التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6442 [ ص: 211 ] 31 - باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

6830 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى ، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها ، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين ، اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان ؟ يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا ، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت .

فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم . قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل ، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت متمكنا ، فيعي أهل العلم مقالتك ، ويضعونها على مواضعها . فقال عمر : أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .

قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس ، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولن العشية : مقالة لم يقلها منذ استخلف ، فأنكر علي وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله . فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله قال : أما بعد ، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها

[ ص: 212 ] فلا أحل لأحد أن يكذب علي ، إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم - ألا ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"
لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا : عبد الله ورسوله " . ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلانا . فلا يغترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر : يا أبا بكر ، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار . فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا ما تمالى عليه القوم فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم . فقلت : والله لنأتينهم .

فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة . فقلت : ما له ؟ قالوا : يوعك . فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم - معشر المهاجرين - رهط ، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر . فلما سكت

[ ص: 213 ] أردت أن أتكلم ، وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدى أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك . فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم . فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن . فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش .

فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى فرقت من الاختلاف . فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر . فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ، ثم بايعته الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة . فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . قال عمر : وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا .
[ انظر : 2462 - مسلم : 1619 - فتح 12 \ 144 ]


كأنه يريد - والله أعلم باب : هل يجب على الحبلى رجم أم لا ؟

ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف . . الحديث بطوله .

[ ص: 214 ] وموضع الحاجة منه : إذا أحصن من النساء والرجال ، إذا قامت البينة أو ( كان ) الحبل أو الاعتراف .

والكلام عليه من وجوه - تجمع صورا من العلم :

أحدها : معنى قوله : ( كنت أقرئ رجالا من المهاجرين ) يعني : القرآن ، وهو يدل على أن العلم يأخذه الكبير عن الصغير ، لأن ابن عباس لم يكن في المهاجرين ؛ لصغر سنه . وأغرب الداودي فقال : يعني يقرأ عليهم ويلقنونه . قال : وكان في وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما حفظ المفصل من المهاجرين والأنصار وأخذ عنهم الحديث . قال : كنت آتي باب الرجل من الأنصار فأجلس ثم أنصرف ولا أدخل ؛ إجلالا للعلم ولو شئت لدخلت . لا جرم اعترضه ابن التين فقال : هذا خروج عن الظاهر بل عن النص ؛ لأن قوله : ( أقرئ رجالا ) : أعلمهم وأقرئهم القرآن .

ووقع في كلام بعض الشراح أن في " الغرائب " للدارقطني : هو عبد الرحمن بن عوف . وهذا قصده ، فهو في البخاري كما أسلفناه .

وقال الكوفيون : ترجم بعد الوضع على ما رواه عمران بن حصين : أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أنها زنت ، فأمر بها أن تقعد حتى تضعه ، فلما وضعته أمر برجمها وصلى عليها ، وقيل : إن رأى الإمام أن يسترضع له فعل ، وإن رأى أن يؤخرها فعل .

واختلفوا في المرأة توجد حاملا لا زوج لها ، فقال مالك : إن قالت : استكرهت أو تزوجت ، لا يقبل منها ، ويقام عليها الحد إلا أن

[ ص: 215 ] تقيم بينة على ما ادعته من ذلك أو تجيء تدمي أو استغاثت أو استعانت حتى أتت وهي على ذلك .

وقال ابن القاسم : إن كانت غريبة طارئة فلا حد عليها . وقال ابن التين : مذهب مالك أنها تحد . وقال محمد : لا يجب حد الزنا إلا بالإقرار ، ولا رجوع بعده حتى تحد ، أو بشهادة أربعة على الرؤية ، وبظهور حمل بامرأة غير طارئة لا يعلم لها نكاح ولا ملك ، هذا قول مالك وأصحابه ، وكلام محمد معارض في الحضر ، وحقه زيادة : ولا إكراه ولا خطأ . وقال الكوفيون والشافعي : لا حد عليها إلا أن تقر بالزنا ، أو تقوم عليها بينة ، ولم يفرقوا بين طارئة وغيرها ، واحتجوا بحديث :" ادرءوا الحدود بالشبهات " .

وحجة مالك قول ( عمر )- رضي الله عنه - في الحديث : ( الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن ، إذا قامت البينة . .) إلى آخره . فسوى بين البينة والإقرار ، وبين وجود الحبل ، في أن ذلك كله موجب للرجم .

وقد روي مثل هذا القول عن عثمان وعلي وابن عباس ، ولا مخالف لهم في الصحابة .

وروي عن عمر أيضا في امرأة ظهر بها حمل ، فقالت : كنت نائمة فما أيقظني إلا الرجل وقد ركبني . فأمر أن ترفع إليه في الموسم وناس من قومها ، فسألهم عنها فأثنوا عليها خيرا ، فلم ير عليها حدا وكساها ، وأوصى بها أهلها ، وقال به بعض متأخري المالكية .

[ ص: 216 ] ( ثالثها ) : قول القائل : ( لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا )- يعني رجلا من الأنصار ؛ لأنه لم ير الخلافة في قريش مكتوبة في القرآن ، فعرفه عمر أن ثبوت ذلك بالسنة .

وفيه : أن رفع مثل الخبر إلى السلطان واجب ؛ لما يخاف من الفتنة على المسلمين ، ألا ترى إنكار عمر - رضي الله عنه - تلك المقالة ، وقال : لم نعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش . والمعروف : هو الشيء الذي لا يجوز خلافه ، وهذا يدل أنه لم يختلف في ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو اختلف فيه لعلم الخلاف فيه .

والمعروف : ما عرفه أهل العلم وإن جهله كثير من غيرهم ، كما أن المنكر : ما أنكره أهل العلم . والدليل على أن الخلافة في قريش أحاديث كثيرة ، منها قوله - عليه السلام - :" الأئمة من قريش " .

ومنها أنه - عليه السلام - أوصى بالأنصار من ولي من أمر المسلمين أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ، فأخبر أنهم مستوصى بهم محتاجون أن يقبل إحسانهم ويتجاوز عن مسيئهم .

[ ص: 217 ] وفيه : دليل واضح أنهم ليس لهم في الخلافة حق ، ولذلك قال عمر : إني لقائم العشية فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ، فالغصب لا يكون إلا أخذ ما لا يجب ، وإخراج الأمر عن قريش هو الغصب .

رابعها : في قول ابن ( عوف ) لعمر حين أراد أن يقوم في الموسم دليل على جواز الاعتراض على السلطان في الرأي إذا خشي من ذلك الفتنة واختلاف الكلمة .

خامسها : قول ابن عوف : ( يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ) . الرعاع - بفتح الراء - : الشباب الأوغاد ، ذكره في " الصحاح " واحدها : رعاعة ، والغوغاء - ممدود - : سفلة الناس وأخلاطهم ، وأصله الجراد حين يخف للطيران ، ثم استعير للسفلة من الناس والمسرعين إلى الشر ، ويجوز أن تكون الغوغاء : الصوت والجلبة ؛ لكثرة لغطهم وصياحهم . وفي حديث علي : وسائر الناس همج رعاع . والهمج : رذالة الناس ، وذباب صغير يسقط على وجوه الغنم والحمير ، وقيل : هو البعوض . فشبه به رعاع الناس ، يقال : هم همج هامج . على التأكيد .

وقوله قبله : ( يريدون أن يغصبوهم على أمرهم ) الغصب : أخذ ما لا يجب . وإخراج الأمر عن قريش غصب .

