التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6414 6799 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح قال : سمعت أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . [ انظر : 6783 - مسلم : 1687 - فتح 12 \ 97 ] .


[ ص: 66 ] التعليق عن علي - رضي الله عنه - رواه ابن أبي شيبة عن وكيع ، عن سمرة بن معبد ( أبي ) عبد الرحمن قال : رأيت أبا خيرة مقطوعا من المفصل ، فقلت : من قطعك ؟ قال الرجل الصالح : علي - رضي الله عنه - أما إنه لم يظلمني .

ورواه وكيع أيضا عن سمرة قال : سمعت عدي بن حاتم عن رجاء بن حيوة أنه - عليه السلام - قطع رجلا من المفصل . ورواه أيضا عن أبي سعيد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة أن عمر - رضي الله عنه - قطع اليد من المفصل وقطع علي - رضي الله عنه - القدم ، وأشار ابن دينار إلى شطرها .

قال أبو ثور : فعل علي أرفق وأحب إلي ، وقول قتادة رواه أحمد بن حنبل في " تاريخه الكبير " عن محمد بن الحسن الواسطي ، أنا عوف عنه .

ثم ساق البخاري من حديث عائشة : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " . تابعه عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري ومعمر ، عن الزهري ، عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

متابعة الأولين رواها محمد بن يحيى الذهلي في كتابه " علل أحاديث الزهري " : عن روح بن عبادة ومحمد بن بكر عنهما .

ومتابعة الثالث ، رواها ( مسلم ) عن إسحاق بن إبراهيم وأبي حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، عن معمر به .

[ ص: 67 ] ثم ساق البخاري من حديث يونس ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير وعمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" تقطع يد السارق في ربع دينار " .

وفي حديث محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" يقطع في ربع دينار " .

ومن حديث عبدة عن هشام ، عن أبيه ، عنها أن يد السارق لم تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ثمن مجن : حجفة أو ترس .

ومن حديث حميد بن عبد الرحمن ، عن هشام ، به : لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن . ( رواه وكيع وابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا ) .

ومن حديث أبي أسامة ، عن هشام ، به : لم تكن تقطع يد السارق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن المجن : ترس أو حجفة ، وكل واحد منهما ذو ثمن .

رواه وكيع وابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا .

ومن حديث مالك ، عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

ومن حديث جويرية عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

[ ص: 68 ] ومن حديث عبيد الله ، حدثني نافع ، عن عبد الله قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

ومن حديث موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد سارق في مجن ثمنه ثلاثة دراهم . تابعه محمد بن إسحاق ، وقال الليث : حدثني نافع : قيمته .

ومن حديث الأعمش : سمعت أبا صالح : ( سمعت أبا هريرة ) قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لعن السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " .

( الشرح ) : أما رواية وكيع فأخرجها عبد الرزاق في " مصنفه " عنه ، فيما ذكره الطبراني في " أوسطه " .

وللنسائي : أخبرنا ( هارون بن سعيد ) ، ثنا خالد بن نزار ، أخبرني القاسم بن مبرور عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عنها أنه - عليه السلام - قال :" لا تقطع إلا في - يعني : ثمن المجن - ثلث دينار أو نصف دينار فصاعدا " ووافقه ابن عيينة وابن المبارك ويحيى بن سعيد وعبد ربه وزريق صاحب أيلة .

[ ص: 69 ] وفي حديث عروة عنها : ثمنه أربعة دراهم . ولابن أبي شيبة بإسناد عنها أن السارق لم يقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن .

قال ابن حزم : هو حديث صحيح تقوم به الحجة وهو مسند ، وهو رد لقول من قال : إن ثمن المجن الذي قطع فيه إنما هو مجن واحد بعينه معروف ، وهو الذي سرق فقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، فإن عائشة - رضي الله عنها - روت أن المراعى في ذلك ثمن حجفة أو ترس ، وكلاهما ذو ثمن ، ولم يحقق ترسا من حجفة .

وأما رواية الليث فأخرجها مسلم ، عن قتيبة وابن رمح عنه ، ولما أخرجها الترمذي عن قتيبة صححها .

ولأبي داود من حديث إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن عبد الله ، أنه - عليه السلام - قطع يد رجل سرق ترسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم .

وللنسائي من حديث أيوب ، وإسماعيل بن أمية ، وموسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع : قيمته .

وقال ابن حزم : لم يروه عن ابن عمر أحد إلا نافع .

وفي رواية حنظلة ، عن نافع عنه : قيمته خمسة دراهم .

[ ص: 70 ] وفي " الاستذكار " لابن عبد البر : حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة ، ولو خالفه كان الرجوع إلى حديث عائشة ؛ لأنها حكته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وابن عمر إنما أخبر أن قيمته كانت ثلاثة دراهم ولم يذكره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ولابن أبي شيبة من حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا :" لا قطع في تمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " .

وأخرجه أصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي .

وللدارقطني :" وثمن المجن دينار " .

ولابن ماجه من حديث أبي واقد عن عمار بن سعد ، عن أبيه أنه - عليه السلام - قال :" يقطع السارق في ثمن المجن " .

قال ابن حزم : وجاء حديث لم يصح ؛ لأن راويه أبو حرملة ، ولا يدرى من هو : أن جارية سرقت ركوة لم تبلغ ثلاثة دراهم ، فلم يقطعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : وأما القطع في ربع دينار فلم يرو إلا عن عائشة ، وروي عنها على ثلاثة أضرب : لا قطع إلا في ربع دينار ، ثانيها : قطع في ربع دينار ، وقال :" القطع في ربع دينار " . ثالثها : لم يقطع في أقل من ثمن المجن .

[ ص: 71 ] ولم يرو هذه الألفاظ باختلافها عنها إلا القاسم وعروة وعمرة وامرأة عكرمة ، ولم تسم لنا .

فأما القاسم فأوقفه ، وأنكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه وخطأه .

وأما الأول فلم يروه أحد نعلمه إلا يونس عن الزهري ، عن عروة وعمرة مسندا وأبو بكر بن حزم ، عن عمرة مسندا .

وأما الذين رووا القطع في ثمن المجن دون تحديد فهشام عن أبيه ، وامرأة عكرمة ، عن عائشة .

وللدارقطني من حديث أنس أنه - عليه السلام - قطع في شيء قيمته خمسة دارهم .

قال أبو هلال الراسبي راويه عن قتادة : إن ابن أبي عروبة يقول : عن أنس ، عن أبي بكر الصديق . قال : فلقيت هشاما فذكرت ذلك له ، فقال : هو عن قتادة ، عن أنس أن رجلا سرق مجنا فإن لم يكن عن أنس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عن رسول الله ، وعن أبي بكر . ثم أخرجه من حديث شعبة عن قتادة ، عن أنس أن رجلا سرق مجنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم خمسة دراهم فقطعه .

( فصل ) :

قال الطحاوي : إنما أخبرت عائشة بما قطع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون ذلك ؛ لأنها قومت ما قطع فيه ، فكانت قيمته عندها

[ ص: 72 ] ربع دينار ، فجعلت ذلك مقدار ما كان - عليه السلام - يقطع فيه ، وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار .

واعترض البيهقي فقال : لو كان أهل الحديث على هذا اللفظ لعائشة عند أهل العلم بحالها كانت أعلم بالله ، وأفقه في دينه ، وأخوف من الله في أن تقطع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فيما لم تحط به علما ، أو تطلق مثل هذا التقدير فيما تقومه بالظن والتخمين ، ومن الجائز أن يكون ( عند غيرها ) أكثر قيمة منه ، ثم تفتي بذلك المسلمين ، نحن لا نظن بعائشة مثل هذا لما تقرر عندنا من إتقانها في الرواية ، وحفظها للسنة ، ومعرفتها بالشريعة .

هذا وحديث ابن عيينة الذي رواه الشافعي عن الزهري ، عن ( عروة ) ، عنها أنه - عليه السلام - قال :" القطع في ربع دينار فصاعدا " لم يخرجه في الصحيح ، وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الرواة في لفظه .

ثم ذكر حديث ابن وهب عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة وعمرة أنه - عليه السلام - قال :" تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " .

قال : ولا فرق بين اللفظين في المعنى ، قال : فرجع هذا الشيخ إلى ترجيح رواية ابن عيينة ، وقال : يونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابن عيينة ، فكيف تحتجون بما روى يونس وتدعون ما رواه سفيان ؟ وكان ينبغي لهذا الشيخ أن ينظر في تواريخ أهل العلم بالحديث ، ويبصر مدارج الرواة

[ ص: 73 ] ومنازلهم في ( الرواية ) ، ثم يدعي عليهم ما رأى من مذهبهم ويلزمهم ما وقف عليه من أقاويلهم ، لو قال : ابن عيينة لا يقارب يونس بن يزيد في الزهري كان أقرب إلى أقاويل أهل العلم بالحديث من أن يرجح رواية ابن عيينة على رواية يونس . قلت : لكن ذكر يحيى بن سعيد أن ابن عيينة أحب إليه في الزهري من معمر ، ومعمر معدود عند يحيى في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري .

وقال محمد بن وضاح : كان سفيان أحفظ من كل من يطلب عن الزهري في أيام سفيان ، وقال ابن مهدي : كان أعلم الناس بحديث الحجاز .

قلت : وابن شهاب حجازي أيضا . وقال أبو حاتم الرازي : أثبت أصحاب الزهري مالك وابن عيينة ، وذكر أبو جعفر البغدادي : أنه سأل أحمد بن حنبل ، من كان من الحفاظ من أصحاب الزهري ؟ فقال : مالك وسفيان ومعمر قلت : فإنهم اعتلوا ، فقالوا : إن سفيان سمع من الزهري وهو ابن أربع عشرة سنة .

قلت : هو عندنا ثقة ضابط لسماعه .

وقال ابن المديني : ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة ، وقال ابن المبارك : الحفاظ عن الزهري ثلاثة : مالك ومعمر وسفيان .

[ ص: 74 ] وقال يعقوب بن شيبة : أثبت الناس في الزهري ابن عيينة وزياد بن سعد ومالك ومعمر . وقال وكيع بن الجراح : ذاكرت يونس بن يزيد بأحاديث الزهري المعروفة ، وجهدت أن يقيم لي حديثا فما أقامه ، ولم يكن يحفظ وكان سيئ الحفظ .

وقال أحمد : لم يكن يعرف الحديث .

فصل :

قال البيهقي : والعجب أن هذا الشيخ أوهم من نظر في كتابه أنه لم يرو هذا الحديث عن الزهري غير ابن عيينة ويونس ، ثم رواه في آخر الباب من حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري ، وكذا رواه سليمان بن كثير ، فهؤلاء جماعة من ( حفاظ ) أصحاب الزهري وثقاتهم قد أجمعوا على رواية هذا الحديث منقولا من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما رواه يونس ، إنما تدل روايتهم على أن أهل الحديث ما رووه دون ما رواه ابن عيينة ، وإن كان يجوز أن يكونا محفوظين بأن يقطع

في ربع دينار ، ( ويقول القطع في ربع دينار فصاعدا ) .

وروى ابن عيينة مرة الفعل دون القول ومرة عكسه ، وروى هؤلاء القول دون الفعل ؛ لأنه أبلغ في البيان ، هذا وقد رواه سليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن عمرة مثل رواية الجماعة .

قال : وأما حديث مخرمة بن بكير ، عن أبيه فإن هذا الشيخ علله بأنه لم يسمع من أبيه شيئا ، واحتج بما حكي من إنكاره سماع كتب أبيه ، وقد حكى إسماعيل عن مالك قال : قلت لمخرمة : إن الناس يقولون : إنك لم

[ ص: 75 ] تسمع هذه الأحاديث التي تروي عن أبيك من أبيك فقال : ورب صاحب هذا القبر والمنبر لقد سمعتها من أبي ، قال ذلك ثلاثا .

قال البيهقي : وروينا عن ( معن ) بن عيسى أنه قال : مخرمة سمع من أبيه ، وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار ، واعتمده مالك فيما أرسل في " الموطأ " عن أبيه بكير ، وإنما أخذه عن مخرمة ، وخرج له مسلم أحاديث في " الصحيح " عن أبيه ، فيحتمل أن يكون مراده من حكى عنه من ( إنكاره ) سماع البعض دون الكل ، ثم هب أن الأمر على ما حكي عنه من الإنكار أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح سليمان بن يسار ، فإذا فيها تلك الأحاديث ؟ أفما يدلنا ما وجد في كتاب أبيه من حديث القطع على متابعة سليمان بن يسار ، عن عمرة أكبر أصحاب الزهري في لفظ الحديث ؟ والله أعلم .

فصل :

قال البيهقي : وعلل هذا الشيخ حديث أبي بكر بن حزم بما رواه ابنه عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق بن حكيم ، هذا الحديث عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ( مرفوعا ) ، وأخذ في كلام يوهم من نظر في كتابه أن هذا الشيخ أبا بكر بن حزم تفرد بهذا الحديث ، وأن الذين خالفوه أكثر عددا وأشد إتقانا وحفظا ، ولم يعلم حال أبي بكر في علمه بالقضاء والسنن ، وشدة اجتهاده في العبادة ، وأن عمر بن عبد العزيز اعتمده في القضاء بين المسلمين بالمدينة ،

[ ص: 76 ] واعتمده أيضا في كتب حديث عمرة إليه ، أفلا يعتمده فيما روي عن عمرة ، وقد تابعه غيره - وهو أحفظ الناس في دهره - ابن شهاب وغيره .

فأما ما روي في ذلك عن يحيى بن سعيد وغيره ، كما رويناه عن يعقوب بن سفيان قال : قال أبو بكر الحميدي في حديث :" يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا " : قيل لسفيان : إن الزهري رفعه دون غيره .

وقال سفيان : ثناه يحيى وعبد ربه ابنا سعيد وعبد الله بن أبي بكر وزريق بن حكيم عن عمرة ، عن عائشة أنها قالت :" القطع في ربع دينار فصاعدا " والزهري أحفظهم كلهم .

قال البيهقي : ففي هذا الحديث تبين أن الزهري رفعه قولا منه ، كما حكاه أبو بكر الحميدي ، وهذا خلاف ما اعتمده هذا الشيخ من رواية سفيان ، وتبين أن الزهري أحفظهم ، وأخبرهم أن يحيى بن سعيد أشار إلى الرفع ، وكذلك رواه مالك ، عن يحيى ، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن يحيى بن ( مرة ) فقال : أنبأنا يحيى عن عمرة ، عن عائشة مرفوعا :" القطع في ربع دينار فصاعدا " ولا أدري عمن أخذه عن يحيى ؟ وأسنده أيضا أبان بن يزيد وبدل بن المحبر عن شعبة ، عن يحيى . وكانت عائشة تفتي بذلك وترويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهؤلاء الرواة كانوا يقتصرون في الرواية مرة على فتواها ومرة على روايتها ؛ لقيام الحجة بكل واحدة منهما .

وأما حديث عبد الله بن أبي بكر - يعني : الذي أشار إليه الشيخ - فإنه روى عن عمرة قصة المولاتين اللتين خرجتا مع أم المؤمنين عائشة والعبد

[ ص: 77 ] الذي سرق منهما ، وأنها أمرت فقطعت يده ، وقالت :" القطع في ربع دينار فصاعدا " ، فعائشة كانت تقضي بذلك وتفتي به طول عمرها ، وترويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرة ، وكانت عمرة تروي مرة فتواها ، ومرة روايتها على عادة الرواة ونقلة الأخبار ، فلا يعلل حديث الحفاظ الثقات بمثل هذا .

وقد رويناه من حديث يونس عن الزهري ، عن ( عروة ) وعمرة عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروي عن أبي عمر الحوضي ، عن همام ، عن قتادة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رفعته :" السارق يقطع في ربع دينار " . وتابعه على رفعه عن همام عبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق بن إدريس ، وهدبة بن خالد في بعض الروايات عنه .

وروي موقوفا ، وهذا لا يخالف رواية هشام عن أبيه عنهما أنها قالت : لم يقطع سارق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس ، وكلاهما ذو ثمن . فهشام إنما رواه في رجل سرق قدحا فأمر عمر بن عبد العزيز ، قال هشام : فقلت قال أبي : إنه لا تقطع اليد في الشيء التافه ، وقال : أخبرتني عائشة - رضي الله عنها - أنه لم تكن تقطع اليد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن مجن حجفة أو ترس .

وقيمة المجن غير مذكورة في هذه الروايات ، وقد ذكرتها عمرة عن عائشة في رواية ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عمرة قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟

[ ص: 78 ] قالت : ربع دينار ، وبينها أيضا ابن عمر - رضي الله عنهما - كما سلف ، رواه نافع عنه ، ورواه جماعة عن نافع .

وقال الشافعي : حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة ؛ لأنه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ربع دينار ، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر درهما بدينار ، وكان كذلك بعده ، وفرض عمر - رضي الله عنه - الدية اثني عشر ألف درهم .

أنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرة أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان - رضي الله عنه - ، فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده . قال : وهي الأترجة التي يأكلها الناس .

وفي " شرح الموطأ " لعبد الملك بن حبيب السلمي : قال غيره : كانت من ذهب قال عبد الملك : والقول عندنا ما قاله مالك .

قال الشافعي : وحديث عثمان يدل على ما وصفنا من الدراهم كانت اثني عشر بدينار .

قال : ويدل حديث عثمان أيضا على أن اليد تقطع أيضا في التمر الرطب ، صلح لأن ييبس أم لم يصلح ؛ لأن الأترج لا ييبس .

حدثنا ابن عيينة ، عن حميد الطويل ، سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع ، فقال : حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم ، وثنا غير واحد عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - قال : القطع في ربع دينار فصاعدا .

[ ص: 79 ] قال البيهقي : ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ( عليا ) قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمن ربع دينار .

فصل :

قال : وهذا الشيخ الذي تكلم في الأخبار التي احتججنا بها بالطعن فيها ، الآن انظر بأي شيء احتج ، روى في مقابلة حديث مالك وعبيد بن عمر وأيوب السختياني وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان وأيوب بن موسى وأسامة بن زيد والليث عن نافع ، عن مولاه مرفوعا قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . وفي رواية الليث : قوم ثلاثة دراهم .

وحديث محمد بن إسحاق بن يسار عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس : كانت قيمة المجن الذي قطع به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

وحديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مثله ، وحديث مجاهد وعطاء عن ابن الحبشي مرفوعا " أدنى ما قطع فيه السارق ثمن المجن " . وكان يقوم يومئذ دينارا ، وقيل : عن أيمن بن أم أيمن ، عن أم أيمن ومن اتصف إلى أدنى معرفة بالأخبار ، علم أن لمثل هذه الأخبار لا يترك حديث عبد الله بن عمر ولا حديث عائشة .

وحديث أبي بكر بن حزم وعمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن رواته عن أبي بكر يزيد بن الهاد ومحمد بن إسحاق ، فابن الهاد أجمع الحفاظ على توثيقه والاحتجاج بروايته ، ومحمد بن إسحاق قد يحتج به فيما لا يخالف فيه أهل الحفظ ، وهو

[ ص: 80 ] في تلك الرواية لم يخالف أحدا ، فحقيق له أن لا يحتج بروايته هذه ، وقد خالفه فيها من هو أحفظ منه الحكم بن عتيبة ، فإنه إنما رواه عن عطاء ومجاهد ، عن أيمن هذا .

وفي رواية أبي داود في " سننه " عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، واللفظ له عن عبد الله بن نمير ، عن ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم . وهذه كناية عن سرقة بعينها ، وهي لا تخالف في المعنى ما نعني ، ومن يرد في هذه المسألة روايته عن محمد بن ( شبرمة ) ، عن عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن العلاء بن الأسود وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن خنيس - أو قال : ابن حبيش - أنهم تنازعوا في القطع فدخلوا على عائشة يسألونها فقالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " فإنه لا يعلم لجعفر بن ربيعة ، عن أبي سلمة سماعا ، فلا ينبغي له أن يحتج برواية أيمن الحبشي ، وروايته عن رسول الله منقطعة ، ولا برواية القاسم بن عبد الرحمن ، عن ابن مسعود أنه قال : لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ، لانقطاعها .

ثم ساق من طريق البخاري أنه قال : قال لنا أبو صالح حدثني يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن ( ابن جارية ) وأبي سلمة وعبد الملك بن المغيرة وكثير بن خنيس - أو قال : ابن حبيش - وكان

[ ص: 81 ] غير مقيد ، والحفاظ ( يختلفون ) فيه الحديث .

وقال البخاري : قال ابن أبي مريم : ثنا يحيى بن أيوب ، ثنا جعفر بن ربيعة أن الأسود بن العلاء ( بن الجارية ) ، حدثه أنه سمع عمرة تحدث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال البخاري : وقال ( ابن ) إسماعيل : أنا علي بن المبارك ، أنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن عمرة حدثته أن عائشة حدثتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله . قال : وقال الأويسي : ثنا ابن أبي الرجال ، عن أبيه ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوه . قال : وقال أصبغ : أخبرني ابن وهب ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن سليمان بن يسار ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . هكذا وجدنا هذا الحديث في " تاريخ البخاري " في ترجمة كثير بن حبيش ، إلا أنه قال في ذكر كثير : سمع عمرة بنت عبد الرحمن ، روى عنه الأسود بن العلاء ، أو العلاء بن الأسود ، ثم أردفه بأحاديث جماعة ممن رواه عن عمرة ، فيشبه أن يكون الحديث عن جعفر بن ربيعة ، عن الأسود ، عن أبي سلمة

وصاحبيه أنهم تنازعوا فدخلوا على عمرة ، ثم عمرة حدثت عن عائشة - رضي الله عنها - ، وعائشة حدثت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحتمل أن يكون الأسود معهم حين دخلوا على عمرة .

[ ص: 82 ] وفي رواية ابن أبي مريم دلالة على ذلك ، وقد أثبت البخاري في " التاريخ " سماعه من أبي سلمة وعمرة ، وقال : قاله جعفر بن ربيعة .

وسماع جعفر من الأسود غير مدفوع مع أنه قد سمع من عبد الرحمن الأعرج ، فليس من البعيد سماعه من أبي سلمة والمذكورين معه .

وقد روى الأسود ، عن أبي سلمة غير هذا الحديث ، فليس فيما رد به هذا الشيخ حديث أبي سلمة ما يوجب الرد ، وقد أغنى الله جل وعز برواية الجماعة ، عن عمرة ، عن عائشة ، ورواية الجماعة عن نافع ، عن مولاه ، عن رواية جعفر بن ( ربيعة ) ، وإن كان فيها زيادة بظاهر .

والذي نستدل به على انقطاع حديث أيمن - ثم ساقه بإسناده - عن أيمن مولى ابن الزبير ، عن تبيع ، عن كعب قال : من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء . . الحديث .

كذا قال مولى ابن الزبير . وقد قيل : هو مولى ابن أبي عمرة . يروي عن عائشة ، وليس له عمن فوقها رواية .

قلت : له رواية عن سعد بن أبي وقاص كما في " التهذيب " .

وقد استدل الشافعي بهذه الرواية على انقطاع حديثه في ثمن المجن .

قال البيهقي : وأما روايته ، عن أيمن بن أم أيمن فإنها خطأ ، وإنما قاله شريك بن عبد الله ، وخلط في إسناده ، وشريك ممن لا يحتج به فيما خالف فيه أهل الحفظ والثقة لما ظهر من سوء حفظه .

[ ص: 83 ] فصل :

في مناظرة حسنة وقعت بين الإمام الشافعي مع من خالفه فلنذكرها :

قال الشافعي : قلت لبعض الناس هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع اليد في ربع دينار . ذكرت فيه حديث " لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا " وما حجتك في ذلك ؟

قال : قد روينا عن شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أيمن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبيها بقولنا .

قلت : أتعرف أيمن ؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث عن تبيع ابن امرأة كعب ، عن كعب ، فهذا منقطع ، والحديث المنقطع لا يكون حجة .

قال : وقد روى شريك عن منصور ، عن مجاهد ، عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه .

قلت : لا علم لك بأصحابنا ، أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبل مولد مجاهد ، ولم يبق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحدث عنه .

قال : فقد روي عن عمرو بن شعيب ، عن عبد الله بن عمرو أنه - عليه السلام - قطع في ثمن المجن . قال ( ابن ) عمرو : وكانت قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا .

قلت له : هذا رأي من عبد الله بن عمرو ، والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة ودرهمين ، فإذا قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار قطع في أكثر منه ، وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته ، وتقول : غلط . فكيف ترد روايته مرة ، ثم تحتج به على أهل الحفظ

[ ص: 84 ] والصدق ، مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا ؟ قال : فقد روينا قولنا عن علي - رضي الله عنه - . قلت : رواه الزعافري ، عن الشعبي ، عن علي ، وقد أنبأنا أصحاب جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عليا قال : القطع في ربع دينار فصاعدا ، وحديث جعفر ، عن علي أولى أن يثبت من حديث الزعافري .

قلت : وإن كان قال ابن عدي في داود بن يزيد الزعافري عم عبد الله بن إدريس : لم أر له حديثا منكرا .

وقال العجلي : لا بأس به ، وذكره ابن شاهين في " ثقاته " ، وخرج له في " مستدركه " .

وقد اختلف في سماع الشعبي من علي أيضا .

قال : فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم .

قلنا : قد روى الثوري ، عن عيسى بن أبي عزة ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في خمسة دراهم [ وهذا أقرب ] أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث المسعودي ، عن القاسم ، عن عبد الله ، قال : فكيف لم تأخذوا بهذا ؟

قلنا : هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاثة دراهم قطع في خمسة وأكثر .

[ ص: 85 ] قال : فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لم يقطع في ثمانية .

قلت : روايته عن عمر - رضي الله عنه - غير صحيحة ، فقد روى معمر عن عطاء الخراساني عن عمر القطع في ربع دينار ، فلم ير أن يحتج به ؛ لأنه ليس بثابت وليس لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة ، وعلى المسلمين اتباع أمره ، فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ، ولا إلى ما يذهب إليه من ترك الحديث وإعمال ظاهر القرآن العزيز ذهب .

قال البيهقي : الحديث عن عمر إنما رواه القاسم بن عبد الرحمن ، وهو منقطع .

وقد روي عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر . وقيل : عن سليمان بن يسار ، عن عمر - رضي الله عنه - قال : لا تقطع الخمس إلا في الخمس . وقيل : عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا في خمسة .

وقال الشافعي : فيما بلغه عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عيسى بن أبي عزة ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود أنه - عليه السلام - قطع سارقا في قيمة خمسة دراهم .

قلت : وفي كتاب أبي الشيخ من حديث بكر بن محمد ، عن رزق الله بن الأسود الواسطي ، ثنا ثابت ، عن أنس أنه - عليه السلام - قال :" يقطع السارق في المجن وقيمته خمسة دراهم " .

قال الشافعي : ونحن نأخذ بهذا ، إلا أنا نقطع في ربع دينار ، خمسة دراهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ربع دينار ، وهم يخالفون هذا ويقولون : لا نقطع في أقل من عشرة دراهم .

قال : وكذلك رواه أبو خيثمة ، عن ابن مهدي .

[ ص: 86 ] قلت : وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن وكيع ، عن حمزة الزيات ، عن الحكم ، عن أبي جعفر قال : قيمة المجن دينار الذي تقطع فيه اليد .

وفي " الاستذكار " عن جعفر ، عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - قطع في ربع دينار درهمين ونصف . ولا يقال : اضطربت الآثار عنه ؛ لجواز أن يكون نقص قيمة ربع دينار إلى ذلك .

وروي أيضا عن علي - رضي الله عنه - أنه قطع في بيضة حديد ، ثمنها ربع دينار .

فصل :

لما ذكر ابن أبي حاتم حديث أيمن السالف في " علله " قال : قال أبي : هذا مرسل ، وأرى أنه والد عبد الواحد بن أيمن ، وليست له صحبة .

وأما قول من قال : أيمن بن أم أيمن ، عن أم أيمن فخطأ من وجهين :

أحدهما : أن أصحاب شريك لا يقولون عن أم أيمن ، إنما قالوا عن أيمن بن أم أيمن .

ثانيهما : أن الثقات يروون عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد وعطاء ، عن أيمن وابن أم أيمن لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 87 ] وفيه مخالف لما سلف أنه توفي بحنين ، ورواه أبو الشيخ من حديث عطاء ، عن مجاهد ، عن أم أيمن ، ومن حديث شريك عن منصور ، عن عطاء ، عن أم أيمن ، ومن حديث شريك ، عنهما مرفوعا .

فصل :

رويت آثار مختلفة أيضا ، روى ابن أبي شيبة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن أبي سعيد أنهما قالا : لا تقطع اليد إلا في أربعة الدراهم فصاعدا .

وقطع ابن الزبير في نعلين وقال ابن معمر : كانوا يتسارقون السياط ، فقال عثمان : لئن عدتم لأقطعن فيه ، وكان عروة بن الزبير والزهري وسليمان بن يسار يقولون : ثمن المجن خمسة دراهم ، رواه عن الثقفي ، عن المثنى ، عن عمرو بن شعيب عنهم .

فصل :

رجح بعض الحفاظ حديث عائشة بأنه لم يختلف عنها ، واعترض بعض شيوخنا بأن في كتاب " القطع " لابن حبان من حديث إسحاق القروي ، ثنا عبد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عنها مرفوعا :" القطع فيما زاد على ربع دينار " ورواه أيضا من حديث عروة عنها .

وقال عروة : وقيمة المجن أربعة دراهم ، وفي رواية عنها : وكان المجن يومئذ له ثمن ، وهذا الاعتراض غلط ؛ لأنا نقول : القطع في ربع دينار فما زاد ، كما سلف إيضاحه من كلام الشافعي .

[ ص: 88 ] فصل :

قال ابن حزم : أما حديث العشرة دراهم أو الدينار فليس فيه شيء أصلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والموصول منه من قول عبد الله بن عمرو ، ولا يصح عنه أيضا ، ومن قول عبد الله بن عباس وابن المسيب وأيمن كذلك وهو عنهم صحيح ، إلا حديثا موضوعا مكذوبا لا ندري من رواه من طريق ابن مسعود مسندا " لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم " . وليس فيه مع علته ذكر القيمة أصلا .

قلت : وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا ، من طريق ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : كان المجن يقوم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة الدراهم . وفي لفظ : كان ثمن المجن يقوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخرجه أبو الشيخ بلفظ : كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

وأخرجه مرة بإسقاط أيوب بن موسى ، وقال ابن إسحاق فيه : ثنا عطاء ، عن ابن عباس ، وحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قالا : كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

وأخرجه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تقطع اليد إلا في عشرة الدراهم " وفي لفظ :" في أقل من عشرة الدراهم " ، وفي لفظ :" لا تقطع يد السارق في أقل من ثمن المجن " وكان ثمنه عشرة الدراهم .

[ ص: 89 ] وحدث ابن مسعود - رضي الله عنه - أخرجه الدارقطني من حديث محمد بن الحسن وأبي مطيع ، عن أبي حنيفة ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : لا يقطع السارق في أقل من عشرة الدراهم . قال : وأرسله المسعودي ، عن القاسم بن معن ، فقال : عن عبد الله . وقال الشعبي : عن ابن مسعود : أنه - عليه السلام - قطع في خمسة دراهم .

وفي كتاب ابن حبان من حديث ابن أبي زائدة ، ثنا القاسم بن معن ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا زحر بن ربيعة أن ابن مسعود حدثه ، فذكره بلفظ القطع في دينار أو عشرة دراهم .

فصل :

أغرب ابن شاهين ؛ حيث قال : يمكن أن حديث القطع في ثلاثة دراهم يشبه أن يكون منسوخا بحديث العشرة . وهو من أعاجيبه .

( فصل ) :

إذا تقرر ما ذكرناه من الفوائد الحديثية التي يرحل إليها ، فلنشرع في ذكر مذاهب العلماء فيما نقطع به ، ولا شك أن آية السرقة محكمة في وجوب قطع السارق ، ومجملة في مقدار ما يجب فيه القطع ، فلو تركنا مع ظاهرها لوجب القطع في قليل الأشياء وكثيرها ، لكن بين لنا رسوله - عليه أفضل الصلاة والسلام - مقدار ما يجب فيه القطع بما أسلفناه من الأحاديث بقطع اليد في ربع دينار فصاعدا وغيره بما سلف ، ففهمنا بهذا الحديث وغيره أن الرب - جل جلاله - إنما أراد

[ ص: 90 ] بقوله : فاقطعوا بعض السراق دون بعض ، فلا يجوز قطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ، أو فيما قيمته ربع دينار بما يجوز ملكه إذا سرق من حرز ، روي هذا القول عن عمر وعثمان وعلي وعائشة - رضي الله عنهم - ، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور .

وذهب الثوري والكوفيون إلى أنه : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم ، وقالوا : من سرق مثقالا لا يساوي عشرة دراهم لا قطع عليه ، وكذلك من سرق عشرة دراهم فضة لا تساوي عشرة مضروبة لم تقطع .

وكذا ذكر أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه " اختلاف العلماء " أن الثوري وأهل الرأي قالوا ذلك ، ولا يقطع حتى يخرج المتاع من ملك الرجل ، [ و ] إذا سرق العبد من سيده ، فلا قطع عليه .

وقال أحمد : إذا سرق من الذهب ربع دينار قطعته ، وإذا سرق من الفضة ثلاثة دراهم ( فصاعدا ) قطعت يده ، وإذا سرق عروضا ، فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطعت يده . وعبارة غيره ذهب مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه : أن نصابها ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، ( أو قيمة ثلاثة دراهم ) من العروض . والتقويم بالدراهم خاصة ، والأثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض .

وعن أحمد رواية ثانية : نصابها ثلاثة دراهم ، أو قيمة ذلك من الذهب والعروض ، والأصل في هذه الرواية نوع واحد الفضة .

[ ص: 91 ] وعنه ثالثة : أن النصاب ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، أو قيمة أحدهما من العروض ، ولا يختص التقويم بالدراهم ، فعلى هذه الرواية الذهب والفضة أصلان ، ويقع التقويم بكل واحد منهما ، وفيه قول ثالث قاله ابن شبرمة وابن أبي ليلى : تقطع في خمسة دراهم فصاعدا ، ذهبا إلى حديث الشعبي ، عن ابن مسعود ، ولا يصح .

وحكي أيضا عن مالك واستغربه ابن التين قال : وذكر ذلك عن النخعي قال : وذكر عنه أيضا أربعون درهما ، قال : وعن ابن الزبير أنه قطع في نصف درهم . وعن زياد في درهمين ، وعن أبي سعيد في أربعة .

( وفيه ) قول رابع : أنه يقطع في كل ما له قيمة ، قل أو كثر .

وخامس : الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة ، قلت أو كثرت .

وسادس : لا قطع إلا في درهمين ، أو ما يساويهما .

وسابع : الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة ثلاثة دراهم ، وإن ساوى ربع دينار أو نصفه أو أكثر ، أو لم يساو لرخص الذهب ثلاثة دراهم لا قطع فيه .

وثامن : الذهب ربع دينار ، وغيره كل ما يساوي ربعه ، فإن ساوى عشرة [ دراهم ] أو أقل أو أكثر ولم يساو ربع دينار لغلاء الذهب ، أو يساوي ربع دينار ، أو لم يساو نصف درهم لرخص الذهب قطع .

وتاسع : الذهب ربع دينار ، وغيره إن ساوى ربع دينار ، أو لم يساو ثلاثة دراهم أو عكسه قطع ، وإن لم يساو ربع دينار ولا ثلاثة دراهم فلا قطع فيه .

[ ص: 92 ] وعاشر : أنه لا قطع إلا في أربعة دراهم أو ما يساويها فصاعدا .

وحادي عشر : أنه لا قطع إلا في خمسة دراهم أو ما يساويها فصاعدا .

وثاني عشر : لا قطع إلا في ربع دينار أو عشرة دراهم أو ما يساويهما .

وثالث عشر : لا قطع إلا في ربع دينار ذهب ، أو ما يساويه .

حكى هذه المذاهب ( التسعة ) ابن حزم ، كل واحد عن طائفة .

وحكى ابن عبد البر في " استذكاره " ، عن عثمان البتي : يقطع في في درهم . وفي رواية منصور ، عن الحسن أنه كان لا يؤقت في السرقة شيئا ، ويتلو : والسارق والسارقة [ المائدة : 38 ] وفي رواية قتادة عنه أجمع على درهمين .

وقالت الخوارج وطائفة من أهل الكلام : كل سارق بالغ سرق ما له قيمة قلت أو كثرت فعليه القطع .

وفي " الموازية " على مذهب مالك : تقطع في كل ، في الماء إذا أحرز لوضوء أو شرب أو غيره ، وكذلك الحطب والورد والياسمين والرمان إذا أخذ من حرز وكان قيمته ثلاثة دراهم .

وفي " المنتقى " للباجي : من سرق لحم أضحية أو جلدها قطع ، قاله أشهب . وقال أصبغ : إن سرقت قبل الذبح ، وإن كان بعده فلا .

احتج الكوفيون بما سلف .

[ ص: 93 ] ومنها حديث ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : كان قيمة المجن الذي قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه عشرة دراهم . وعليه اقتصر ابن بطال .

والحجة على الكوفيين أنه يحتمل أن يكون القطع في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجنين مختلفين أحدهما : قيمته ثلاثة دراهم ، والثاني : عشرة ؛ لأنه إذا صح القطع بنقل ، فنقل الثقات في ثلاثة دراهم دخل فيه عشرة دراهم .

وهذا أولى من حمل الأخبار على التضاد ، ومع ( الأئمة ) الأربعة الراشدين عائشة وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن الزبير .

واختلف مالك والشافعي في تقويم الأشياء المسروقة ، فقال مالك : تقوم بالدراهم على حديث ابن عمر أن المجن كان ثمنه ثلاث دراهم ، ولا ترد الفضة إلى الذهب في القيمة ولا عكسه ، فمن سرق عبده ربع دينار فعليه القطع ، ومن سرق عبده ثلاثة دراهم فعليه القطع ، ولو سرق عبده درهمين صرفهما ربع دينار لم يجب عليه القطع ، ولو سرق ربع دينار لا تبلغ قيمته ثلاثة دراهم قطع .

وذهب الشافعي إلى أن تقويم الأشياء الذهب ، على حديث عائشة في ربع دينار ، ولا يقوم شيئا بالدراهم فيقطع في ربع دينار ، ولا يقطع في ثلاثة دراهم ، إلا أن يكون قيمتها ربع دينار ، قال : لأن الثلاثة الدراهم إنما ذكرت في الحديث ؛ لأنها كانت يومئذ ربع دينار ذهبا ، فيقال له :

[ ص: 94 ] الذهب والورق أصلان كالدية التي جعلت ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم . وكالزكاة التي جعلت في مائتي درهم عشرين دينارا ، لا يرد أحدهما إلى الآخر ، فكذلك لا ينبغي أن يقوم الذهب بالدنانير ولا عكسه ؛ لأنهما قيم المتلفات وأثمان الأشياء ، بل الغالب قيمة الدراهم ، ومحال أن يحكي ابن عمر - رضي الله عنهما - أن المجن قيمته ثلاثة دراهم ، إلا وقد قوم بها دون الذهب ، وإذا ثبت أن المجن قوم بالدراهم ، ولم ينقل أن الدراهم بعد ذلك قومت بالذهب لم يجز تقويمها بالذهب ، كما لا يقوم الذهب بها ، ووجه استعمال الأحاديث يوجب القطع في ربع دينار ثلاثة دراهم .

قال ابن حزم بعد أن ذكر ما سلف : فنظرنا في ذلك ، فوجدنا البخاري روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :" لعن السارق في البيضة والحبل " .

وحديثه أيضا :" لا يسرق السارق وهو مؤمن " ، فعم الشارع كل سرقة ولم يخص عددا من عدد ، ولو أراد مقدارا من مقدار لبينه ، كما بينه في النهبة فقال :" ذات شرف " ، فلم يخص في السرقة ، فكانت هذه النصوص المتواترة المترادفة المتظاهرة موافقة لنص القرآن العزيز .

قال ابن عبد البر : قالوا إن حديث أبي هريرة في سرقة البيضة كان في حين نزول هذه الآية ، ثم أحكمت الأمور بعد ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما روته عائشة - رضي الله عنها - .

قال ابن حزم : ثم نظرنا فوجدنا في السنة حديث عائشة - رضي الله

[ ص: 95 ] عنها " تقطع اليد في ربع دينار " فخرج الذهب لهذا الأثر عن جملة الآية الكريمة ، وهو عموم النص الذي ذكرنا قبل ، فوجب الأخذ بكل ذلك ، وأن يستثنى الذهب من بين سائر الأشياء ، ولا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة ؛ لأن حنظلة بن أبي سفيان روى عنه النسائي ، عن طاوس ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا " الوزن وزن أهل مكة " ، ووجدنا عن عائشة - رضي الله عنها - أن يد السارق ( لم تكن تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه ) ، ولم تكن تقطع في أدنى من ثمن حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن ، قال : وهو حديث مسند صحيح ، وفيه أحكام ثلاثة : أن القطع إنما يجب في سرقة ما سوى الذهب فيما يساوي ثمن حجفة أو ترس ، قل ذلك أو كثر دون تحديد ، وأما دون ذلك بما لا قيمة له أصلا وهو التافه لا قطع فيه أصلا ،

وبيان فساد قول من ادعى أن ثمن المجن الذي فيه القطع إنما هو في مجن معين معروف .

فصل :

في " الإشراف " : أجمعوا على وجوب قطع السارق والسارقة إذا جمع أوصافا منها : أن يكون المسروق يقطع في جنسه ونصاب السرقة ، وأن يكون السارق على أوصاف مخصوصة ، وأن تكون السرقة على صفة مخصوصة ، وأن يكون الموضع المسروق منه مخصوصا .

[ ص: 96 ] وأجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع ، واختلفوا في صفته ، هل يختلف باختلاف الأموال اعتبارا بما يعرف ؟ فقال أبو حنيفة : كلما كان حرز الشيء من الأموال كان حرزا لجميعها . وقال الباقون : هو مختلف باختلاف الأموال ، والعرف معتبر في ذلك .

وقال ابن حزم عن طائفة : لا قطع إلا فيما أخرج من حرزه ، وأما إن أخذ من غير حرزه ومضى به فلا قطع به ، وكذلك لو أخذ - وقد أخذه من حرز - فأدرك قبل أن يخرجه من الحرز يمضي به فلا قطع عليه ؛ لما روي عن عمرو بن شعيب أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لا قطع على سارق حتى يخرج المتاع ، وعن سليمان بن موسى أن عثمان قضى أنه لا قطع على سارق وإن كان قد جمع المتاع وأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج . وعن عمرو بن شعيب أن سارقا دخل خزانة المطلب بن أبي وداعة فوجده قد جمع المتاع ولم يخرجه ، فأتي به ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع ، فقال ابن عمر : ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت ، أرأيت لو رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده ؟ قال ابن الزبير : لا . قال : قد يكون نازعا تائبا ، أو تاركا للمتاع ومن حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن علي بن سليمان ، عن مكحول ، عن عثمان : لا تقطع يد السارق وإن وجد معه المتاع ما لم يخرج به من الدار .

[ ص: 97 ] ومن حديث الشهر بن نمير ، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي - رضي الله عنه - في الرجل يوجد في البيت وقد لقي معه المتاع قال : لا يقطع حتى يحمل المتاع ويخرج به عن الباب ، وقاله عامر والشعبي وعطاء وربيعة وعمر بن عبد العزيز .

قال ابن حزم ؛ وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن إبراهيم ، وقالت طائفة : عليه القطع سواء سرق من حرز أو غيره ، كما روينا من حديث عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : بلغ عائشة - رضي الله عنها - أنهم يقولون : إذا لم يخرج السارق المتاع لم يقطع . فقالت : لو لم أجد إلا سكينا لقطعته . وهو قول عبد الله بن الزبير .

وأنكر النخعي قول الشعبي - يعني السالف - وقاله ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن أبي بكر .

قال ابن حزم : وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا .

فصل :

واختلفوا في المختلس فكان علي لا يقطعه ، وكذا قاله زيد بن ثابت والشعبي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وإبراهيم وقتادة ، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن راهويه ، وقالت طائفة : عليه القطع منهم علي بن رباح وعطاء بن أبي رباح .

[ ص: 98 ] قال ابن حزم : فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك ، فنظرنا في قول من لم ير القطع إلا في أخذ من حرز ، فوجدناهم يذكرون حديث عمرو بن شعيب السالف " من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع " .

وفي رواية : سئل - عليه السلام - في كم تقطع اليد ؟ فقال :" لا تقطع اليد في ثمر معلق ، فإذا ضمه الجرين قطع في ثمن المجن " .

ومن حديث النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا من مزينة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل ؟ قال :" هي ومثلها والنكال ، وليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما أواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد ، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال " .

وفي حديث سفيان عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - رفعه :" ليس على خائن ولا مختلس قطع " وفي لفظ " ولا منتهب " ، أخرجه أصحاب السنن الأربعة . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وروى ابن ماجه بإسناد كل رجاله ثقات من حديث عبد الرحمن بن [ ص: 99 ] عوف ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" ليس على المختلس قطع " قال ابن المنذر : ثبت هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وممن روينا عنه أنه قال : لا قطع عليه . عمر وعلي ، وبه قال عطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي وعمرو بن دينار والزهري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وروينا عن إياس بن معاوية أنه قال : أقطعه . وقال الترمذي : قال محمد - يعني البخاري - : رواه المغيرة بن مسلم أيضا ، عن أبي الزبير .

قال ابن حزم : فقالوا لم يجعل القطع في مختلس ولا خائن ، فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن ، وعن حريسة الجبل والثمر المعلق حتى يؤويه الجرين والمراح ، وهو حرزهما .

قالوا : وما وجد في غير حرز فإنما هو لقطة فقد أبيح أخذها وتحصيلها .

وقالوا : قد جاء عن عمر وزيد وعلي وعمار أنه لا قطع على مختلس ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ، فدل ذلك على اعتبار الحرز .

وقال ابن المنذر : ليس فيه خبر ثابت بلا مقال فيه لأهل العلم ، لكن يقول عوام أهل العلم في وجوب الحرز . أقول : وهو كالإجماع منهم .

[ ص: 100 ] قال ابن حزم : فنظرنا فوجدنا لا حجة لهم في شيء من ذلك ، أما الخبران المذكوران فلا يصحان ، أما حديث حريسة الجبل والثمر المعلق فلا يصح ؛ ( لأن ) أحد طرفيه عن ابن المسيب مرسل ، والأخرى بما انفرد به عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وهي صحيفة لا يحتج بها . ودليل آخر : أنه لو صح لكان عليهم لا لهم ؛ لأن المخالفين كلهم مخالفون لما فيه من قوله :" وغرامة مثليه " وهم لا يقولون بهذا ، ( وكذلك إذا لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه ، وهم لا يقولون بهذا ) ، وكذلك في حريسة الجبل غرامة مثليها ، فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه ، فقد يجوز الاحتجاج بخبر يصححونه ، ثم يخالفونه في أربعة أحكام من أحكام على من لا يصححه أصلا ولا يراه حجة ، فإن ادعوا في ترك هذه الأحكام إجماعا فليس جيدا ؛ لأن عمر بن الخطاب قد حكم بها بسند كالشمس بحضرة الصحابة ، ولا نعرف منهم له مخالف ، ولا ندري منهم عليه منكر . وقد روي عن عثمان بسند في غاية الصحة وغيره نحو هذا في إتلاف الأموال .

قلت : قال به أحمد فيما إذا سرق ثمرا معلقا على النخل والشجر إذا لم يكن محرزا بحرز تجب عليه قيمته مرتين .

قال ابن حزم : وأما الخبر الذي رواه أبو الزبير ، عن جابر فهو مدلس ، ولا سيما في جابر ، وقد أقر على نفسه بالتدليس فيه .

[ ص: 101 ] قلت : يوضحه أن النسائي قال : لم يسمعه سفيان من أبي الزبير ، إنما سمعه من ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير . ليست صحيحة ، لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ، وقد رواه عن ابن جريج ابن وهب وعيسى بن يونس والفضل بن موسى ومحمد بن ربيعة ومخلد بن يزيد وسلمة بن سعيد ، فلم يقل أحد منهم : حدثني أبو الزبير .

وفي " علل ابن أبي حاتم " عن أبيه وأبي زرعة أنهما قالا : لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ، إنما سمعه من ياسين الزيات ، وياسين ليس بالقوي . وتكلم فيه جماعة ، فهذا فيه انقطاع في موضعين آخرين .

وذكر ابن الجوزي في " علله " : أن سفيان وعيسى بن يونس روياه عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، فلم يذكر الخائن .

وقول ابن حزم أنه أقر على نفسه بالتدليس فيه ، فيه وقفة ؛ فقد ذكر الساجي في " جرحه وتعديله " عن يحيى بن معين أنه قال : استحلف شعبة أبا الزبير بين الركن والمقام : اللهم إنك سمعت هذه الأحاديث من جابر . قال : الله إني سمعتها منه ، يقولها ثلاث مرات ( يرددها ) عليه . وقد قال هشيم فيما ذكره ابن سعد في " طبقاته " عن حجاج وابن أبي ليلى ، عن عطاء قال : كنا نكون عند جابر بن عبد الله ، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه ، قال : وكان أبو الزبير أحفظنا للحديث ، قال أبو الزبير : وكان عطاء يقدمني إلى جابر لأحفظ له الحديث .

[ ص: 102 ] ثم قال ابن حزم : والرواية عن زيد لا تصح ؛ لأنها عن الزهري عنه ، ولم يسمع منه .

قلت : قد أخرجه ابن أبي شيبة من حديث معمر ، عن الزهري : أن مروان سأل زيدا فذكره . فهذا مروان بينهما ، ولا ينكر سماع الزهري منه ؛ لأنه ولد سنة إحدى وستين ، ووفد على مروان وهو محتلم ، ومات مروان سنة ست وستين .

قال أحمد بن صالح : أدرك الزهري الحرة وهو بالغ وعقلها - أظنه قال : وشهدها - وكانت الحرة أول خلافة يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين .

قال ابن حزم : والرواية عن عمر كذلك ؛ لأنها من رواية الشعبي عنه ، ولم يولد إلا بعد قتل عمر ، وعن عمار كذلك ؛ لأن الشعبي لم يكن يعقل إذ مات عمار .

قلت : قد ذكر ابن سعد أن الشعبي ولد سنة تسع عشرة عام جلولاء ، يعني : قبل وفاة عمر بأربع سنين .

وذكر أحمد بن محمد بن عبد ربه أنه ولد قبل وفاة عمر بسنتين سنة إحدى وعشرين .

وفي " كتاب الرشاطي " : سنة تسع عشرة . وقال ابن حبان : سنة عشرين ، وفي " تاريخ المنتجالي " : ولد لسنتين مضيا من خلافة عمر .

[ ص: 103 ] وفي " الكمال " : لست سنين مضين منها . بل أسند أبو الفرج الأموي في " تاريخه " من حديث عمر بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : ذكر الشعراء عند عمر فقال : من أشعر الناس ؟ قلنا : أنت أعلم يا أمير المؤمنين ، قال : فمن الذي يقول :

إلا سليمان إذ قال له الإله قم في البرية فاحددها عن الفند



قلنا له : النابغة . قال : فهو أشعر الناس .

وقوله : والشعبي لم يكن يعقل إذ مات عمار . ليس بجيد لما أسلفناه من مولده ، وقد احتج هو في كتاب الحيض بحديث من رواية الشعبي ، عن علي ، وليس بين وفاة عمار وعلي إلا القليل ، ولئن قلنا : إن مولده سنة إحدى وعشرين ، فسنه إذ مات عمار ست عشرة سنة ، فكيف يقال لمن هذا سنه : لا يعقل .

وقول ابن حزم لما روى الأثر عن عمر في إضعاف العقوبة من طريق مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من ( مزينة ) ، فرفع ذلك إلى عمر . الحديث : هذا الأثر عن عمر كالشمس . فيه نظر ؛ لأن ابن سعد قال في يحيى هذا : ولد في خلافة عثمان .

[ ص: 104 ] وقال يحيى بن معين : يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عمر باطل .

قال ابن أبي حاتم في " علله " عن أبي زرعة : إن رواية من قال عن أبيه ليست جيدة ، والصحيح من غير ذكر أبيه . قال : وأما الرواية عن علي فمن طريقين ، إحداهما من حديث سماك بن حرب ، وهو يقبل التلقين ، والأخرى من طريق بكير بن أبي السميط المكفوف ، وقد روى عنه عفان وقتادة ولا يعرف حاله .

