التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6448 [ ص: 248 ] 36 – باب: لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى

6839 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر " . تابعه إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم . [ انظر : 2152 - مسلم : 1703 - فتح 12 \ 165 ]


ثم ساق حديث الليث عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمعه مرفوعا :" إذا زنت الأمة وتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر " . تابعه إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح :

قد أسلفنا الكلام على قوله ( ولم تحصن ) ، قال ابن عبد البر : روى مالك هذا الحديث عن ابن شهاب بهذا الإسناد ، وتابعه يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ، ورواه عقيل عن ( الزهري ) وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله أن شبلا أو شبل بن خالد المزني أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت . . الحديث . إلا أن عقيلا وحده قال : مالك بن عبد الله الأوسي .

وقال الزهري ( وابن أخي الزهري ) : عن عبد الله بن مالك .

[ ص: 249 ] وكذلك قال يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن شبل بن خالد ، عن عبد الله بن مالك ، فجمع يونس الإسنادين جميعا فيه . وانفرد مالك ومعمر بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد .

وقال الدارقطني في " الموطآت " : إلا أن يحيى بن يحيى لم يذكر في حديثه عن مالك : وزيد بن خالد . وجعله عن أبي هريرة وحده ، وقد تابعه غير واحد منهم عبد الوهاب بن عطاء . وفي كتاب أبي قرة : ذكر ابن جريج : أخبرني أبي ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره .

وفي " السنن " للكجي : حدثنا محمد بن كثير ، ثنا سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن ميسرة أبي جميلة ، عن علي قال : زنت جارية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أقيم عليها الحد فإذا هي لم يجف عليها الدم فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :" دعها " فتركتها ، ثم أقمت عليها الحد ، فقال :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قال أبو قرة : ذكر ابن جريج : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة مولى عبد الله أنه أخبره في حديثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا أحدثت الوليدة فاجلدوها - ثلاث مرات - ثم إذا زنت الرابعة فبيعوها ولو بحبل من شعر " .

فصل :

استدل بهذا الحديث من لم يوجب النفي على النساء أحرارا كن أو إماء ولا على العبيد .

[ ص: 250 ] روي ذلك عن الحسن وحماد ، وهو قول مالك والأوزاعي ( وعبد ) الله بن الحسن وأحمد وإسحاق .

وقال الشافعي وأبو ثور : عليهن النفي وعلى الإماء والعبيد ، وهو قول ابن عمر . واحتج الشافعي بعموم قوله - عليه السلام -" من زنى ولم يحصن فعليه حد مائة وتغريب عام " ، فعم ولم يخص ، وبقوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ، والتغريب له نصف ، واحتج عليه مخالفه بحديث الباب حيث لم يذكر فيه ، لأنه محال أن يأمر ببيع من لم يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه إلا بعد مضي ستة أشهر ، وأيضا فإن العبيد والإماء لا وطن لهم كما سلف .

فصل :

وفيه إقامة السيد الحد على عبده ، وهي مسألة خلافية ، قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : نعم في الحدود كلها ، وبه قال جماعة من الصحابة ، وأقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك ، ولا مخالف لهم من الصحابة . وقال الثوري في رواية الأشجعي : يحده المولى في الزنا ، وبه قال الأوزاعي ، وخالف مالك والليث فقال : يحده في الزنا والشرب والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقرار العبد إلا القطع خاصة ، فإنه لا يقطعه إلا الإمام . وقال الكوفيون : لا يقيمها الإمام خاصة ، فإذا علم السيد أن عبده زنى

[ ص: 251 ] يوجعه ضربا ولا يبلغ به الحد ، وهو قول الحسن بن حي ، وحجتهم ما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا : الجمعة والحدود ( والزكاة ) والنفي والحكم إلى السلطان خاصة . واحتج الأول بحديث الباب حيث قال :" فليجلدها " ، وسائر الحدود قياسا على الجلد الذي جعله للسيد . وروي عن ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم أنهم كانوا يقيمون الحدود على عبيدهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة وحجة مالك ظاهر حديث أبي هريرة ، وإنما استثنى القطع ؛ لأن فيه مثلة بالعبد فيدعي السيد أن عبده سرق ليزيل عنه العتق الذي يلزمه بالمثلة على من يراه ، فمنع منه قطعا للذريعة ، وحد الزنا وغيره لا مثلة فيه فلا تهمة عليه ، وقد قال بعض أصحاب مالك : إن للسيد قطعه إذا قامت عليه بينة . وقال ابن المنذر : يقال للكوفيين : إذا جاز ضربه تعزيرا وذلك غير واجب على الزاني ومنع مما ( أطلقته السنة ) ، فذلك خلاف السنة الثابتة . قال الزهري : مضت السنة أن يحد العبد والأمة أهلوهم في الزنا إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه ، وقد سلف حديث :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم .

[ ص: 252 ] فصل :

وقوله (" ولا يثرب ") يدل على أن كل من وجب عليه حد وأقيم عليه أنه لا ينبغي أن يثرب عليه ولا يعدد ، وإنما يصلح التثريب واللوم قبل مواقعة الذنب للردع والزجر عنه .

فصل :

وقوله : (" وليبعها ولو بضفير ") معناه عند الفقهاء الندب والحض على مباعدة الزانية ؛ لما في السكوت على ذلك من خوف الرضا به ، وذلك ذريعة إلى تكثير أولاد الزنا ، وقد قالت أم سلمة : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :" نعم ، إذا كثر الخبث " قال بعض أهل الحديث : الخبث : أولاد الزنا . وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت الرابعة وجلدت ، ولم يقل به أحد من السلف ، وكفى بهذا جهلا ، ولا يشتغل بهذا القول لشذوذه ، وقد نهى الشارع عن إضاعة المال فكيف يأمر ببيع أمة لها قيمة بحبل شعر لا قيمة له ، إنما أراد بذلك النهي عنها والأمر بمجانبتها ، فخرج لفظه على المبالغة في ذلك ، وهذا من فصيح كلام العرب .

فصل :

استنبط بعضهم من هذا الحديث جواز الغبن في البيع وأن المالك الصحيح يجوز له أن يبيع ماله العدد الكبير بالتافه اليسير ، وهو متفق عليه إذا عرف قدر ذلك . واختلف إذا لم يعرف قدره هل يجوز ذلك ، وحد بعض البغاددة بالثلث من الثمن على القول برد ذلك ، واستبعد

[ ص: 253 ] بعضهم هذا الاستنباط ، وإنما المراد أن تشترى هذه الأمة لا يكاد يبذل فيها إلا اليسير ، هذا غالب العادة في شراء المعيب ، ولهذا حض بائعها على ذلك .

فصل :

الضفير هو الحبل ، وعبارة الداودي : بعد ذلك : الذي يضفر على ثلاث فيصير عريضا . وقال أهل اللغة : فحل الشيء من الشعر وغيره عريضا ، والضفيرة : كل خصلة من الشعر على حدتها .

فصل :

سكت عن الجلد لعلم السامع .

فصل :

في تحرير مذهب مالك في إقامة الحد على عبده وأمته حد الزنا والشرب والقذف لا يقيمه إلا السيد قطعا عند إقامة البينة كما قد أسلفناه ، وفي إقراره روايتان في " المبسوط " : نعم ، وفي " المدونة " : لا . وهي ما أسلفناه . وذكر ابن الجلاب عنه في الزنا روايتين هل يقيمه بعلمه وقطع التدبير فيه وقصاصا ، لا خلاف عندهم في المنع إذا لم تقم بينة ، وكذا إذا قامت على المشهور من مذهبهم ، وحكي عن أصحاب مالك نعم ، وقال بعض متأخريهم : لو قيل : إنه لا يعتق عليه إذا قطعه قصاصا مع عدم البينة وإنكار العبد لكان له وجه ، لأن وجود قطع العبد بالقبض ودعواه عليه شبهة بينة للسيد . واختلف إذا كانت الأمة لها زوج في الزنا هل يقيمه السيد إذا شهد عنده أم لا ؟

[ ص: 254 ] فصل :

التثريب : اللوم والتعزير ومنه لا تثريب عليكم [ يوسف : 92 ] واستنبط منه الداودي أن من عير حرة أو أمة بعد أن حدت يؤدب لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية