التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6461 6853 - حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء يؤتى إليه ، حتى تنتهك من حرمات الله فينتقم لله . [ انظر : 3560 - مسلم : 2327 - فتح 12 \ 176 ]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها : حديث سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبي بردة هانئ بن النيار ؛ قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :" لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله " .

وحديث جابر أيضا عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله " .

وحديث عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه ، أنه سمع أبا بردة الأنصاري قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :" لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله - عز وجل -" . وحديث عقيل عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال ، فقال له رجال من المسلمين : فإنك يا رسول الله تواصل . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " . فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ، ثم رأوا الهلال ، فقال :" لو تأخر لزدتكم " . كالمنكل بهم حين أبوا . تابعه شعيب ويحيى بن سعيد ويونس ، عن الزهري .

[ ص: 273 ] وقال عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحديث سالم عن أبيه أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانهم حتى يئووه إلى رحالهم .

وحديث عائشة - رضي الله عنها - : ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء يؤتى إليه ، حتى تنتهك من حرمات الله فينتقم لله .

تنبيه : حديث أبي بردة أخرجه أيضا مسلم والأربعة ، ووهم من نفاه عن النسائي .

قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث بكير .

ورواه النسائي مرة من حديث سليمان عن عبد الرحمن بن فلان عن أبي بردة ( به ) .

ورواه الطبراني بلفظ :" لا يحل لأحد أن يضرب أحدا فوق عشرة أسواط " .

وفي حديث ابن لهيعة : حدثني بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، حدثني أبو بردة ، به .

وقال الدارقطني : قال مسلم عن عبد الرحمن بن جابر ، عن رجل من الأنصار ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال حفص بن ميسرة : عن مسلم ، عن

[ ص: 274 ] عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه قال : والقول قول الليث ومن تابعه . وفي موضع آخر حديث عبد الرحمن : عمرو بن الحارث ، عن بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة صحيح .

وقال البيهقي : هذا حديث ثابت ، ( وهو أحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت ) عن بكير ، فذكره . قال : وقد أقام إسناده عمرو بن الحارث ، فلا يضره نقصه من قصره .

وقال الجياني : رواه ابن السكن وأبو زيد : سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبي بردة . وفي كتاب الأصيلي عن أبي أحمد : سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن جابر ، عن أبي بردة ، فأدخل أباه ، والصواب في حديث الليث ما رواه ابن السكن ومن تابعه ، وهو حديث مختلف في سنده . وتابع الليث على السند الأول سعيد بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب . رواه عمرو بن الحارث ، عن بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن ، عن أبيه أنه سمع أبا بردة الأنصاري بزيادة رجل من الأنصار .

وقال ابن المنذر : في إسناده مقال . ونقل ابن بطال عن الأصيلي أنه اضطرب حديث عبد الله بن جابر ، فوجب تركه ؛ لاضطرابه ، ولوجود عمل الصحابة والتابعين لخلافه .

[ ص: 275 ] فصل :

حديث سالم عن أبيه قال الجياني : كذا رواه مسندا متصلا عن ابن السكن وأبي زيد وغيرهما . وفي نسخة أبي أحمد مرسلا لم يذكر ( فيه ) ابن عمر أرسله عن سالم . والصواب ما تقدم .

فصل :

اختلف العلماء في مبلغ التعزير على أقوال :

أحدها : لا يزاد على عشر جلدات إلا في حد . قاله أحمد وإسحاق .

ثانيها : روي عن الليث أنه قال : يحتمل ألا يجاوز بالتعزير عشرة أسواط ، ويحتمل ما سوى ذلك . وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه أمر زيد بن ثابت أن يضرب رجلا عشرة أسواط . وعنه رواية ثانية : أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري ألا تبلغ بنكال فوق عشرين سوطا . وعنه في رواية أخرى : أنه لا تبلغ في تعزير أكثر من ثلاثين جلدة . وهو القول الثالث والرابع .

خامسها : قال الشافعي في قوله الآخر : لا يبلغ به عشرين سوطا ؛ لأنها أبلغ الحدود في العبد في شرب الخمر ؛ لأن حد الخمر في الحر عنده في الشرب أربعون .

[ ص: 276 ] سادسها : قال أبو حنيفة ومحمد : لا يبلغ به أربعين سوطا ، بل ينقص منه سوطا ؛ لأن الأربعين أقل الحدود في العبد في الشرب والقذف ، وهو أحد قولي الشافعي .

سابعها : قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف : أكثره خمسة وسبعون سوطا .

ثامنها : قال مالك : التعزير ربما كان أكثر من الحدود إذا أدى الإمام اجتهاده إلى ذلك . وروي مثله عن أبي يوسف وأبي ثور .

قال ابن المنذر : لم نجد في عدد الضرب والتعزير خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابتا ، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن للإمام أن يعزر في بعض الأشياء ، قال : وقد اختلفوا في المقدار الذي يعزر الإمام من وجب عليه التعزير . فذكر مقالة أحمد السالف لحديث الباب . قال : وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه أمر زيد بن ثابت أن يضرب رجلا عشرة أسواط ، وروينا عنه أنه كتب إلى أبي موسى : ألا تبلغ بنكال فوق عشرين سوطا . وروينا عنه قولا ثالثا : ألا يبلغ في التعزير أكثر من ثلاثين جلدة .

وفيه قول رابع وخامس ، فذكر قول الشافعي وأبي ثور .

وسادس : أن قدره على قدر الجرم ، وهو قول مالك ، وقد روي عنه أيضا أنه أمر بضرب مائة وحبس سنة في باب ( من ) العقوبات ، وهو مذهب أبي ثور أن يضرب أكثر من الحد إذا كان الجرم عظيما .

[ ص: 277 ] وقال الطحاوي في " مشكله " : منهم من قال : لا يجاوز فيه تسعة وثلاثين سوطا . وممن قال بذلك ابن أبي ليلى ، وهو مخالف أيضا لما قلناه . ومنهم من قال : يجاوز أكثر الحدود التي حدها الله تعالى لعباده على قدر الجرم .

وممن قال ذلك مالك بن أنس وأبو يوسف مرة ، وقال أخرى بقول أبي حنيفة . وقال الليث بحديث " لا يجلد فوق عشر أسواط " مرة ، ثم تركه أخرى وقال : التعزير بمقدار الجرم ، فإن كان غليظا غلظ ، وإن كان خفيفا خفف .

وقال ابن حزم في " محلاه " بقول أبي يوسف ومالك ( قال أبو ثور والطحاوي ) قال : وقالت طائفة : لا يتجاوز تسعة فأقل . وهو قول الليث وأصحابنا ، وجلد هشام المخزومي رجلا لصق بغلام حتى أفضى أربعمائة سوط ، فما لبث أن مات ، فذكروا ذلك لمالك فما استنكره ، ولا رأى أنه أخطأ . وضرب سحنون نحوه رجلا غيب ابنته عن زوجها ، وجلد علي مائة رجلا وجد مع امرأة في لحاف ، وجلد عمر رجلا وجد مع امرأة بعد العتمة دون المائة .

[ ص: 278 ] ونقل ابن التين عن الطحاوي أنه لا يجوز اعتبار التعزير بالحدود ؛ لأنهم لا يختلفون أن التعزير موكول إلى اجتهاد الإمام فيخفف تارة ويشدد أخرى ، فلا معنى لاعتبار الحد فيه ، ويجوز مجاوزته له ، والدليل على ذلك حديث الزهري ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه أن حاطبا توفي وأعتق من صلى وصام من رقيقه ، وكانت له وليدة نوبية قد صلت وصامت ، وهي عجمية لا تفقه ، فلم يرعه إلا حملها ، فذهب إلى عمر - رضي الله عنه - فأخبره ، فأرسل إليها : أحبلت ؟ فقالت : نعم ، من مرغوس بدرهمين ، فإذا هي تستهل به ، وصادفت عنده علي بن أبي طالب وعثمان وعبد الرحمن ، فقال : أشيروا علي . فقال علي وعبد الرحمن : قد وقع عليهما الحد ؛ فقال : أشر علي يا عثمان ؛ فقال : كأنها تستهل به ، كأنها لا تعلمه ، وليس الحد إلا على من علمه . فقال عمر : وأمر بها فجلدت مائة وغربت . قال ابن شهاب : وقد كانت نكحت غلاما لمولاها ، ثم مات عنها ، فجعل عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث التعزير مائة ؛ لأنه كان عليها علم الأشياء المحرمة ، وغربها زيادة في العقوبة كما غرب في الخمر .