قلت : قد روى عنه جماعة ذكرهم ابن أبي حاتم ، وحاله أيضا معروفة ، وقد ذكره العجلي في " تاريخه " : بصري ثقة . وذكره ابن حبان وابن شاهين في " الثقات " ، وكذا ابن خلفون بزيادة : زعم بعضهم أنه كثير الوهم ، وهو عندي في الطبقة الثالثة في المحدثين . وقال عفان بن مسلم وغيره : ثقة . وقال الحاكم في عكرمة : لم يصح له عن ( أنس ) رواية ، وقال يحيى : صالح ، وقال

أبو حاتم : لا بأس به .

[ ص: 105 ] وفي " تاريخ البخاري " : بكير بن أبي السميط أو ابن أبي السميط سمع قتادة ( قاله لنا ) مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل ، وقال : حبان بصري ، وتابعه عبد الصمد وقال غيره : المسمعي مولاهم . وقال الصريفيني : روى عن ابن سيرين . وأبو السميط اسمه أوس .

قلت : . ورواية عفان عنه لم أرها لغيره .

ثم قال ابن حزم : ألا إن القول في المختلس لا يخلو من وجهين أحدهما : أن يكون نهارا غير مستخف من الناس ، فهذا لا خلاف أنه ليس سارقا فلا قطع ، أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر ، فلا خلاف في كونه سارقا فبطل كل ما تعلقوا به ، وعري قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا ، وكل أحد يدري اللغة يعلم أن من سرق من حرز أو من غير حرز أنه سارق ، لا خلاف في ذلك ، فإذ هو سارق مكتسب سرقة فقطع يده واجب بنص القرآن والسنة ، ثم ساق حديث المخزومية السالف ، ولا يجوز أن يخص القرآن بدعوى عارية عن البرهان وكذلك السنة ، فإنه لم يخص حرزا من حرز وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] قال : فاشتراط الحرز باطل بيقين لا شك فيه ، وشرع لم يأذن الله تعالى [ به ] ، وكل ما ذكرنا فإنما يلزم من قامت عليه الحجة ، ووقف على ما ذكرنا ( لأن ما سلف ممن اجتهد فأخطأ ) .

[ ص: 106 ] وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة بأن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء الذي ليس للأخذ ، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم ، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز ، فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة ، وأما قول الصحابة فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلا ، وإنما جاء عن بعضهم حتى يخرج من الدار ، وقال بعضهم : من البيت ، وليس هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة - رضي الله عنها - وابن الزبير في ذلك ، فقولنا : قد جاءت به السنن الثابتة والقرآن .

فصل :

قال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقا له ، وبلغ المقدار الذي يقطع فيه أن عليه القطع ؛ حرا كان أو عبدا ، ذكرا كان أو أنثى ، مسلما كان أو ذميا ؛ إلا أن العبد الآبق إذا سرق اختلف السلف في قطعه ، ولم يختلف علماء الأمصار في ذلك .

روى مالك في " الموطأ " أن عبدا سرق وهو آبق فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاصي - وهو أمير - أن اقطع يده فأبى وقال : لا تقطع يد الآبق إذا سرق ، فقال له عبد الله : في أي كتاب الله وجدت هذا ؟ ثم أمر به عبد الله فقطعت يده .

[ ص: 107 ] وبه قال عمر بن عبد العزيز ( وسالم وعروة قال مالك : وذاك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا . قال أبو عمر ) : وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وجمهور أهل العلم بالأمصار ، وإنما وقع الاختلاف فيه عن بعض الفقهاء ، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك .

ومن الاختلاف في ذلك ما رواه معمر ، عن الزهري قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني أيقطع العبد الآبق إذا سرق ؟ قلت : لم أسمع فيه شيئا . فقال لي : كان عثمان ومروان لا يقطعانه ، قال الزهري : فلما استخلف يزيد بن عبد الملك سألني عن هذه المسألة فأخبرته بما أخبرني به عمر بن عبد العزيز ، فقال : والله لأقطعنه ، قال الزهري : فحججت عامئذ فلقيت سالما فأخبرني أن أباه قطع آبقا سرق .

وروى الثوري ومعمر ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس أنه كان لا يرى على عبد آبق سرق قطعا . وقالت عائشة - رضي الله عنها - : ليس عليه قطع ، وقال الحسن والشعبي : يقطع .

فصل :

في كتاب " الإشراف " : فإن سرق ما يسرع إليه الفساد ، فقال أبو حنيفة : لا يقطع خلافا للثلاثة .

[ ص: 108 ] فروع :

سرق حر صغير لا تمييز له لا يقطع عند الشافعي وأبي حنيفة ، ويقطع عند مالك ، وعن أحمد روايتان أظهرهما : كمذهبنا ، والأخرى كمذهب مالك .

وإن سرق مصحفا ، قال أبو حنيفة وأحمد : لا يقطع خلافا للشافعي ومالك . والنباش لا قطع فيه عند أبي حنيفة ، وخالفه الباقون . واختلف فيما إذا سرق من ستارة الكعبة ما يبلغ نصابا ، فقال الشافعي وأحمد : يقطع خلافا لأبي حنيفة ومالك .

والأظهر عندنا يقطع أحد الزوجين بمال الآخر إذا كان محرزا ، وفي قول لا ، وفي ثالث : يقطع الزوج خاصة ، وقال أبو حنيفة : لا يقطع سواء سرق من بيت خاص لأحدهما ، أو من بيتها فيه ، وقال مالك : يقطع إذا كان من حرز من بيت خاص للمسروق منه ، فإن كان في بيت يسكنان فيه فلا . وعن أحمد روايتان : لا يقطع ، وكمذهب مالك ، ولا قطع عند أبي حنيفة إذا سرق من ذي رحم محرم ، وخالفه الباقون ، ولا قطع بسرقة الولد من مال الوالد خلافا لمالك .

وأجمعوا أنه لا قطع على الوالدين بسرقة مال أولادهم ، وإذا سرق صنما من ذهب فلا قطع عند أبي حنيفة وأحمد خلافا للشافعي ومالك ، وسارق الثياب من الحمام وعليها حافظ ، قال أبو حنيفة : إن كان ذلك

[ ص: 109 ] ليلا قطع ، أو نهارا فلا .

وقال الشافعي وأحمد في رواية : يقطع مطلقا . وعن أحمد : لا قطع مطلقا ، وقال مالك : من سرق ما كان في الحمام بما يحرس فعليه القطع ، ومن سرق ما لا يحرس منها وكان موضوعا فلا . ولو سرق عدلا أو جوارقا وثم حافظ ، قالوا : يقطع خلافا لأبي حنيفة .

واختلف في سارق العين المسروقة من السارق أو المغصوبة من الغاصب ، فقال أبو حنيفة : يقطع في المغصوب دون المسروق إذا كان السارق الأول قطع فيها ، وإن كان لم يقطع قطع الثاني .

وقال مالك : يقطع كل واحد منهما ، وبه قال الشافعي وأحمد .

فروع أخر :

لو سرق من المغنم ، وكان من أهله ، فقال أبو حنيفة وأحمد : لا يقطع ، وقال مالك في المشهور عنه : يقطع . وعن الشافعي قولان كالمذهبين ، فإن كان من غير أهله قطع بإجماع .

واختلفوا هل يجتمع على السارق القطع والغرم ، فقال أبو حنيفة : لا ، فإن اختار المسروق منه الغرم فلا قطع ، وإن اختار القطع واستوفى منه فلا غرم . وقال مالك : إن كان السارق موسرا وجب عليه القطع والغرم ، وإن كان معسرا لم يتبع بقيمتها ويقطع .

[ ص: 110 ] وقال الشافعي وأحمد : يجتمعان جميعا .

وأجمعوا على أنه لا قطع على من سرق ثمرا معلقا على الشجر إذا لم يكن محرزا ( بحرز ) . وسلف الكلام على الحرز .

فرع :

أجمعوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة وحصل لكل نصاب أن عليهم القطع ، فإن اشتركوا في نصاب فلا ، قاله الشافعي وأبو حنيفة ، وقال مالك : إن كان يحتاج إلى التعاون عليه قطعوا ، وإن كان بما يمكن الواحد الانفراد به كله ففيه لأصحابه قيمته ، وإن انفرد كل واحد بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم ، إلا أن يكون قيمة ما أخرج نصابا ، ولا يضم إلى ما أخرج غيره . وقال أحمد : عليهم القطع سواء كان من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى التعاون عليها كالساجة وغيرها ، وإن كان من الأشياء الخفيفة كالثوب ونحوه ، وسواء اشتركوا في إخراجه من الحرز دفعة واحدة ، أو انفرد كل واحد معه بإخراج شيء فصار بمجموعه نصابا .

فرع :

اشتركا في نقب ودخل أحدهما وناوله صاحبه ، وكان خارجه أو رمى به إليه وأخذه ، فالقطع على الداخل دون الخارج خلافا لأبي حنيفة حيث قال : لا يقطع واحد منهما ، فإن دخلا وأخرج واحد نصابا ولم يخرج

[ ص: 111 ] غيره شيئا ولم يكن منهم معاونة في إخراجه ، فقال أبو حنيفة وأحمد : يجب القطع عليهما ، وقال الشافعي ومالك : لا يقطع إلا الذي أخرج المتاع ، فإن قرب الداخل المتاع إلى النقب وتركه فأدخل الخارج يده فأخرجه من الحرز ، فقال أبو حنيفة : فالقطع عليهما ، وقال مالك : يقطع الذي أخرجه قطعا ، وفي الواحد الذي قربه خلاف بين أصحابه .

وقال الشافعي : القطع على الذي أخرجه خاصة . وقال أحمد : القطع عليهما ( جميعا ) .

فصل :

اختلف في اليد والرجل من أين يقطعان ، فروي عن عمر وعثمان وعلي أنهم قالوا : من المفصل ، وعليه أكثر الفقهاء ، وقد روي عن علي رواية أخرى : أن اليد تقطع من الأصابع والرجل من نصف القدم ، ويترك له عقبا .

وقال أبو ثور : فعل علي أرفق وأحب إلي . والقول الأول أولى بتأويل الآية : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] واقتصر البخاري على الرواية الأولى عن علي ، وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد من الإبط ، وهو بعيد عجيب ، ولا شك أن الأخذ بأوائل الأسماء واجب ، ومن قطع من الكوع سمي مقطوع اليد ، ومن قطعت أصابعه لا يسمى مقطوع اليد ، وروي أنه - عليه السلام - فعل ذلك ، وادعى الداودي فيه الإجماع .

[ ص: 112 ] فصل :

واختلفوا فيما إذا سرق ثالثة بعد أن قطع في الأولى يده اليمنى ، وفي الثانية الرجل اليسرى ، فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين : لا يقطع أكثر من يد ورجل ، ولكن يحبس ويغرم السرقة . والرواية الأخرى عن أحمد : يقطع في الثالثة والرابعة . وهو مذهب مالك والشافعي في الثالثة يسرى يديه ، وفي الرابعة يمنى رجليه ، فيصير مقطوع الأربعة ، روي هذا عن الصديق وعمر وعثمان ، ومن التابعين عروة والقاسم وسعيد بن المسيب وربيعة ، والقول قول الثوري أيضا والأوزاعي ، وروي عن علي ، وهو قول النخعي والشعبي والزهري .

وقال عطاء وبعض أهل الظاهر : لا يجب أن يقطع شيء من الأطراف إلا الأيدي دون الرجل ، واحتج عطاء بقوله تعالى : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] ولو شاء أمر بالرجل وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] .

وحجة الكوفيين ما رواه إسماعيل بن جعفر ، عن أبيه أن عليا كان لا يريد أن يقطع للسارق يداه ورجلاه ، وإذا أتي به بعد ذلك قال : إني لأستحيي أن لا يتطهر للصلاة ، ولكن أمسكوا كلبه عن المسلمين بالسجن وأنفقوا عليه من بيت المال .

والحجة لمالك والشافعي أن أهل العراق والحجاز يقولون بجواز قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] وهذه المسألة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين أو مسحهما ، ويشبه الجزاء في قتل الصيد الخطأ ، وهم يقرءون : ومن قتله منكم متعمدا [ المائدة : 95 ] ولا يجوز على الجمهور تحريف

[ ص: 113 ] الكتاب ولا الخطأ في تأويله ، وإنما قالوا ذلك بالسنة الثابتة والأثر المتبع .

وقال إسماعيل بن إسحاق : لما قال تعالى : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] فأجمعوا أن يده تقطع ، ثم إن سرق بعد ذلك يقطع ، ثم إن سرق بعد ذلك قطع منه شيء آخر دل على أن المذكور في القرآن إنما هو على أول حكم يقع عليه في السرقة ، وأنه إن سرق بعد ذلك أعيد عليه الحكم ، كالحد إذا زنى وهو بكر ، فإذا أعاد الزنا أعيد عليه الحد ، فلما صح هذا وجب عليه أن يقطع أبدا حتى لا تبقى له يد ولا رجل ، كما يجلد أبدا حتى لا يبقى فيه موضع جلد ، وقال بعضهم : إنما فهم السلف قطع أيدي السراق وأرجلهم من خلاف من آية المحاربين .

فصل :

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :" لعن الله السارق يسرق البيضة " سلف الكلام عليه قريبا فأغنى عن إعادته .

فصل :

قول قتادة في امرأة سرقت فقطع شمالها : ليس لها إلا ذلك . هو قول لمالك إذا قطع الشمال غلطا مع وجود اليمين .

وقال ابن الماجشون : لا يجزئ ذلك . قال : وليس خطأ السلطان بالذي يزيل القطع عن العضو الذي أوجبه الله ، وتقطع اليمين وتكون الشمال في مال السلطان يخاص به إن كان الدين ، أو في مال القاطع دون عاقلته . قال : وإليه رجع مالك .

[ ص: 114 ] وإذا قطعت اليسرى ثم سرق ثانية فقال ابن القاسم : تقطع رجله اليمنى لتكون من خلاف .

وقال ابن نافع : تقطع رجله اليسرى قال : وقد كان قطع اليد اليسرى خطأ فلا تترك الرجل اليسرى أجزأ ذلك ، وعلى قول عبد الملك فإن تعمد القاطع قطع شماله ، فقال الأبهري : فيها نظر ، ويجوز أن يقال عليه القود ، وعن مالك وأبي حنيفة : إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنه يجزئ عن قطع اليمنى ، ولا إعادة عليه .

وعن الشافعي وأحمد : على القاطع المخطئ الدية ، وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشافعي وروايتان عن أحمد .

فروع :

نختم بها الباب إذا ادعى السارق الملكية ، وهو السارق الشريف لا قطع عندنا ، وعند أبي حنيفة خلافا لمالك ، وعن أحمد روايات أظهرها : لا ، وثانيها : نعم ، ثالثها : إن كان معروفا بالسرقة قطع وإلا فلا . وعندنا يتوقف القطع على مطالبة المالك ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه خلافا لمالك وأحمد في الأخرى .

واختلف فيمن قتل رجلا في داره وقال : دخل علي ليأخذ مالي ولم يندفع إلا بالقتل . فقال أبو حنيفة : لا قود عليه إذا كان الداخل معروفا بالفساد وإلا فالقود .

[ ص: 115 ] وقال مالك وأحمد : عليه القود إلا أن يأتي بالبينة . قال مالك : إن كان مشهورا بالتلصص والحرابة قتل وسقط عنه القود .

فرع :

أجمعوا على أنه إذا قطع حسم ، وإنه إذا لم يكن له الطرف المستحق قطعه أنه يقطع ما بعده ، فإن كان أشل من الطرف المستحق قطعه بحيث أنه لا يقطع فيه ، فقال مالك وأحمد : يقطع ما بعده . وقال أبو حنيفة : يقطع يمينه وإن كانت شلاء ، وقال الشافعي : إذا سرق ويمينه شلاء ، وقال أهل الخبرة : إنها إذا قطعت وحسمت وقاد بها فإنها تقطع .

وإن قالوا : إنها إذا قطعت لم يرق دمها وأدى إلى التلف لم تقطع ، ويقطع ما بعدها .

فرع :

اختلفوا فيما إذا سرق نصابا ثم ملكه بشراء أو هبة أو إرث أو غيره هل يسقط القطع عنه ؟ فقالوا : لا سواء كان ملكه قبل ( التدافع ) أو بعده ، وقال أبو حنيفة : متى وهبت له أو بيعت منه سقط القطع عنه .

فرع :

قالت طائفة : لا قطع حتى يقر مرتين ، وهو قول ابن أبي ليلى ويعقوب وأحمد وإسحاق .

[ ص: 116 ] وقال عطاء والثوري والنعمان ومحمد والشافعي وأبو ثور : يجب بمرة واحدة .

فرع :

لو كان مريضا أخر الحد عنه عند ( مالك ) والشافعي وأبي حنيفة ومحمد إذا خيف عليه ، وكذا الحر والبرد ، وخالف أحمد وإسحاق فيه ، احتجا بأن عمر - رضي الله عنه - جلد قدامة وهو مريض ، وقال : أخشى أن يموت ، وبه قال أبو ثور .

فائدة :

اليد الشمال خلاف اليمين والجمع : أشمل مثل أذرع ، وشمائل على غير قياس ، قال تعالى عن اليمين والشمائل [ النحل : 48 ] والشمال مؤنثة .

أخرى :

المجن والحفة والترس واحد ، تطارق بين جلدين ويجعل منها جحفة .

ثالثة : قوله : في مجن ثمنه ثلاثة دراهم هي لغة . واللغة الثانية : الثلاثة الدراهم ، والثالثة : الثلاثة دراهم .

فرع :

سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم ثلاث حبات ، وهي تجوز جواز الوازنة ، ففي كتاب محمد : لا يقطع . قال أصبغ : وأما حبتان في كل

[ ص: 117 ] درهم فيقطع . وقال غيره : درء القطع أحسن .

آخر : اختلف في تقويم السرقة : فقدمت ثلاثة وقومت بدونها .

ففي " المدونة " : يقطع ، وفي " مختصر الوقار " : لا .

آخر : سرق عرضا فقيل : يقوم بالفضة ، وقيل : في العادة أن يباع به من ذهب أو فضة ، وقال الشافعي بالذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية