التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6418 [ ص: 131 ] 16 - باب: لم يحسم النبي - صلى الله عليه وسلم - المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا

6803 - حدثنا محمد بن الصلت أبو يعلى ، حدثنا الوليد ، حدثني الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي قلابة ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا . [ انظر : 233 - مسلم : 1671 - فتح 12 110 ] .


ساق فيه حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا .

قد أسلفنا في الباب قبله سبب عدم حسمهم .

قال ابن المنذر : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقطع يد رجل سرق ، ثم قال :" احسموها " . وفي إسناده مقال .

وقد اختلف العلماء في فعله - عليه السلام - بالعرنيين ، فقالت طائفة من السلف : كان هذا قبل نزول الآية في المحاربين ، ثم نزلت الحدود بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونهى عن المثلة ، فنسخ حديث العرنيين ، روي هذا عن ابن سيرين وسعيد بن جبير وأبي الزناد ، وقالت طائفة : إنه غير منسوخ ، وفيهم نزلت آية المحاربين ، وإنما فعل بهم الشارع ما فعل قصاصا ؛ لأنهم فعلوا بالرعاء مثل ذلك ، ذكره أهل السير .

وروى محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب : أن العرنيين قتلوا يسارا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم مثلوا به ، واستاقوا اللقاح ، وذكر ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن قال : أصاب رسول

[ ص: 132 ] الله في غزوة محارب وبني ثعلبة عبدا يقال له : يسار ، فجعله في لقاح له يرعى في ناحية الماء ، فخرجوا إليها ، فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من قريش فلما استوبئوا المدينة وطلحوا فأمرهم أن يخرجوا إلى اللقاح يشربوا من أبوالها وألبانها ، فخرجوا إليها ، فلما صحوا وانطوت بطونهم عدوا على راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسار فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه
، وذكر الحديث .

وروى الترمذي من حديث أنس قال : إنما سمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرنيين ؛ لأنهم سملوا أعين الرعاء ثم قال : حديث غريب .

وفي رواية لأبي الشيخ في كتاب " القطع والسرقة " عنه : سمل رسول الله منهم اثنين وقطع اثنين وصلب اثنين ، وفي رواية : كان وقع بالمدينة الموم وهو البرسام فاستوبئوها . الحديث .

وفي رواية : كانوا من مزينة ، وفي رواية من سليم .

وبنو عرينة من بجيلة ، وأنه أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم ، وما مثل قبل ولا بعد ، ونهى عن المثلة .

قال ابن بطال : فلما اختلفوا في تأويل هذا الحديث أردنا أن نعلم أي التأويلين أولى ؟ فوجدناه قد صحب حديث العرنيين عمل من الصحابة ، فدل أنه غير منسوخ ، وروي عن الصديق أنه حرق عبد الله بن إياس بالنار حيا ؛ لارتداده ومقاتلته الإسلام ، وحرق علي الزنادقة .

[ ص: 133 ] وفي " علل ابن أبي حاتم " : حرق علي قوما من الزط اتخذوا صنما . وقال علي :

لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا



وقال بعضهم : ذكر فعل علي أنشده الثمالي :

لترم بي من المنايا حيث شاءت     إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا     رأيت الموت نقدا غير دين

وقد رأى جماعة من العلماء حريق مراكب العدو ، وفيها أسرى المسلمين ورجموا الحصون بالمناجيق والنار ، وتحريق من فيها من الذراري .

قال المهلب : وهذا كله يدل على أن نهيه عن المثلة ليس نهي تحريم ، وإنما هو على الندب والحض ، فوجب أن يكون فعله بالعرنيين غير مخالف للآية .

وذكر ابن المنذر أن بعض أهل العلم قالوا : حكمه - عليه السلام - في العرنيين ثابت لم ينسخه شيء ، وقد حكم الله في كتابه بأحكام ، وحكم رسوله بها وزاد في الحكم ما لم يذكر فيها ، هذا الزاني أوجب الله عليه جلد مائة ، وزاد رسوله نفي عام ، وأوجب تعالى اللعان بين المتلاعنين ، وفرق الشارع بينهما وذلك ليس في كتاب الله ، وألحق الولد بالأم ونفاه عن الزوج ، وأجمع العلماء على قبول ذلك والأخذ به .

[ ص: 134 ] فائدة :

الحسم : القطع ، ذكره في " المحكم " .

وفي " الأفعال " حسم العرق حسما : كواه بالنار لينقطع دمه ، وقال صاحب " العين " : حسمت الشيء : قطعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية