التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6822 - وقال الليث ، عن عمرو بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة : أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد قال : احترقت . قال :" مم ذاك ؟" . قال : وقعت بامرأتي في رمضان . قال له :" تصدق " . قال : ما عندي شيء . فجلس وأتاه إنسان يسوق حمارا ومعه طعام - قال عبد الرحمن : ما أدري ما هو - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال :" أين المحترق ؟" . فقال : ها أنا ذا . قال :" خذ هذا فتصدق به " . قال : على أحوج مني ؟ ما لأهلي طعام قال :" فكلوه " . [ انظر : 1935 - مسلم : 1112 - فتح 12 \ 132 ] .
قال أبو عبد الله : الحديث الأول أبين ، قوله :" أطعم أهلك " .

ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في المواقع أهله في رمضان . وقد سلف في الصوم وغيره .

وفي آخره : قال : على أحوج مني ؟ ما لأهلي طعام . قال :" فكلوه " .

[ ص: 190 ] وفي بعض النسخ : قال أبو عبد الله : الحديث الأول أبين .

قوله :" أطعمه أهلك " قول عطاء : كان مراده حديث المجامع أيضا كقول ابن جريج ، ويجوز أن يريد حديث ابن مسعود أيضا ، وقال الداودي : لعله يريد الذي قال : أتيت امرأة ففعلت بها كل شيء إلا ( اللواط ) ، وحديث أبي عثمان ، عن ابن مسعود المشار إليه فهو أبين شيء في الباب ، وقد ساقه بطوله في باب : الصلاة كفارة ، في الرجل الذي أصاب من امرأة قبلة ، فأخبره فنزل : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل [ هود : 114 ] وفي رواية :" قم فصل ركعتين " ، وفي أخرى : فأقم علي ما شئت . الحديث .

وقد أجمع العلماء - فيما حكاه ابن بطال - : أن من أصاب ذنبا فيه حد أنه لا ترفعه التوبة ، ولا يجوز للإمام إذا بلغه العفو عنه . ومن التوبة عندهم أن يطهر ويكفر بالحد إلا الشافعي ، فذكر عنه ابن المنذر أنه قال : إذا تاب قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه .

قلت : مراده بالنسبة إلى الباطن ، أما بالنسبة إلى الظاهر فالأظهر من مذهبه عدم سقوطه .

وأما من أصاب ذنبا دون الحد ثم جاء ( تائبا ) فتوبته تسقط عنه العقوبة ، وليس للسلطان الاعتراض عليه ، بل يؤكد بصيرته في التوبة ويأمره بها ، لينتشر ذلك فيتوب المذنب .

[ ص: 191 ] ألا ترى أنه - عليه السلام - لما فهم من المجامع في رمضان الندم على فعله من صورة فزعه وقوله : ( احترقت ) . لم يعاقبه ولا ذنبه ، بل أعطاه ما يكفر به ، وقد قال للرجل الذي قال : إني أصبت حدا فأقمه علي :" أليس قد صليت معنا ؟" فلم يستكشفه عنه ، فدل أن الستر أولى ؛ لأن في الكشف عنه نوع تجسس المنهي عنه وجعلها شبهة دارئة للحد ، وجائز أن يظن ما ليس بحد حدا ، فكان ذلك مما يكفر بالوضوء والصلاة ، وأطلع الله رسوله على ذلك ، ولما لم يعم بالكناية دون الإفصاح وجب ألا يكشف عليه ؛ لأن الحد لا يقام بالشبهة بل يدرأ بها ، وحجة كونها غير ساقطة للحد إخبار الشارع عن توبة الجهينية والعامدية وإقامة الحد عليهما ، والسقوط خاص بالمحاربين دون غيرهم ، ولا يحتج في ذلك بحديث أنس الآتي في الباب بعد ، حيث قال : أصبت حدا ، لما أسلفنا من احتمال أنه ظنه حدا وليس بحد ، وقال الخطابي : يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه قد غفر له ذنبه ولو أفصح بذكر الحد لأقامه عليه ولم يعف عنه .

فصل :

ولم يعاقب عمر صاحب الظبي ، يعني : حيث حكم على قبيصة بن جابر في الظبي بشاة ، وهو وعبد الرحمن بن عوف ، فقال قبيصة : قلت يا أمير المؤمنين إن أمره أهون من أن تدعو أحدا يحكم معك ، قال :

[ ص: 192 ] فضربني بالدرة حتى سابقته عدوا ، ثم قال : قتلت الصيد وأنت محرم ثم تغمض الفتوى .

والقصة أخرجها مالك عن عبد الملك بن ( قرير ) ، عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر فقال : إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى ؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه : تعال حتى أحكم أنا وأنت قال : فحكما عليه بعنز ، فولى الرجل وهو يقول : هذا أمير المؤمنين ، لا يستطيع أن يحكم في ظبي ، حتى دعا رجلا يحكم معه ، فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله : هل تقرأ سورة المائدة ؟ قال : لا ، قال : فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي ؟ قال : لا ، قال : فقال عمر : لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا ، ثم قال : إن الله تعالى يقول في كتابه : يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة [ المائدة : 95 ] ، هذا عبد الرحمن بن عوف .

ورواها عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجا فكنا إذا صلينا الغداة ابتدرنا رواحلنا نتماشى ونتحدث ، فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي فابتدرناه فابتدرته فرميته بحجر فأصاب حشاه ، فركب ( درعه ) فمات ، فلما قدمنا مكة سألنا عمر بن الخطاب وكان حاجا وكان جالسا وإلى جانبه عبد الرحمن بن عوف ، فسأله عن ذلك ، فقال : أنا أرى ذلك ، قال : فاذهب فأهد شاة

[ ص: 193 ] فخرجت إلى صاحبي فقلت : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره ، قال : فلم يفجأنا إلا عمر ومعه الدرة ، فعلاني بالدرة فقال : أيقتل في الحرم ويسفه الحكم ؟! قال الله تعالى : يحكم به ذوا عدل منكم [ المائدة : 95 ] وأنا عمر ، وهذا عبد الرحمن بن عوف .

معنى ( ركب درعه ) : خر لوجهه على دمه . فقال : ذلك القتل .

والحشا : ما ( اضطمت ) عليه الضلوع ، والجمع أحشاء ، والحشوة بالكسر والضم : الأمعاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية