع إبرة من نفاق . وعلى هذه المقالة أن الإيمان هو التصديق ، غير أن التصديق معنيان : قول وعمل ، فإذا ركب كبيرة فارقه اسم الإيمان ، كما يقال للاثنين إذا افترقا ، فالإيمان التصديق الذي هو الإقرار ، والعمل الذي هو اجتناب الكبائر ، وإذا ألقيت عاد إليه ؛ لأنه مجتنب ومصدق . وقيل هو على المفارقة . أي : يكاد من عظيم أن يفارقه ، والشيء يسمى باسم ما قاربه ، وقال تعالى فإذا بلغن أجلهن [البقرة : 234] أي : قاربن ، وقيل معنى مؤمن : أمن من عذابه ، وقال بعض الخوارج والرافضة والإباضية هم نوع من الخوارج : من فعل شيئا من ذلك فهو كافر خارج من الإيمان ؛ لأنهم يكفرون المؤمن بالذنوب ويوجبون عليه التخليد في النار بالمعاصي ، ومن حجتهم ظاهر حديث الباب "لا يزني وهو مؤمن" .

وقال أبو هريرة : الإيمان فوقه هكذا ، فإن هو تاب راجعه الإيمان ، وإن أصر ومضى فارقه .

وقال أبو صالح ، عنه : ينزع منه فإن تاب رد عليه ، قالوا : ومن نزع منه الإيمان فهو كافر ؛ لأنه لا منزلة بين الإيمان والكفر ، ومن لم يكن مؤمنا فهو كافر ، وجماعة أهل السنة وجمهور الأمة على خلافهم .

[ ص: 13 ] وحجة أهل السنة : أن ابن عباس قد بين حديث أبي هريرة ، وقال : إن العبد إذا زنى نزع منه نور الإيمان لا الإيمان . كذا أخرجه الطبري من حديث شريك بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عنه مرفوعا : "من زنى نزع الله منه نور الإيمان من قلبه ، فإن شاء أن يرده عليه رده" .

قال الطبري : والصواب عندنا قول من قال : يزول عنه الاسم الذي هو بمعنى المدح إلى الاسم الذي هو بمعنى الذم ، فيقال له : فاجر ، فاسق ، زان ، سارق ، ولا خلاف بين جميع الأمة أن ذلك من أسمائه ما لم يتب ، ويزول عنه اسم الإيمان بالإطلاق والكمال بركوبه ذلك وينسب له بالتقييد فنقول : هو مؤمن بالله ورسوله مصدق قولا ، ولا نقول مطلقا : هو مؤمن إذ كان الإيمان عندنا معرفة قولا وعملا . فلما لم يأت بها كلها استحق التسمية بالإيمان على غير الإطلاق والاستعمال له .

فصل :

معنى نزع الإيمان : نزع يعتبر به في الطاعة ؛ لغلبة الشهوة عليه ، فكأن تلك البصيرة نور طفته الشهوة من قلبه ، يشهد له قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون [المطففين : 14] .

وقد سلف شيء من هذا المعنى في الإيمان في باب : علامات المنافق ، وفي العلم في باب : من خص بالعلم قوما . وسيأتي عنه : أنه ينزع هكذا ، وشبك بين أصابعه ، ثم أخرجها ، فإن تاب عاد إليه هكذا ، وشبك بين أصابعه .

[ ص: 14 ] فصل :

مما يوضح تأويل أهل السنة السالف إيجاب الحد على البكر على نمط ، وعلى الثيب على نمط ، والعبد على نمط ، فلو كان كله كفرا لكان فيه حد واحد وهو حد الكفر ، فلما كان الواجب فيهما من العقوبة مختلفا دل أنهما شيئان ، وأنه ليس بكافر .

وقوله بعد هذا في الذي كان يلعن حمارا : "لا تلعنوه ، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله" ، دليل أيضا أنه ليس بكافر ؛ لأنه نهى عن لعنه ، وأثبت له محبة الله ورسوله وقال بعد ذلك : "لا تكونوا أعوان الشيطان على أخيكم" فسماه أخا في الإسلام .

فصل :

قال ابن حزم في أثر ابن عباس : هو أثر صحيح لا مغمز فيه ، رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة وابن عباس وأبو هريرة بالأسانيد الثابتة ، فهو نقل تواتر يوجب صحة (العلم) .

وقد اختلف الناس في تأويله ، وما هو الإيمان المزال له ، (فعنه) يخلع منه كما يخلع سرباله ، فإذا رجع رجع . وعن ابن عباس أنه شبك أصابعه ثم زايلها ، ثم قال هكذا ثم ردها .

وفي رواية : "ينزع الله منه ربقة الإيمان" وعن نافع بن جبير : إذا زايل رجع إليه الإيمان ، ولكن إذا أخر عن العمل ، قال : وحسبته أنه

[ ص: 15 ] ذكره عن ابن عباس ، وقال طاوس : يبقى الإيمان كالظل .

وفي حديث أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري يرفعه ، قال : هذا نهي يقول حين هو مؤمن فلا يفعل الزنا ولا السرقة .

وقال ابن حزم : فالإيمان المزايل لمرتكب هذه الأمور هي الطاعة لله فقط ، وهذا أمر مشاهد باليقين ؛ لأن الزنا والخمر وشبههما ليس شيء منهما طاعة فيه ، فليست إيمانا ، فإذا ليس شيء منها إيمانا ، ففاعلها ليس مطيعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية