التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6438 [ ص: 196 ] 28 - باب هل يقول الإمام للمقر : لعلك لمست أو غمزت ؟

6824 - حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم ، عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما أتى ماعز بن مالك ، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له :" لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ؟" . قال : لا يا رسول الله . قال :" أنكتها ؟" . لا يكني . قال : فعند ذلك أمر برجمه . [ مسلم : 1693 - فتح 12 \ 135 ] .


ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما أتى ماعز بن مالك ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له :" لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ؟" . قال : لا يا رسول الله . قال :" أنكتها ؟" . لا يكني . قال : فعند ذلك أمر برجمه .

الشرح :

هو دال على ما ترجم له ، وهو جواز التلقين في الحدود ما يدرأ به عنه الأذى ، ألا ترى أنه - عليه السلام - قال له :" لعلك قبلت . ." إلى آخره ليدرأ عنه الحد ، لفظ الزنا يقع على نظر العين وجميع الجوارح ، فلما أتى بلفظ مشترك لم يحده حتى وقف على صحيح ما أتاه بغير إشكال ؛ لأن من شريعته درء الحدود بالشبهات ، فلما أفصح وبين أمر برجمه ، وهو دال على أن الحدود لا تقام إلا بالإفصاح .

ألا ترى أن الشهود لو شهدوا على رجل بالزنا ، ولم يقولوا : رأيناه أولج فيها ، كان حكمهم حكم من قذف لا حكم من شهد ؛ رفقا من الله بعباده وسترا عليهم ليتوبوا ، وقد استعمل التلقين بالإيماء أيضا الصحابة الراشدون بعده ، عمر وعلي وابن مسعود .

[ ص: 197 ] روى مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر أتاه رجل وهو بالشام ، فذكر أنه وجد مع امرأته رجلا ، فبعث عمر أبا واقد إلى امرأته فسألها عما قال زوجها لعمر ، وأخبرها بأنها لا تؤخذ بقوله ، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع ، فأبت أن تنزع ، فرجمها عمر - رضي الله عنه - .

وروى معمر بإسناده أن عمر أتي برجل ، فقيل : إنه سارق ، فقال عمر : إني لأرى يد رجل ( ما هو ) بيد سارق ، فقال الرجل : والله ما أنا بسارق فخلى سبيله .

وعن الشعبي قال : أتي علي - رضي الله عنه - بامرأة يقال لها : شراحة وهي حبلى من الزنا فقال : ويحك ، لعل رجل استكرهك ؟ قالت : لا . قال : فلعله وقع عليك وأنت نائمة ؟ قالت : لا . قال : فلعل زوجك من عدونا من أهل الشام فأنت تكرهي أن يدلي عليك ؟ قالت : لا ، فجعل يلقنها هذا وأشباهه ( وتقول : لا . فرجمها .

وعن أبي مسعود : أتي بسارق سرق بعيرا ) ، فقال : هل وجدته ؟ قال : نعم . فخلى سبيله ، فهذا وجه التلقين بالتعريض لمن يعرف الحد وما يلزمه فيه ، وأما تلقين الجاهل ومن لا يعرف الكلام فهو تصريح .

[ ص: 198 ] روى ابن جريج عن عطاء فقال : كان بعضهم يؤتى بالسارق فيقول : أسرق ؟ ( قل : لا . أسرقت ؟ قل : لا . وعلمي أنه سمى أبا بكر وعمر .

وروى شعبة بإسناده عن أبي الدرداء أنه أتي بجارية سوداء سرقت ) فقيل له : إنها سرقت . فقال لها : أسرقت ؟ قولي : لا . قالت : لا . فخلى سبيلها ، فقلت : أنت تلقنها ؟!

قال أبو الدرداء : إنها اعترفت وهي لا تدري ما يراد بها .

وقال الأعمش : كان إبراهيم يأمر بطرد المعترفين ، وكان أحمد وإسحاق يريان تلقين السارق إذا أتي به ، وكذلك قال أبو ثور إذا كان السارق امرأة ، أو من لا يدري ما يصنع به ، أو ما يقول .

قال المهلب : هذا التلقين على اختلاف منازله ليس بسنة لازمة إلا عند اختيار الإمام لذلك ، وله ألا يعرض ولا يلقن لقوله :" بينة وإلا حد في ظهرك " .

وأما التلقين الذي لا يحل فتلقين الخصمين في الحقوق ، وتداعي الناس ، وكذلك لا يجوز تلقين المنتهك المعروف بذلك إذا تبين ما أقر به أو شهد عليه ، ولم ير الإمام إقامة الحد فيه .

[ ص: 199 ] وفي " المدونة " في السارق إذا شهد عليه بالسرقة - يريد على إقراره - استحب للإمام أن يقول له شيئا ، وفيها أيضا أيكشف المقر في الزنا كما يكشف الشهود ؟ قال : لا . واحتج بأنه - عليه السلام - قال :" أبصاحبكم جنة " ولم ( يمثله ) ، ذكره في كتاب الحد في القذف .

التالي السابق


الخدمات العلمية