التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6444 6833 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام بإقامة الحد عليه . [ انظر : 2315 - مسلم : 1697 - فتح 12 \ 156 ]


ثم ساق حديث زيد بن خالد الجهني قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام .

قال ابن شهاب : وأخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غرب ، ثم لم تزل تلك السنة .

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه .

الشرح :

تفسير ابن عيينة رويناه في " تفسيره " ، وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع ، عنه ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بزيادة : يقطع

[ ص: 233 ] ولا يعطل . وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - اختصره هنا ، وسيأتي على الإثر مطولا ، وكذا حديث زيد بن خالد ، وهذه الآية وهي الزانية والزاني فاجلدوا ناسخة لقوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية [ النساء : 15 ] ولقوله واللذان يأتيانها منكم فآذوهما [ النساء : 16 ] فكل من زنا منهما أوذي إلى الموت . قال مجاهد : بالسب ، ثم نسخ ذلك بهذه الآية .

قال النحاس : ولا اختلاف في ذلك بين المفسرين ، ثم اختلفوا هل هذه الآية خاصة في الأبكار أو عامة في كل شيء وتضرب الثيب ثم ترجم ؟

وقد سلف عن ابن عيينة وغيره : الرأفة : إقامة الحدود ، يريد : لا يرتفق بهم فيعطوا إقامة الحدود الواجبة ، وقد أسلفناه عن مجاهد . وقاله عطاء أيضا ، فالمعنى : لا ترحموهم فتتركوا الحد .

فصل :

والطائفة في الآية أربعة كما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - . قال الزجاج : ولا يجوز أن تكون الطائفة واحدا ؛ لأن معناها معنى الجماعة ، ( والجماعة ) لا تكون أقل من اثنين . وقال غيره : لا يمنع ذلك على قول أهل اللغة ؛ لأن معنى طائفة قطعة ، يقال : أكلت طائفة من الشاة . أي : قطعة منها . وروي عن مجاهد في قوله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [ الحجرات : 9 ] أنهما كانا رجلين .

[ ص: 234 ] فصل :

قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أصلها أنه كان في الجاهلية نساء يزنين فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ، فنزلت ، قاله مجاهد والزهري وقتادة ، وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله .

وروي عن ابن عباس : النكاح هنا : الجماع ، وعنه أيضا : لا يزني . وقيل : لا يزني مكتسب الزنا إلا بزانية حراما فيكونان زانيين ، أو حلالا فيكونان كافرين .

وعن ابن المسيب وغيره أنها منسوخة بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] فدخلت في الأيامى وقوله وحرم ذلك على المؤمنين [ النور : 3 ] .

فصل :

في الحديث تغريب البكر مع الجلد ، وكذا في حديث العسيف ، وهو حجة على أبي حنيفة ومحمد في ( إنكاره ) التغريب ، وعند مالك تنفى البكر الحر ، ولا تغرب المرأة ولا العبد .

وقال الثوري والأوزاعي والشافعي : تغرب المرأة والرجل .

واختلف قول الشافعي في نفي العبد . قال ابن المنذر : وهو قول الراشدين - يعني : تغريب البكر بعد جلده - روي عن الخلفاء الأربعة

[ ص: 235 ] وأبي بن كعب وابن عمر ، وبه قال أئمة الأمصار ، وقد قيل : التغريب : بأنه التعزير ، فيرجع إلى رأي الإمام فيه ، إن شاء فعله . ويرد عليه قوله :" لأقضين بينكما بكتاب الله " ، ثم قضى بالتغريب .

قال ابن بطال : وأجمعوا على أن قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا في زنا الأبكار خاصة ؛ لما ثبت في حد الثيب أنه الرجم . وقال عمر - رضي الله عنه - على رءوس الناس كافة : الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن ولم يكن في الصحابة مخالف ، فكان إجماعا . وحجة أبي حنيفة ظاهر القرآن فإنه لا نفي فيه ، وقد سلف الرد عليه ، فلا معنى لقوله بخلاف السنة الثابتة ، ألا ترى أنه أقسم في حديث العسيف :" لأقضين بينكما بكتاب الله "؟! فقضى به على العسيف ، فكان فعله بيانا لكتاب الله ، فهو إجماع الصحابة وعليه عامة العلماء ، فسقط قول من خالفه .

فصل :

اختلف في المسافة التي يغرب إليها ، فروي عن عمر أنه قال : فدك ، ومثله عن ابنه ، وبه قال عبد الملك ، وزادوا إلى ميل الجار من المدينة ، وروي عن علي من الكوفة إلى البصرة . وقال الشعبي : ينفيه من عمله إلى غيره . وقال مالك : يغرب عاما في بلد يحبس فيه ؛ لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه . وعن أحمد إلى قدر ما تقصر فيه الصلاة .

[ ص: 236 ] وقال أبو ثور . إلى ميل وأقل منه . وقال ابن المنذر : يجزئ من ذلك ما يقع عليه اسم النفي قل أو كثر . لا حجة لمن جعل لذلك حدا .

وعندنا لا تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم ، واحتج لمالك أنها لا تغرب خوف هتك حرمتها ، وقد قال - عليه السلام - : ( لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم " وخروج المحرم معها فيه عقوبة لمن لم يزن . وقال بعض متأخريهم : إن كانت العلة الولي فتسافر مع رجال ونساء كما في الحج ، فإن عدم سجنت موضعها عاما ؛ لأن العقوبة التغريب والسجن ، فإذا عدم أحدهما فعل الآخر ، واحتج له في العبد بأنه لا وطن له حتى يعاقب بإخراجه عنه ، فلا حاجة إلى تغريبه إذ حاله يستوي في كل البلاد .

فصل :

واختلفوا في مواضع الضرب والرجم ، قال مالك : الحدود كلها الزنا والخمر والفرية والتعزير لا يضرب إلا في الظهر ، ولا تضرب الأعضاء . وقال أبو حنيفة : تضرب الأعضاء كلها إلا الفرج والرأس والوجه .

[ ص: 237 ] وروي عن عمر وابنه أنهما قالا : لا تضرب الرأس . وقال الشافعي : يتقى الفرج والوجه . وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه - ، وبه قال ابن شعبان ، وأما الفرج إذا لم يحفر للمرجوم فقال الأبهري : ما قدمناه عنه لا يحفر له ؛ لأن الرجم يجب أن يكون على سائر الجسد ، فإذا حفر له غاب شيء من بدنه عن الرجم . وقال الشيخ أبو الحسن في " تبصرته " : لا يضرب - إذا لم يحفر له - رجليه ولا ساقيه ولا بدنه ؛ لأن ذلك تعذيب وليس بتمثيل . واستحسن قول مالك أنه يجلد في الظهر ؛ لقوله - عليه السلام - :" البينة وإلا حد في ظهرك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية