التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6441 6829 - حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال عمر : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف - قال سفيان : كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده . [ انظر : 2462 - مسلم : 1691 - فتح 12 \ 139 ]


ذكر فيه حديث علي بن عبد الله ، ثنا سفيان قال : حفظنا من في الزهري قال : حدثني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - في قصة العسيف وفي آخره :" فإن اعترفت فارجمها " . فاعترفت فرجمها . قلت لسفيان : لم يقل : على ابني الرجم .

[ ص: 205 ] فقال : ( أشك ) فيها من الزهري ، فربما قلتها وربما سكت .

ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال عمر - رضي الله عنه - : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا إن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف - قال سفيان : كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده .

الشرح :

فيه أحكام :

أحدها : الترافع إلى السلطان الأعلى فيما قد قضى فيه غيره ممن هو دونه إذا لم يوافق الحق .

ثانيها : فسخ كل صلح ، ورد كل حكم وقع على خلاف السنة .

ثالثها : أن ما قبضه الذي قضى له بالباطل لا يصلح له ملكه .

رابعها : أن العالم قد يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه ، ألا ترى أنه سأل والشارع بين أظهرهم ، وكذلك كان الصحابة يفتون في زمنه .

خامسها : في سؤاله أهل العلم ، ورجوعه إلى الشارع دليل على أنه يجوز للرجل أن لا يقتصر على قول واحد من العلماء .

سادسها : جواز قول الخصم للإمام العدل : اقض بيننا بالحق . حيث قال : اقض بيننا بكتاب الله . وقد علم أنه لا يقضي إلا بما أمره الله ، ولم ينكر ذلك عليه ، وقال الملكان لداود - عليه السلام - : فاحكم بيننا بالحق [ ص : 22 ] وذلك إذا لم يرد السائل التعريض .

[ ص: 206 ] وقوله : ( وكان أفقههما ) يعني - والله أعلم - لاستئذانه - عليه السلام - في الكلام وترك صاحبه لذلك تأكيدا .

واختلف العلماء في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : الرجم في قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب الآية [ النور : 8 ] ، فالعذاب الذي تدرؤه الزوجة عن نفسها باللعان هو الذي يجب عليها بالبينة أو بالإقرار [ أو ] بالنكول عن اللعان ، وقد بين الشارع آية الرجم في الثيب برجم ماعز وغيره .

وقال آخرون : الرجم مما نسخ من القرآن خطه وثبت حكمه .

وقال آخرون : معنى قوله :" لأقضين بينكما بكتاب الله " أي : بحكم الله وبفرضه ، وهذا سائغ في اللغة ، قال الله تعالى : كتاب الله عليكم [ النساء : 24 ] أي : حكمه فيكم وقضاؤه عليكم ، ومنه قوله تعالى : أم عندهم الغيب فهم يكتبون [ الطور : 41 ] أي : يقضون ، وكذلك قوله كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] وكل ما قضى به الشارع فهو حكم الله .

وفيه : أنه - عليه السلام - لم يجعلهما قاذفين حين أخبراه ، وليس في الحديث أنه سأل ( ابن ) الرجل هل زنى وهل صدقا عليه أم لا ؟ ، ولكن من مفهوم الحديث أنه أقر ؛ لأنه لا يجوز أن يقام الحد إلا بالإقرار أو بالبينة ، ولم يكن عليهما بينة لقوله :" فإن اعترفت فارجمها " .

وفيه : النفي والتغريب للبكر الزاني ، خلافا لأبي حنيفة في إسقاط النفي عنه ، وسيأتي أقوالهم فيه في مواضعه .

[ ص: 207 ] وفيه : رجم الثيب بلا جلد على ما ذهب إليه أئمة الفتوى في الأمصار ، وقد سلف .

وفيه : أيضا استماع الحاكم بينة أحد الخصمين وصاحبه غائب ، وفتياه له دون خصمه ، ألا ترى أنه - عليه السلام - قد أفتاهما والمرأة غائبة وكانت إحدى الخصمين .

وفيه : تأخير الحدود عند ضيق الوقت ؛ لأنه - عليه السلام - أمره بالغدو إلى المرأة ، فإن اعترفت رجمها ، ويحتمل أنه كان غدوه بلا تأخير .

وفيه : إرسال الواحد في تنفيذ الحكم .

وفيه : إقامة الحد على من أقر على نفسه مرة واحدة ؛ لأنه - عليه السلام - لم يقل لأنيس فإن اعترفت أربعا . وقد سلف قريبا ما فيه .

وفيه : دليل على صحة قول مالك وجمهور الفقهاء أن الإمام لا يقوم بحد من قذف بين يديه حتى يطلبه المقذوف ؛ لأن له أن يعفو عن قاذفه أو يريد سترا .

ألا ترى أنه قال بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فقذفها ، فلم يقم عليه الحد ؛ لأنها لما اعترفت بالزنا سقط حكم قذفها ، ومثله حديث العجلاني حين رمى امرأته برجل فلاعن بينه وبين امرأته ؛ لأنه لم يطلبه بحده ، ولو طلبه به لحد ، إلا أن يقيم البينة على ما قال ، والمخالف في هذه المسألة هو ابن أبي ليلى ، فإنه يقول : إن الإمام يحد القاذف وإن لم يطلبه المقذوف . وقوله خلاف السنن الثابتة ، وسيأتي ما بقي من معاني هذا الحديث بعد هذا في

[ ص: 208 ] مواضعه - إن شاء الله تعالى - وكذلك حديث ابن عباس يأتي الكلام عليه في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى .

وقد اختلف العلماء فيمن أقر بالزنا بامرأة معينة وجحدت المرأة ، فقال مالك : يقام عليه حد الزنا ، وإن طلبت حد القذف أقيم عليه أيضا ، وكذلك لو أقرت هي وأنكر هو .

وقال أشهب : يحد للزنا دون القذف ؛ لأنه لا يخلو أن يكون صادقا أو كاذبا فالأول لا يحد لقذفه ، وإلا حد للقذف دون الزنا ، فعلى أي وجه كان يجمع عليه الحدان .

وقال الأبهري : بل ثم قسم ثالث ، وهو أن يكون مكرها لها على الزنا فيكون صادقا في إقراره على نفسه كاذبا في قذفه ، فيجتمع الحدان .

وقال أبو حنيفة والأوزاعي : عليه حد القذف ، ولا حد عليه للزنا .

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي : من أقر منهما فإنما عليه حد الزنا فقط .

[ ص: 209 ] حجة مالك أن حد الزنا واجب عليه بإقراره ، وليس إقراره دليلا على صدقه على المقذوف ؛ لأنا لو علمنا صدقه ببينة أو بإقرار المرأة لم يجب عليه الحد ، فلما لم يكن إلى البينة ولا إلى الإقرار سبيل وجب لها أن تطلب حقها من القاذف ، كما لو أقر رجل أن زوجته أخته لحرمت عليه ، ولم يثبت نسبها بقوله وحده .

وحجة أبي حنيفة والأوزاعي أيضا أنه لما قذفها ولم يأت بأربعة شهداء لزمه حد القذف للآية ، فلما حد لها استحال أن يحد في الزنا ، فحكمنا لها بالإحصان ، وأيضا فإنه لا يجوز أن يجتمع حدان أبدا ، فإذا اجتمعا ثبت إلزامهما ، وإنما كان عنده حد القذف ألزم من حد الزنا ؛ لأنه من أقر على نفسه بالزنا ثم رجع فإنه يقبل رجوعه ، ومن قذف أحدا لم ينفعه الرجوع ، وكذلك من وجب عليه حد الزنا ، ( والقذف ) وكان عليه القتل ، فإنه يحد القذف ويقتل ، ولا يحد الزنا .

حجة الشافعي : أنا قد أحطنا علما أنه لا يجب عليه الحدان جميعا ؛ لأنه إن كان زانيا فلا حد عليه للقذف ، وإن كان قاذفا لمحصنة فليس بزان ، وهو قاذف ، فحده القذف ، وإنما وجب عليه حد الزنا ؛ لأن من أقر على نفسه وهو مدع فيما أقر به غيره ، فلذلك لم يقبل قوله عليها ، ويؤخذ بإقراره على نفسه .

فصل :

العسيف : هو الأجير ، كما قاله مالك .

[ ص: 210 ] قال ابن عبد البر : وقد يكون العبد ويكون السائل .

وزاد في " المحكم " في العسيف : الأجير المستهان به . قال : وقيل : هو المملوك المستهان ، وقيل : كل خادم عسيف ، والجمع عسفاء على القياس ، وعسفة على غير قياس ، وفي " شرح الموطأ " لعبد الملك بن حبيب السلمي : العسيف : الغلام الذي لم يبلغ الحلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية