التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6455 [ ص: 268 ] 41 – باب: ما جاء في التعريض

6847 - حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعرابي فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي ولدت غلاما أسود . فقال :" هل لك من إبل ؟" . قال : نعم . قال :" ما ألوانها ؟" . قال : حمر .

قال " فيها من أورق ؟" . قال : نعم . قال :" فأنى كان ذلك ؟" . قال : أراه عرق نزعه .
قال :" فلعل ابن كهذا نزعه عرق " .
[ انظر : 5305 - مسلم : 1500 - فتح 12 \ 175 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعرابي فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي ولدت غلاما أسود . فقال :" هل لك من إبل ؟" . . الحديث ، وقد سلف في النكاح .

واعترض الداودي ؛ فقال : تبويبه غير معتدل ، ولو قال : ما جاء في ذكر ما يقع في النفوس عندما يرى أو يكره ، لكان صوابا . قلت : والأول صواب أيضا . واختلف العلماء في هذا الباب ؛ فقالت طائفة : لا حد في التعريض ، وإنما يجب الحد بالتصريح البين . روي هذا عن ابن مسعود ، وقاله القاسم بن محمد والشعبي وطاوس وحماد وابن المسيب في رواية والحسن البصري والحسن بن حي ، وإليه ذهب الثوري والكوفيون والشافعي ، إلا أن أبا حنيفة والشافعي يوجبان عليه الأدب والزجر ، واحتج الشافعي بحديث الباب ، وعليه يدل تبويب البخاري ، قال : وقد عرض بزوجته تعريضا لا خفاء به ، ولم يوجب عليه الشارع حدا ، وإن كان غلب على السامع أنه أراد القذف ، إذ قد يحتمل قوله وجها غير القذف من المسألة عن أمره .

وقالت طائفة : التعريض كالتصريح ، روي ذلك عن عمر وعثمان وعروة والزهري وربيعة ، وبه قال مالك والأوزاعي . قال مالك : وذلك

[ ص: 269 ] إذا علم أن قائله أراد به قذفا فعليه الحد ، واحتج في ذلك بما روى هو عن أبي الرجال عن أمه عمرة أن رجلين استبا في زمن عمر - رضي الله عنه - ؛ فقال أحدهما للآخر : والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية . فاستشار في ذلك عمر - رضي الله عنه - ؛ فقال قائل : مدح أباه وأمه . وقال آخر : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا ، نرى أن يجلد الحد . فجلده عمر - رضي الله عنه - ثمانين .

قال ابن عبد البر : روي من وجوه أنه حد في التعريض بالفاحشة ، وعن ابن جريج : الذي حده عمر - رضي الله عنه - بالتعريض عكرمة بن ( عامر ) بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار هجا وهب بن زمعة بن ربيعة بن الأسود بن ( عبد المطلب ) بن أسد بن عبد العزى بن أسد ؛ تعرض له في هجائه ؛ سمعت ابن أبي مليكة ) يقول ذلك . وروي نحو هذا عن ابن المسيب ، قال أهل هذه المقالة : لا حجة في حديث الباب ؛ لأن الرجل لم يرد قذف امرأته والنقيصة لها ، وإنما جاء مستفتيا ، فلذلك لم يحده الشارع ، وكذلك لم يحد عويمرا وأرجأ أمره حتى نزل فيه القرآن .

[ ص: 270 ] واحتج الشافعي فقال : لما لم ( يجعل ) التعريض في ( القذف في ) الخطبة في العدة بمنزلة التصريح كذلك لا يجعل التعريض في القذف بمنزلة التصريح . قال القاضي إسماعيل : وليس كما ظن وإنما أجيز له التعريض فقط ؛ لأن النكاح لا يكون إلا من اثنين ، فإذا صرح بالخطبة وقع عليه الجواب من الآخر بالإيجاب أو الوعد ، فمنعوا من ذلك ، فإذا عرض به فهم أن المرأة من حاجته فلم يحتج إلى جواب ، والتعريض بالقذف لا يكون إلا من واحد ، ولا يكون فيه جواب فهو قاذف من غير أن يجيبه أحد فقام مقام التصريح .

فصل :

الأورق : الأغبر ، وهو الذي فيه سواد وبياض . وعبارة ابن التين : أنه الأسمر ، ومنه بعير أورق إذا كان لونه كلون الرماد .

وقوله : ( أرى عرقا نزعه ) قال ابن التين : لعله وقع بالنسبة إلى أحد آبائه . قلت : روي : من جداته كما أسلفته في مواضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية