التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6450 6841 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ما تجدون في التوراة في شأن

الرجم ؟" . فقالوا : نفضحهم ويجلدون .
قال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم . فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها . فقال له عبد الله بن سلام ، ارفع يدك . فرفع يده فإذا فيها آية الرجم . قالوا : صدق يا محمد ، فيها آية الرجم . فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما ، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .
[ انظر : 1329 - مسلم : 1699 - فتح 12 \ 166 ]


ذكر فيه حديث ابن أبي أوفى السالف في باب : رجم المحصن مع متابعاته .

وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في رجم اليهوديين السالف في الرجم بالبلاط قريبا . وفي آخره : ( فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة ) .

[ ص: 256 ] كذا هو في الأصول بالحاء . وفي رواية : ( يجنأ ) بالجيم ، وقد سلف ما فيه . قال الخطابي : الأكثر بالجيم . أي : يميل عليها .

وقد اختلف العلماء في إحصان أهل الذمة ، فقالت طائفة في الزوجين الكتابيين يزنيان ويرفعان إلينا : عليهما الرجم وهما محصنان . هذا قول الزهري والشافعي .

قال الطحاوي : وروي عن أبي يوسف أن أهل الكتاب يحصن بعضهم بعضا ، ويحصن المسلم النصرانية ، ولا تحصنه النصرانية . واحتج الشافعي بحديث الباب وقال : إنما رجمهما ؛ لأنهما كانا محصنين ، وقال النخعي : لا يكونان محصنين حتى يجامعا بعد الإسلام ، وهو قول مالك والكوفيين وقالوا : الإسلام من شرط الإحصان . وقالوا في حديث الباب : إنما رجمهما بحكم التوراة حين سأل الأحبار عن ذلك ، إنما كان من تنفيذ الحكم عليهم لكتابهم التوراة وكان ذلك أول دخوله - عليه السلام - المدينة ، ثم نزل عليه القرآن بعد ذلك الذي نسخ خطه وبقي حكمه بالرجم لمن زنى ، فليس رجمه لهم من باب إحصان الإسلام في شيء ، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بالتوراة ، وكان حكمها الرجم على من أحصن ومن لم يحصن ، وكان على الشارع اتباعه والعمل به ؛ لأن على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي قبله حتى يحدث الله له شريعة تنسخها ، فرجمهما على

[ ص: 257 ] ذلك الحكم ، ثم نسخ الله ذلك بقوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله فأمسكوهن في البيوت الآية [ النساء : 15 ] . فكان هذا ناسخا لما قبله ولم يفرق في ذلك بين المحصن ولا غيره ، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها ، ثم جعل الله لهن سبيلا فقال - عليه السلام - :" خذوا عني " الحديث .

ففرق حينئذ بين حد المحصن وغيره وهذا قول الطحاوي ، ونزل بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم [ العنكبوت : 51 ] فلم يحكم بعد هذه الآية بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه إلا بالقرآن ، إلا أن العلماء اختلفوا في وجوب الحكم بين أهل الذمة على ما أسلفناه ، فروي التخيير فيه عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي ، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي ، وجعلوا قوله تعالى : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [ المائدة : 42 ] محكمة غير منسوخة . وقال آخرون : إنه واجب ، وجعلوا قوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ المائدة : 49 ] ناسخة للتخيير روي عن مجاهد وعكرمة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو الأظهر من قولي الشافعي ، وتأول الأولون قوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت كما سلف واضحا ، وما أسلفناه أن ذلك كان أول دخوله المدينة هو ما في كتاب ابن بطال ، والذي في السير : أن ذلك كان في السنة الرابعة .

[ ص: 258 ] فرع :

قال ابن التين : إذا زنى اليوم أحد من أهل الذمة مكن أهل الذمة منه ، فإن شاءوا رجمه رجموه ما لم يكن عبدا أو أمة لمسلم ، وقد اختلف إذا زنى مسلم بذمية فقال ابن القاسم : ترد إلى أهل ذمتها وقال أشهب ليس لهم رجمها ؛ لأنه - عليه السلام - إنما رجمهما قبل أن يكون لهم ذمة .

فصل :

وقوله : ( نفضحهم ) أي نكشف مساوئهم ، يقال فضحه فافتضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية