التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6454 [ ص: 263 ] 40 – باب: من رأى مع امرأته رجلا فقتله

6846 - حدثنا موسى ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا عبد الملك ، عن وراد - كاتب المغيرة - عن المغيرة قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :" أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني " . [ 7416 - مسلم : 1499 - فتح 12 \ 174 ]


ذكر فيه حديث المغيرة - رضي الله عنه - قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :" أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني " .

الشرح :

قوله ( غير مصفح ) هو بإسكان الصاد وفتح الفاء ، كذا هو مضبوط في الأصول . قال ابن التين : وكذا رويناه اسم مفعول من أصفح . وحكى أبو عبد الملك كسرها أيضا . وفي " الصحاح " : صفحته إذا ضربت عنقه بالسيف مصفحا . أي : بعرضه ، تقول : وجه هذا السيف مصفح . أي : عريض من أصفحته .

وقوله : (" أتعجبون من غيرة سعد ") قال الداودي : يدل على أنه حمد ذلك وأجازه له فيما بينه وبين الله . ( والغيرة ) من أحمد الأشياء ومن لم تكن فيه فليس على خلق محمود . وقال المهلب : هو دال على وجوب القود فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته ؛ لأن الله وإن كان أغير من عباده فإنه أوجب الشهود في الحدود ، فلا يجوز لأحد أن يتعدى حدود الله ولا يسقط دما بدعوى . وفي " الموطأ " نحو هذا

[ ص: 264 ] مبينا من حديث سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال - عليه السلام - :" نعم " . ووجه ذلك أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان .

فصل :

إذا وجد رجل مع امرأته رجلا فلا يخلو من أحوال ثلاثة : إما أن لا يعلم من ذلك من قوله ، فهذا يقتل به إن قتله .

أو تقوم بينة أربعة إصابته إياها ، فإن كان محصنا لم يقتل قاتله ، وإن كان بكرا فقال ابن القاسم ( والمغيرة ) : لا يقاد به وعليه الدية ، خلافا لابن المغيرة . وقال ابن حبيب : يقاد به . وإذا قلنا بوجوب الدية ، فقال ابن القاسم هي على عاقلة الزوج . وقال أصبغ وأشهب : في مال القاتل .

ثالثها : إن أتى من ذلك ( . . .) فقيل : لا يقتل به . وقال محمد : إن ظهر عذره فلا قود عليه إلا أن يكون استأذن عليه ؛ لجواز أن يكون أخدعه حتى أدخله بيته . وقال سحنون : إذا نادى به وأشهد بامرأته أو جاريته ثم قتله بعد ذلك لم يكن عليه شيء قال : وكذلك لو شهد عليه وهو غائب وعلم أن الشهود عليه ، علم بذلك ثم وجده مقتولا في بيته . وعن ابن القاسم نحوه إذا قتله وقتل امرأة نفسه .

[ ص: 265 ] فصل :

وفيه من الفقه قطع الذرائع والتسبب [ في ] قتل الناس والادعاء عليهم بمثل هذا وشبهه ، وفي حديث سعد من رواية مالك : النهي عن إقامة الحدود بغير سلطان وبغير شهود ؛ لأن الله تعالى عظم دم المسلم وعظم الإثم فيه ، فلا يحل سفكه إلا بما أباحه الله تعالى ، وبذلك أفتى علي - رضي الله عنه - فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته . أي : يسلم برمته للقتل ، وعلى هذا جمهور العلماء .

وقال الشافعي وأبو ثور يشهد فيما بينه وبين الله ، قتل الرجل وامرأته إن كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما يوجب الغسل ولا يسقط عنه القود في الحكم . وقال أحمد : ( إن جاء ببينة أنه وجد مع امرأته رجلا وقتله يهدر دمه ) إن جاء بشاهدين ، وهو قول إسحاق ، وهذا خلاف ما أسلفناه من قوله : ( أمهله حتى آتي بأربعة ؟ قال :" نعم ") .

وقال ابن حبيب : إن كان المقتول محصنا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم أربعة شهداء أنه فعل بامرأته ، وإن كان غير محصن فعلى قاتله القود وإن أتى بأربعة شهود ، هذا وجه الحديث عندي . وذكر ابن مزين عن ابن القاسم أن في البكر والثيب سواء . يترك قاتله

[ ص: 266 ] إذا قامت له البينة بالرؤية ، وقال أصبغ عن ابن القاسم وأشهب : أستحب الدية في البكر في مال القاتل ، وهو قول أصبغ كما سلف ، وأسلفنا أيضا عن ابن المغيرة : لا قود عليه ولا دية ، وقد أهدر عمر بن الخطاب دما من هذا الوجه ، روى الليث عن يحيى بن سعيد : أن رجلا فقد أخاه فجعل ينشده في الموسم فقام رجل فقال : أنا قتلته ، فمر به إلى عمر - رضي الله عنه - ، فسأله ، فقال : إني مررت بأخي هذا في بيت امرأة مغيبة وهو يقول :

وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام     أبيت على ترائبها ويسري
على صهباء لاحقة الحزام



فأهدر عمر دمه . وذكر ابن أبي شيبة أن اسم ( المغيب ) أشعث ، وروى الليث أيضا عن يحيى بن سعيد أن زيد بن أسلم أدرك المرأة الهزلية التي رمت ضيفها الذي أرادها على نفسه ، فقتله عجوز كبيرة ، فأخبرته أن عمر أهدر دمه .

وقال ابن مزين : ما روي عن عمر - رضي الله عنه - في هذا أنه ثبت عنده ذلك من عداوتهم وظلمهم ، ولو أخذ بقول الرجل في ذلك بغير بينة لعمد الرجل إلى الرجل يريد قتله فيدعوه إلى بيته لطعام أو حاجة ثم يقتله ويدعي أنه وجده مع امرأته ، فيؤدي ذلك إذا قبل قوله إلى إباحة الدماء وإسقاط القود فيها بغير حق ولا ثبات .

[ ص: 267 ] وقال ابن المنذر : الأخبار عن عمر - رضي الله عنه - في هذا مختلفة وعامتها منقطعة ، فإن ثبت عنه الإهدار فيها فإنما ذلك لبينة ثبتت عنده تسقط الحد .

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن المغيرة بن النعمان عن هانئ بن حزام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما ، قال : فكتب عمر كتابا في العلانية : أن يقتلوه ، وكتابا في السر : أن يعطوه الدية . وروى الأعمش عن ابن وهب أن عمر - رضي الله عنه - أمر بالدية في ذلك .

قال الشافعي : وبحديث علي نأخذ ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم قبلنا مخالفة له . قال ابن المنذر : وقد حرم الله دماء المؤمنين في كتابه إلا بالحق فغير جائز إباحة ما ثبت تحريمه إلا ببينة ، ونهى الشارع سعدا ( أن يقتل ) حتى يأتي بأربعة شهداء ، وفي نهيه له عن ذلك مع مكانه من الثقة والصلاح دليل على منع جميع الناس من قتل من يدعون إباحة قتله بغير بينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية