التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6404 [ ص: 50 ] 10 - باب: إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله

6786 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يأثم ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله ، فينتقم لله . [ انظر : 3560 - مسلم : 2327 - فتح 12 \ 86 ] .


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمة الله ، فينتقم لله .

يحتمل كما قال ابن بطال أن ( يكون ) هذا التخيير ليس من الله ؛ لأن الله لا يخير رسوله بين أمرين من أمور الدنيا على سبيل المشورة والإرشاد ، وإلا اختار لهم أيسرهما ما لم يكن عليهم في الأيسر إثما ؛ لأن العباد غير معصومين من ارتكاب الإثم ، ويحتمل أن يكون ما لم يكن إثما في أمور ( الدين ) ، وذلك أن الغلو في الدين مذموم ، والتشديد فيه غير محمود ؛ لقوله - عليه السلام -" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " فإذا أوجب الإنسان على نفسه شيئا شاقا من العبادة ثم لم يقدر على التمادي فيه ، كان ذلك إثما ، ولذلك نهى الشارع أصحابه عن الترهب .

[ ص: 51 ] قال أبو قلابة : بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قوما حرموا الطيب واللحم ، منهم عثمان بن مظعون ، وابن مسعود ، وأرادوا أن يختصوا ، فقام على المنبر فأوعد في ذلك وعيدا شديدا ، ثم قال :" إني لم أبعث بالرهبانية ، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة ، وإن أهل الكتاب إنما هلكوا بالتشديد ، شددوا فشدد عليهم " ثم قال :" اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة وحجوا البيت ، واستقيموا يستقم لكم " وقد جعل مطرف بن الشخير ، ويزيد بن مرة الجعفي مجاوزة القصد في العبادة وغيرها والتقصير عنه سيئة ، فقالا : الحسنة بين السيئتين ، والسيئتان . إحداهما : مجاوزة القصد ، والثانية : التقصير عنه ، والحسنة التي بينهما هي : القصد والعدل .

وقدم ابن التين على هذين الاحتمالين أنه قيل : إنه يريد في أمر الدنيا ، وأما أمر الآخرة فكلما صعب كان أعظم ثوابا ، واستدل قائل هذا بقوله : ( ما لم يكن إثما ) . وفي رواية : ( ما لم يكن يأثم ) .

فصل :

وقولها : ( وما انتقم لنفسه ) قال الداودي : يعني : إذا أوذي بغير السبب الذي لا يخرج إلى الكفر ، مثل الأذى في المال والجفاء في رفع الصوت فوق صوته ، ونحو التظاهر الذي تظاهرت عليه عائشة وحفصة ، ومثل جبذ الأعرابي له حتى أثرت حاشية البرد في عنقه أخذا منه بقوله تعالى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [ الشورى : 43 ] ، وأما إذا أوذي بسبب هو كفر وهو انتهاك حرمة الله

[ ص: 52 ] فيجب عليه الانتقام لنفسه ؛ كفعله في ابن خطل يوم الفتح ، حين تعوذ بالكعبة من القتل ، فأمر بقتله دون سائر الكفار ؛ لأنه كان يكثر من سبه ، وقد أمر بقتل القينتين اللتين كانتا تغنيان بسبه وانتقم لنفسه ؛ لأنه من سبه فقد كفر ومن كفر فقد آذى الله ورسوله ؛ ولذلك قال :" من لكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله " فانتقم منه كذلك .

قال المهلب : ولا يحل لأحد من الأئمة ترك حرمات الله أن تنتهك ، وعليهم تغيير ذلك .

وقد روي عن مالك في الرجل يؤذى وتنتهك حرمته ، ثم يأتيه الظالم المنتهك لحرمته ، قال : لا أرى أن يغفر له ، ووجه ذلك إذا كان معروفا بانتهاك حرم المسلمين ، فلا يجب أن يجري على هذا ويرد بالإغلاظ عليه والقمع له من ظلم أحد .

وروي عن مالك أنه قال : كان القاسم بن محمد يحلل من ظلمه يكره لنفسه الخصوم ، وكان ابن المسيب لا يحلل أحدا ، وسئل عن ذلك فقيل له : أرأيت الرجل يموت ولك عليه دين لا وفاء له به ، ( قال ) : الأفضل عندي أن أحلل .

وفي رواية أخرى : كان بعض الناس يحلل من ظلمه ويتأول :" الحسنة بعشر أمثالها " وما هذا بالدين عندي ، وإن من لم يعفه لمستوف حقه .

[ ص: 53 ] وقيل : المراد بقول عائشة السالف الأموال ؛ لأنها روت خبر اللد وكل من كان في البيت إلا العباس فإنه لم يحضر معهم واعتزل نساءه شهرا تواطأت عليه عائشة وحفصة ، وقتل عقبة بن أبي معيط يوم بدر من بين الأسرى . وقيل : أرادت أنه لم يكن ينتقم لنفسه غالبا ، حكاهما ابن التين ، قيل : ما حكيناه عن الداودي .

التالي السابق


الخدمات العلمية