التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6429 6814 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم ، وكان قد أحصن . [ انظر : 5270 - مسلم : 1691م - فتح 12 \ 117 ] .


[ ص: 148 ] ذكر فيه : حدثنا آدم ، ثنا شعبة ، ثنا سلمة بن كهيل قال : سمعت الشعبي يحدث ، عن علي - رضي الله عنه - حين رجم المرأة يوم الجمعة قال : قد رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحديث الشيباني : سألت عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - : هل رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قلت : قبل سورة النور أم بعد ؟ قال : لا أدري .

وحديث ابن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم ، وكان قد أحصن .

الشرح :

أثر الحسن أخرج نحوه ابن أبي شيبة عن حفص ، عن عمر ، قال : سألته ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات رحم محرم منه وهو يعلم ؛ قال : عليه الحد .

وقد سلف حديث المتزوج بامرأة أبيه ، رواه ( البراء ) قال : لقيت خالي ومعه الراية ، فقلت له ، [ فقال ] : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه .

وللدارقطني من حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه أنه - عليه السلام - بعث إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه .

[ ص: 149 ] زاد ابن ماجه : وأصفي ماله . وللطحاوي : ويخمس ماله .

وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد فيمن أتى ذات محرم منه ، قال : ضرب عنقه ، وقال ابن عباس مرفوعا :" من وقع على ذات محرم فاقتلوه " . قال الطحاوي في " مشكله " : هذا الحديث يدور على إبراهيم بن إسماعيل وهو متروك الحديث .

وفي " المصنف " عن بكر : رفع إلى الحجاج رجل زنى بأخته ، فقال : ما أدري بأي قتلة أقتله ؟ وهم أن يصلبه ، قال عبد الله بن مطرف وأبو بردة : ستر الله لهذه الأمة ، وأحب البلاء ما ستر الإسلام ، اقتله . قال : صدقتما . فأمر به فقتل .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث هشام بن عمار ، ثنا رفدة بن قضاعة ، ثنا صالح بن راشد القرشي قال : أتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته ( نفسها ) ، قال : سلوا من هنا من أصحاب رسول الله ، فسألوا عبد الله بن أبي مطرف ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف " ، وكتبوا إلى ابن عباس فكتب إليهم مثل قول عبد الله ، فقال لي : كذا رواه هشام ، وروي عن عبد الله بن مطرف بن الشخير هذا الكلام .

[ ص: 150 ] قوله : فلا أدري هذا هو أو غيره ، قال أبو زرعة : وابن مطرف الصحيح . وقال العسكري : هو مرسل ، وقال ابن عبد البر : عبد الله بن مطرف حديثه في الشاميين سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" من تخطى الحرمتين " الحديث .

وحديثه أيضا هذا عند رفدة ، ( ويقولون : إن رفدة ) غلط فيه ، ولم يصح ( عندي ) قول من قال ذلك .

ولما ذكر ابن قانع هذا الحديث ، قال : قد وجدت علته ، ثم ساق إلى بكر بن عبد الله قال : أتي الحجاج برجل أعمى وقع على ابنته ، وعنده عبد الله بن مطرف بن الشخير وأبو بردة ، فقال له : أحدهما اضرب عنقه فضرب عنقه .

قلت : وصرح بصحبة عبد الله أصحاب كتب الصحابة ، ويحمل على استحلاله ، ( يوضحه عند الدابة ) .

وأما حديث الشعبي عن علي فأخرجه النسائي من حديث بهز عن شعبة أن عليا - رضي الله عنه - جلد شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة .

وقال الدارقطني : رواه قعنب بن محرز ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - .

[ ص: 151 ] فوهم فيه في موضعين : قوله عن مجالد . وإنما هو سلمة ومجالد ، وقوله : الشعبي عن أبيه ، وإنما رواه عن علي ، كذا رواه ( الحسين ) المروذي وغيره ، عن شعبة ، عن سلمة ومجالد ، عن الشعبي ، ورواه عصام بن يوسف عن شعبة ، عن سلمة ، عن الشعبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن علي . ورواه غندر ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن الشعبي ، عن علي وهو الصواب ، وكذا رواه إسماعيل بن سالم وحصين عن الشعبي ، عن علي . ورواه في " سننه " من طريق أبي حصين عن الشعبي قال : أتي علي - رضي الله عنه - بشراحة الهمدانية وقد فجرت ، فردها حتى ولدت ، فلما ولدت قال : ائتوني بأقرب النساء إليها ، فأعطاها ولدها ، ثم جلدها ورجمها ، وقال : جلدتها بالكتاب ورجمتها بالسنة ، ثم قال : أيما امرأة نعى عليها ولدها أو كان اعتراف ، فالإمام أول من يرجم ، ثم الناس ، فإن نعتها شهود ، فالشهود أول من يرجم ثم الناس . ومن حديث ( ابن ) هشيم ، أنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي قال : أتي علي ( بزان ) محصن فجلده يوم الخميس ثم رجمه يوم الجمعة ، فقيل له : أجمعت عليه حدين فقال : جلدته بكتاب الله ورجمته بالسنة . ومن حديث حصين عن الشعبي : أتي علي بمولاة لسعيد بن قيس قد فجرت ، فضربها مائة ثم رجمها ، ثم قال : جلدتها

[ ص: 152 ] بكتاب الله ورجمتها بالسنة
. ولفظ سنيد : أتي بشراحة حبلى فقال لها علي : لعل رجلا استكرهك ! قالت : لا ، قال : فلعله أتاك في منامك ! قالت : لا ، قال : فلعل زوجك أتاك سرا فأنت تكرهين إطلاعنا عليه ، قال : فأمر بها فحبست ، فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها مائة ثم ردها إلى الحبس ، فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها . ونسبها في " التمهيد " : شراحة بنت مالك . فسأل الدارقطني : سمع الشعبي من علي ؟ قال : سمع منه حرفا ما سمع منه غير هذا .

وقال الحازمي : لم يثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من علي . وقد أسلفنا هذا في كتاب : الحيض أيضا .

وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - فأخرجه البخاري أيضا بعد في باب أحكام أهل الذمة ، ثم قال : تابعه علي بن مسهر وخالد بن عبد الله والمحاربي وعبيدة بن حميد ، عن الشيباني ، وقال بعضهم : المائدة ، والأول أصح .

قلت : أما متابعة ابن مسهر فأخرجها مسلم عن ابن أبي شيبة عنه ، ومتابعة عبيدة ، وهو بفتح العين ، أخرجها أحمد بن منيع في " مسنده " عنه

[ ص: 153 ] عن أبي بكر إسحاق ، عن ابن أبي أوفى قال : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : بعد سورة المائدة أم قبلها ؟ قال : لا أدري ، وروى الطبراني من حديث أبي الوليد الطيالسي ، ثنا هشيم عن الشيباني عنه أنه - عليه السلام - رجم يهوديا ويهودية ، وقال البزار : هذا اللفظ لا نعلم أحدا رواه إلا هشيم بن بشير وحده .

فصل :

الرجم ثابت بالسنة الثابتة ، وبفعل الخلفاء الراشدين ، وبإجماع الصحابة بعده ، وباتفاق ( أئمة ) أهل العلم : الثوري ، وجماعة أهل العراق ومالك في أهل المدينة ، والأوزاعي في أهل الشام ، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، قال الرب - جل جلاله - : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] ، وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ النساء : 80 ] ، فألزم الله خلقه طاعة رسوله ، وثبتت الأخبار كما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالرجم ورجم ، ألا ترى قول علي : رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورجم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

فالرجم ثابت كما قررناه ، ولا عبرة بدفع الأزارقة من الخوارج والمعتزلة الرجم معللين بأنه ليس في كتاب الله ، وما يلزمهم من اتباع الكتاب مثله يلزمهم من اتباع السنة ، قال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه [ الحشر : 7 ] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق ( أئمة ) الأمة ، ولا يعدون خلافا ، ولا يلتفت إليهم ، بل إليه

[ ص: 154 ] يشير قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب [ النور : 8 ] ، كما بينه رسوله ، وقد كان فيما مضى : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، فنسخ لفظا وبقي حكما .

قال البيهقي : ولا أعلم في ذلك خلافا ، وكذا قوله - عليه السلام -" لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم أمر أنيسا الأسلمي بالرجم إن اعترفت ، وهذا رواه الحمادان - ابن زيد وابن سلمة - وهشيم ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تجزعن عنه ، فإنه - عليه السلام - قد رجم ، ورجم أبو بكر - رضي الله عنه - ، ورجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم والدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر والشفاعة ، وبقوم يخرجون من النار قد امتحشوا .

واختلف العلماء فيمن زنى بأخته أو ذات رحم منه ، فقال بقول الحسن - حده حد الزاني - مالك ويعقوب ومحمد والشافعي وأبو ثور .

وقالت طائفة : إذا زنى بالمحرمية قتل ، روي عن جابر بن زيد وهو قول أحمد وإسحاق واحتجوا بحديث البراء السالف : أنه - عليه السلام - بعث إلى رجل نكح امرأة أبيه أن يضرب عنقه ، وقد أسلفنا ما فيه .

فصل :

قوله : ( فشهد على نفسه أربع شهادات ) ، أخذ به من اعتبر تكرار

[ ص: 155 ] الإقرار والمذهب فيه ثلاثة : أحدها - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - لا يجب إلا باعتراف أربع ( شهادات ) في أربع مجالس وهو أن يغيب عن القاضي حتى لا يراه ، ثم يعود إليه فيقر كما في حديث ماعز ، فإن اعترف ألف مرة في مجلس واحد فهو اعتراف واحد .

ثانيها : وهو قول ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق والثوري والحسن بن حي والحكم بن عتيبة : يجب باعتراف أربع مرات في مجلس واحد ومجالس .

وقال مالك والشافعي : يكفي مرة واحدة لحديث :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " علقه بمطلق ( الإقرار ) .

فصل :

ومعنى ( وكان قد أحصن ) أي : تزوج فهو محصن ، قال ابن فارس والجوهري : هذا أحد ما جاء على أفعل فهو مفعل بفتح الصاد .

قال ثعلب : كل امرأة عفيفة فهي محصنة ومحصنة ، وكل امرأة متزوجة فالفتح لا غير .

التالي السابق


الخدمات العلمية