[ ص: 218 ] وروي - كما قال ابن التين - بالعين المهملة والصاد ، قال : ولعله من قولهم فلان أعصب . أي : لا ناصر له . والمعصوب : الضعيف . ومن قولهم : عصبت الشاة إذا انكسر أحد قرنيها وأعصبتها أنا . وقيل : هي التي انكسر قرنها الداخل ، وهو المشاش .

وقال الداودي : معناه : يغصبونهم أمرهم ، يعني : من غير مشورة ، وإنما كان الأمر مستقيما كلما مات خليفة اختاروا منهم ، فلما صار الأمر إلى السلف عاد ملكا .

وقوله : ( يغلبون على قربك ) أي : على القرب منك عند الاجتماع والمزاحمة ، وروي بالنون ، أي : مثلك . وذكره ابن التين أولا : على قربك ، وفسره بما سلف ، ثم قال : وروي بالنون ، وروي بالباء .

خامسها : قال ابن عوف : ( وأن لا يعوها ولا يضعوها على مواضعها ) ، يدل أنه لا يجب أن يوضع دقيق العلم إلا عند أهل الفهم له والمعرفة بمواضعه دون العوام والجهلة .

وقوله : ( يطيرونها عند كل مطير ) أي : تتأول على غير وجهها .

وفيه : دليل أنه لا يجب أن يحدث بحديث يسبق منه إلى الجهال الإنكار لمعناه ، لما يخشى من افتراق الكلمة في تأويله .

سادسها : قوله : ( فأمهل حتى تقدم المدينة . .) إلى آخره . فيه : دليل على أن أهل المدينة مخصوصون بالعلم والفهم ، ألا ترى اتفاق عمر مع عبد الرحمن على ذلك ورجوعه إلى رأيه .

وفيه : الحض على المسارعة إلى استماع العلم ، وأن الفضل في القرب من العالم .

[ ص: 219 ] سابعها : قوله : لسعيد بن زيد ( ليقولن العشية مقالة لم يقلها ) أراد به أن ينبهه ليحضر فهمه لذلك ، وأما إنكار سعيد عليه فلعلمه باستقرار الأمور من السنن والفرائض عندهم .

وقوله : ( فمن عقلها ووعاها فليحدث بها ) يعني : على حسب ما وعى وعقل .

وفيه : الحض لأهل الفهم والضبط للعلم على تبليغه ونشره ، وفي قوله : ( ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي ) النهي لأهل التقصير والجهل عن الحديث بما لا يعلمونه ، ولا ضبطوه .

وقوله قبل ذلك : ( فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ) . يقال : جاء في عقب الشهر ، وعلى عقبه . بفتح العين وكسر الباء إذا جاء وقد بقي منه بقية ، ويقال : جاء في عقب الشهر ، وفي عقبه . . بضم العين وإسكان القاف إذا جاء بعد تمامه .

وقوله بعده : ( فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس ) .

فيه : دلالة لمن قال : إن الساعات المذكورة في قوله :" من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب . . ." كذا إلى آخره . أن ذلك في الساعة السابعة ، وهو وجه عندنا وقول مالك ، والأصح عندنا : إنها من أول النهار ، وبه قال ابن حبيب منهم .

وقوله لسعيد بن زيد : ( ليقولن العشية مقالة ) . أراد أن ينبهه ليحضر فهمه على ما يقوله : لعلمه باستقرار الأمور من الفرائض والسنن .

وفيه : دليل أن ( عشية ) : من الرواح إلى الليل .

[ ص: 220 ] وقوله : ( لعلها بين يدي أجلي ) قال الداودي : يريد عند أجلي ، وكان كذلك ، ومات في ذلك الشهر وكان رأى رؤيا أن ديكا نقره في بطنه ثلاث نقرات ، فقيل له : علج يطعنك . وقال كعب : والله لا ينسلخ ذو الحجة حتى يدخل الجنة .

ثامنها : إدخاله في هذا الحديث آية الرجم ، وأنها نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرئت وعمل بها ، ثم قوله : ( لا ترغبوا عن آبائكم ) . أنه كان أيضا من القرآن ورفع خطه وبقي ( حكمه ) ، فمعنى ذلك أنه لا يجب لأحد أن يتنطع فيما لا نص له فيه من القرآن ، وفيما لا يعلم من سنته ، ويقرر برأيه ، فيقول ما لا يحل له بما سولت له نفسه الأمارة بالسوء ، وبما نزغ به الشيطان في قلبه حتى يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة ( عنه كما ) تنطع الذي قد قال : لو قد مات عمر لبايعت فلانا . لما لم يجد الخلافة في قريش مرسومة في الكتاب ، فعرفه عمر أن الفرائض والقرآن منه ما ثبت حكمه عند أهل العلم به ورفع خطه ، فلذلك قدم عمر هاتين القضيتين اللتين لا نص لهما في القرآن ، وقد كانتا فيه ، ولا يعلم ثبات حكمهما إلا أهل العلم ، كما لا يعرف أهل بيت الخلافة ( ولمن ) تجب إلا من عرف مثل هذا الذي يجهله كثير من الناس .

تاسعها : في قول عمر - رضي الله عنه - : ( أخشى إن طال بالناس زمان ) دلالة على دروس العلم مع مرور الزمان ، ووجود الجاهلين السبيل إلى التأويل بغير علم فيضلوا ( ويضلوا ) كما قال - عليه السلام - .

[ ص: 221 ] ومعنى ( كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) . أي : ( كفر ) حق ونعمة . قوله : (" لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم ") أي : لا تمدحوني مدح النصارى عيسى ، جعله بعضهم إلها مع الله ، وجعله بعضهم ولده ، ولذلك قال :" وقولوا : عبد الله ورسوله " عرفهم ما خشي عليهم جهله والغلو فيه كما صنعته النصارى في قولهم في عيسى أنه ابن الله ، تعالى الله عن ذلك .

عاشرها : قوله : ( إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ) . وقول عمر ( أنها كانت - كذلك - فلتة ) . قال أبو عبيد : معنى الفلتة : الفجأة ؛ وإنما كانت كذلك لأنها لم ينتظر بها العوام ، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين وعامة الأنصار إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم ، ثم أصغوا له كافتهم لمعرفتهم أنه ليس لأبي بكر منازع ولا شريك في الفضل ، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ولا مشاورة ، فلذلك كانت فلتة وقى الله بها الإسلام وأهله شرها .

وقال الداودي : كانت فجأة من غير مشورة ( ( . . .) من غير مشورة ) .

وقال الكرابيسي في قولهم : كانت فلتة ؛ لأنهم تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار وبايعوا الصديق بحضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه ،

[ ص: 222 ] فقال قائل منهم : منا أمير ومنكم أمير . وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " الخلافة في قريش " ، فإما بايعناهم على ما لا يجوز لنا ، وإما قاتلناهم على ذلك ، فهي الفلتة .

ألا ترى قول عمر - رضي الله عنه - : ( والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من بيعة أبي بكر ، ولأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ) ، فهذا يبين أن قول عمر : ( كانت فلتة ) . لم يرد مبايعة أبي بكر ، وإنما أراد ما وصفه من خلافة الأنصار عليهم وما كان من أمر سعد بن عبادة وقومه .

وقول عمر - رضي الله عنه - : ( قتل الله سعدا ) ولو علموا في أبي بكر شبهة وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافا لما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة ، ولو استجازوه ما أجازه الآخرون إلا لمعرفة منهم به متقدمة ، ويدل على ذلك ما رواه النسائي من حديث سالم بن عبيد - وذكر موته - عليه السلام - قال : خرج أبو بكر فاجتمع المهاجرون يتشاورون بينهم ، ثم قال : انطلقوا إلى إخواننا الأنصار ، فقالت : منا أمير ومنكم أمير . فقال عمر - رضي الله عنه - : سيفان في غمد إذا لا يصطلحان . ثم أخذ بيد أبي بكر فقال : من له هذه الثلاث : إذ يقول لصاحبه لا تحزن من صاحبه ؟ إذ هما في الغار [ التوبة : 40 ] من هما ؟ ثم بايعه الناس أحسن بيعة وأكملها .

فدل هذا الحديث أن القوم لم يبايعوه إلا بعد التشاور والتناظر واتفاق

[ ص: 223 ] الملأ منهم الذين هم أهل الحل والعقد على الرضا بإمامته والتقديم بحقه .

ولقولهم : ( كانت فلتة ) . تفسير آخر : قال ثعلب وابن الأعرابي : الفلتة عند العرب آخر ليلة في الأشهر الحرم يشك فيها ، فيقول قوم هي من شعبان ، ويقول قوم : هي من رجب .

( فصل ) :

وبيان هذا أن العرب كانوا يعظمون الأشهر الحرم ولا يقاتلون فيها ، ويرى الرجل قاتل أبيه فلا يمسه ، فإذا كان آخر ليلة منها ربما شك قوم ، فقالوا : هي من الحل .

وقال بعضهم : من الرحم ، فيبادر الموتور في تلك الليلة فينتهز الفرصة في إدراك ثأره غير معلوم أن ينصرم الشهر الحرام عن يقين ، فيكره تلك الليلة سفك الدماء وشن الغارات ، فشبه عمر - رضي الله عنه - أيام حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان الناس في عهده عليه من اجتماع الكلمة برسول الله "- صلى الله عليه وسلم - ( وشمول ) الألفة ووقوع الأمنة في الشهر الحرام الذي لا قتال فيه ولا نزاع ، وكأن موته شبيهة القصة بالفلتة التي هي خروج من ( الحرام ) ؛ لما نجم عند ذلك من الخلاف وظهر من الفساد ، وما كان من أهل الردة ، ومنع العرب الزكاة ، وتخلف من تخلف من الأنصار جريا منهم على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها ، فوقى الله شرها بتلك البيعة المباركة التي كانت جماعا للخير ونظاما للألفة ،

[ ص: 224 ] وقد روينا في هذا المعنى عن سالم بن عبد الله ، رواه سيف في كتاب البيوع عن مبشر ، عنه قال : قال عمر : كانت إمرة أبي بكر فلتة وقى الله شرها . قلت : ما الفلتة ؟ قال : كان أهل الجاهلية يتحاجزون في الحرم فإذا كانت الليلة التي يشك فيها أدغلوا فأغاروا ، وكذلك كانوا يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدغل الناس من بين مدع إمارة أو جاحد زكاة ، فلولا اعتراض الصديق دونها لكانت الفضيحة ، ذكره الخطابي كما نقله ابن بطال .

قال ابن التين : ولم أره ، والذي رأيت له أنه قال : كانت فجأة من غير مشورة أحد . وقال صاحب " المنتهي " في اللغة : الفلتة : آخر يوم من كل شهر ، وربما سمي آخر يوم من الشهر الحرام فلتة واستشهد لكل منهما . وفي " المحكم " الفلتة : الأمر يقع من غير إحكام ، وافتلت عليه : قضي الأمر دونه ، وأفلت الشيء : أخذته بسرعة . وقال الهروي والجوهري : الفلتة : الفجأة إذا لم تكن عن تدبر ولا تردد . زاد الهروي : وإذا عوجلت خشية انتشار الأمر . والفلتة بفتح الفاء في اللغة وكذا رويناه . قال ابن التين : وروي بالضم .

الحادي عشر : إن قلت : فما معنى قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم ؟ قلت : هذا من جملة فضله أن لا يرى لنفسه فضلا على غيره ، وهذه صفة الخائفين لله تعالى الذين لا يعجبون بعمل ولا يستكثرون له مهج أنفسهم وأموالهم . قال الحسن بن أبي الحسن : والله ما خلق الله

[ ص: 225 ] بعد النبيين أفضل من أبي بكر . قالوا : ولا مؤمن آل فرعون ؟ قال : ولا مؤمن آل فرعون . وروى الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول حين بويع أبو بكر : إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين إذ هما في الغار أبو بكر فبايعوه بيعة العامة .

الثاني عشر : قوله : ( قد خالف عنا علي والزبير ) وليس ذلك بخلاف في الرأي والمذهب ، وإنما هو في الاجتماع والحضور . وقيل : كانوا لجئوا إلى بيت فاطمة ليتشاور الناس ، فخشي الصديق والفاروق إن لم يبادروا بالبيعة أن يبايع الأنصار أحدهم فتكون فلتة .

وقوله : ( واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ) قال الداودي : ما أرى هذه اللفظة تثبت ؛ لأن أكثر الروايات المستفيضة رواها مالك وغيره أن أبا بكر وعمر كانا في بيت عائشة ، فأتى رجل من الأنصار فقال : ليخرج إلي عمر . قيل له : هو مشغول . قال : لا بد أن يخرج ، إنه قد حدث أمر ، فخرج إليه فقال : إن الأنصار اجتمعوا ليؤمروا أحدهم ، فأدركوا الأمر . فقال عمر لأبي بكر : اعزم ، فخرجا فلقيا أبا عبيدة فسارا فكان أبو بكر بينهما ، فلقيهما رجلان من الأنصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدي فقالا : أين تريدون ؟ فقالوا : إخواننا الأنصار بلغنا ما استقلوا به ، فقالا : امضوا لأمركم . فقالوا : لا بد أن نأتيهم . وفي إشارة عمر على الصديق أن يأتي الأنصار دليل على أنه إذا خشي من قوم فتنة أن لا يجيبوا إلى الإقبال إلى من فوقهم أن ينهض إليهم من فوقهم ، ويبين لجماعتهم الحق قبل أن يحكم بذلك الرأي ويقضي به ، ألا ترى إلى إجابة أبي بكر إلى ذلك وهو الإمام .

الثالث عشر : قول الرجلين من الأنصار : ( لا عليكم ألا تقربوهم اقضوا أمركم ) .

[ ص: 226 ] فيه : دلالة أن الأنصار لم تطبق على دعواها في الخلافة ، وإنما ادعى ذلك الأقل ، وهذان معن بن عدي بن الجد بن العجلان أخو عاصم ، وعويم بن ساعدة .

وقول الأنصار : ( نحن كتيبة الله ) لا ينكر ذلك من فضلهم كما قال الصديق : ( ولكن لا يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ) أي : لا يخرج هذا الأمر عنهم .

وقوله ( أوسط العرب نسبا ) أي : أعدل وأفضل ، منه قوله تعالى : أمة وسطا [ البقرة : 143 ] أي : عدلا .

الرابع عشر : قول الصديق : ( قد رضيت لكم أحد الرجلين ) هو من طريق الأدب خشي أن يزكي نفسه بعد ذلك عليه .

وقوله : ( أحد ) يدل أنه لا يكون للمسلمين أكثر من إمام واحد ، وقد صح - عليه السلام - قال :" إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " يعني : اخلعوه واجعلوه كمن قتل ومات بأن لا تقبلوا له قولا ولا تقيموا له دعوة حتى يكون في أعداد من قتل وبطل .

وفيه : جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان من أهل الغناء والكفاية ، وقد قدم الشارع أسامة على جيش فيهم أبو بكر وعمر .

[ ص: 227 ] وقول عمر : ( لم أكره من مقالته غيرها ) . يعني : إشارته بالخلافة إلى عمر لما ذكر أن يقوم لضرب عنقه أحب إليه من التأمير والتقدم للخلافة بحضرته .

وقوله : ( إلا أن تسول لي نفسي ) محافظة لما حلف عليه ولمعرفته بالله من تقليب القلوب فأخذ في هذا بأبلغ العذر .

الخامس عشر : قول الحباب بن المنذر : ( أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب ) .

قال الأصمعي فيما حكاه أبو عبيد : الجذيل : تصغير جذل ، ( وأجذل ) بفتح الجيم وكسرها ، وهو أصل الشجر كما قاله القزاز ، أو أصول الحطب العظام كما قاله الجوهري ، وهو هنا عود ينصب للإبل الجرباء تحتك به من الجرب ، فأراد أن يستشفي به كما كانت الإبل تستشفي بالاحتكاك بذلك العود . وقال غيره : أخبر أنه شديد المعارضة غليظ الشكيمة ثبت القدر صلب الكسر ، ويقال : معناه أنا دون الأنصار جذل حكاك ، وكقول الرجل لصاحبه : أجذل عن القوم . أي : خاصم عنهم .

والعذيق : تصغير عذق بكسر العين ، والذي بالفتح النخلة نفسها فأينما مالت النخلة الكريمة بنوا ناحية ميلها بناء مرتفعا يدعمها ؛ لكيلا تسقط ، وكذا في القنو ، فذلك الترجيب ، ولا يرجب إلا كريم النخل . والترجيب : التعظيم ، يقال : رجبت الرجل رجبا : عظمته ،

[ ص: 228 ] ومنه سمي رجب ؛ لأنه كان يعظم ، ومنه الحديث :" ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " ، وأضاف رجبا إلى مضر ؛ لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم كأنهم اختصوا ، ومنه سمي رجب وقد يكون ترجيبها بأن يجعل حولها شوك ؛ لئلا يترقى إليها ، ومن الترجيب أن يعمد بخشبة ذات شعبتين ، والرجبية من النخل فنسبوه إليها .

قال الشاعر :

فليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح



بسنهاء وزنه مفاعيل لكنه مكفوف ، وكأنه أراد به مشرف معظم في قومه ويدفع الجماعة به ، وإنما صغرهما فقال : عذيق وجذيل على وجه المدح ، وإنما وصفهما بالكرم .

السادس عشر : وقول عمر لأبي بكر - رضي الله عنهما - : أبسط يدك لأبايعك ، وإجابة أبي بكر له بعد أن قال : ( قد رضيت لكم أحد هذين ) ، دليل على أنه لم يحل له أن يتخلف عما قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدليل من الصلاة ، وهي عمدة الإسلام ، وقوله للمرأة :" إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .

فإن قلت : كيف جاز له أن يجعل الأمر في أحدهما وقد علم بالدليل الواضح استخلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ؟

[ ص: 229 ] قيل : ليس في قوله ذلك تخلية له من الأمر إذ كان الرضا موقوفا عليه والاختيار إليه ، وليس ذلك بمخرجه أن يرى نفسه أهلا لها ، ( وإنما تأدب إذ لم يقل : رضيت لكم نفسي ، فلم يجز أحدهما أن يرى نفسه أهلا لها ) في زمن فيه أبو بكر ، وقد روي أن عمر قال لهم : أيكم تطيب نفسه أن يؤخر أبا بكر عن مقام أقامه فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت الأنصار بأجمعهم : لا . ولذلك قال عمر : ( إنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر ) يعني : في قطع الخلاف

وبرضي الجماعة به وإقرارهم بفضله .

السابع عشر : قوله : ( ونزونا على سعد بن عبادة ) أي : درسناه دروسا عليه في متابعته إلى البيعة ، والنزوان : الدنو .

الثامن عشر : فيه : الدعاء على من يخشى منه الفتنة . وقال الخطابي : ( معنى ) قوله : ( قتل الله سعدا ) . أي : اجعلوه كمن قتل واحسبوه في عداد الأموات ولا تعتدوا لمشهده ، وذلك أن سعدا أراد في ذلك المقام أن يبعث أميرا على قومه على مذهب العرب في الجاهلية أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها ، وكان حكم الإسلام خلاف ذلك ، فرأى عمر إبطاله بما غلظ من القول وأشنعه ، وكل شيء أبطلت فعله وسلبت قوته فقد قتلته وأمته ، وكذلك : قتلت الشراب : إذا مزجته لتكسر شدته .

التاسع عشر : قوله : ( وليس فيكم من تقطع الأعناق له مثل أبي بكر ) .

يريد أن السابق منكم لا يلحق شأوه في الفضل ولا يكون أحد مثله ؛ لأنه أسبق من السابقين ، فلذلك مضت بيعته على كل حال فجأة ، ووقى

[ ص: 230 ] الله شرها ، فلا يطمع أحد بعده في مثل ذلك ، ولا يبايع إلا على مشورة واتفاق كلمة . ويقال للفرس الجواد : تقطعت أعناق الخيل إليه فلم تلحقه .

وقوله : ( على غير مشورة ) هي بضم الشين .

العشرون : قوله : ( تغرة أن يقتلا ) . ( تغرة ) مصدر غررته : إذا لقيته في الغرر ، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : خوف تغرة أن يقتلا . أي : خوف وقوعهما في القتل ، فحذف المضاف الذي هو الخوف وأقام المضاف إليه الذي هو ( تغرة ) مقامه ، وانتصب على أنه مفعول له ، ويجوز أن يكون قوله : ( أن يقتلا ) معناه : خوف تغرة قتلهما .

قال أبو عبيد : التغرة : التغرير ، غررت بالقوم تغريرا وتغرة . وكذلك يقال في المضاعف خاصة كقولك : حللت اليمين تحليلا وتحلة . قال الخطابي : وسئل سعد بن إبراهيم عن تفسير التغرة فقال : عقوبتهما ألا يؤمر واحد منهما ، وإنما أراد عمر - رضي الله عنه - أن ينعتهما تغريرا بأنفسهما بالقتل وتعريضا له ، فنهاهما عنه ، وأمر ألا يؤمر واحد ؛ لئلا يطمع في ذلك فيفعل به هذا الفعل .

الحادي بعد العشرين : الدافة : القوم يسيرون جماعة سير ليس بالشديد لضعفهم وحاجتهم ، يقال : هم يدفون دفيفا . وقال أبو عمرو : بدال مهملة .

[ ص: 231 ] وقوله : ( فإذا رجل مزمل ) . أي : مغطى ومدثر .

وقوله : ( متوعك ) . أي : ضعيف بالحمى

وقوله : ( يختزلونا من أصلنا ) . أي : يقطعونا ويذهبوا بنا متفرقين . وفي حديث آخر : أرادوا أن يختزلوه دوننا . أي ينفردون به .

وقوله : ( وأن يحضنونا من الأمر ) . أي يخرجوننا ، يقال حضنت الرجل من الشيء وأحضنته : أخرجته منه .

وقوله : ( وكنت زورت مقالة ) هو إصلاح الكلام وتهيئته ، كما قال الأصمعي .

وقال أبو زيد : المزور من الكلام والمزوق واحد ، وهو المحسن المصلح ، وكذلك الخط إذا قومته .

وقوله : ( فلا يبايع هو ) بالياء ، وروي يتابع . والمراد ما سلف من قوله : ( أنتم رهط دفت دافة من قومكم ) . يريد : إنكم قوم غرباء طراة أقبلتم من مكة إلينا وأنتم نفر يسير بمنزلة الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة .

وقول عمر : ( كنت أداري بعض الحد ) . يعني : الحدة . هو بالحاء المهملة .

وقوله : ( ابسط يدك يا أبا بكر ) . فأجابه لذلك بعد قوله : ( رضيت لكم أحد هذين الرجلين ) . دليل على أنه لم يحل له أن يتخلف عما قدمه إليه الشارع .

التالي السابق


الخدمات العلمية