وقال البيهقي : لأن حدها الرجم ، فكأنه درأ عنها حدها ؛ للشبهة بالجهالة ، وجلدها وغربها تعزيرا .

ومرغوس : بالغين المعجمة والسين المهملة على الصواب . قال الأزهري : رجل مرغوس . أي : كثير الخير . ووهم بعضهم فجعله أشما بن مصهر ، وجعله بالشين المعجمة ، وهو عجيب .

[ ص: 279 ] وذكر ابن القصار أن معن بن زائدة زور كتابا على عمر - رضي الله عنه - ، ونقش مثل خاتمه ، فجلده مائة ، ثم شفع له قوم ؛ فقال : ذكرتني الطعن وكنت ناسيا ، فجلده مائة أخرى ، ثم مائة ، ثلاث مرار بحضرة العلماء ، ولم ينكر ذلك أحد ، قال : فثبت أنه إجماع .

قلت : عمر هذا ليس عمر بن الخطاب ولعله عمر بن عبد العزيز فإن سن معن يصغر عن ذلك . قال ابن القصار : ولما كان طريق التعزير إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يغلب على ظنه أنه يردع به ، وكان في الناس من يردعه الكلام ، وكان فيهم من لا يردعه مائة سوط ، وهي عنده كضرب المروحة ، فلم يكن للتحديد فيه معنى ، وكان مفوضا إلى ما يؤديه إليه اجتهاده بأن يردع مثله .

قال المهلب : ألا ترى أنه - عليه السلام - زاد المواصلين في ( النكال ) كذلك يجوز للإمام أن يزيد فيه على حسب اجتهاده ، ولذلك ضرب المتبايعين للطعام ، وانتقامه - عليه السلام - للمحرمات لم يكن محدودا ، فيجب أن يضرب كل واحد منهم على قدر عصيانه للسنة ومعاندته أكثر مما يضرب الجاهل ، ولو كان في شيء من ذلك حد لم يجز خلافه .

فصل :

وقال الداودي : لم يبلغ مالكا هذا الحديث - يعني حديث الباب - وكان يرى العقوبة بقدر الذنب ، وأرى ذلك موكولا إلى اجتهاد الأئمة وإن جاوز ذلك الحد ، وقد استشاره أمير في رجل ضم صبيا إلى صدره ( فقيل ) ذلك إلى السلطان فضربه فانتفخ منها حتى مات ، ولم ينكر مالك ذلك عليه .

[ ص: 280 ] وفي " المعرفة " للبيهقي أتي علي في رجل فقالوا : وجدناه تحت فراش امرأة فقال : لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا إلى نتن مثله فمرغوه فيه ، فمرغوه في عذرة وخلى سبيله .

قال الشافعي : وهم يخالفون هذا ويقولون : يضرب ويرسل . وعن ابن مسعود : أنه وجد امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين ، وأقره على ذلك عمر - رضي الله عنه - .

فصل :

قال ابن حزم : الحد في سبعة أشياء : الردة ، والحرابة قبل أن يقدر عليه ، والزنا ، والقذف بالزنا ، وشرب المسكر سكر أو لم يسكر ، والسرقة ، وجحد العارية . وأما سائر المعاصي فإنما فيها التعزير فقط وهو الأدب ، ومن ذلك أشياء رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا ، وهي القذف بالخمر والتعريض ، وشرب الدم ، وأكل الخنزير والميتة ، وفعل قوم لوط ، وإتيان البهيمة ، والمرأة تستنكح البهيمة ، وسحق النساء ، وترك الصلاة غير جاحد لها ، والفطر في رمضان ، والسحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية