التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6875 - حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ويونس ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ، فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل . قال : ارجع ، فإني سمعت رسول

[ ص: 302 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :"
إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " . قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال :" إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .
[ انظر : 31 - مسلم : 2888 - فتح 12 \ 192 ]


هذا أخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي في " تفسيره " عنه . ورواه وكيع عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عنه . . فذكره ؛ قال : وحدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : أحياها ( من غرق أو حرق ، وفي لفظ : من كف عن قتلها فقد أحياها ) ، وعن ابن عباس أيضا : إحياؤها أن لا يقتل نفسا حرمها الله ، وقيل : يعطى من الثواب على قدر إحياء الناس كلهم .

وقال زيد بن أسلم والحسن : من وجب له قصاص فعفى أعطاه الله من الأجر مثل ( ما ) لو أحيا الناس جميعا . وقيل : وجب شكره على الناس جميعا . قال قتادة : عظم الله تعالى أمره .

وألحقه من الإثم هذا . وقيل : يمثل أي : الناس جميعا له خصماء . وقيل : معناه : يجب عليه من القود ما يجب إن قتل جميع الناس ؛ إذ لا يكون غير قتلة واحدة لجميعهم .

ثم ساق البخاري في الباب أحاديث دالة على تغليظ القتل والنهي عنه :

أحدها :

حديث عبد الله - هو ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها " . أي : إثم ونصيب ، ومثله قوله تعالى : يكن له كفل منها [ النساء : 85 ] أي : نصيب ،

[ ص: 303 ] واشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط ، وإنما كان عليه ذلك لأجل ابن آدم من قتله هابيل ؛ لأنه أول من سن القتل واستن به القاتلون بعده ، وهذا نظير قوله - عليه السلام - :" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " .

الحديث الثاني :

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

الثالث :

عن جرير - رضي الله عنه - مرفوعا مثله ، وأنه قال ذلك في حجة الوداع ، يستنصت الناس ، رواه أبو بكرة وابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قلت : حديث أبي بكرة أخرجه أبو داود ، عن إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عنه ، ثم قال : وحدثنا عمرو بن زرارة ، عن ابن علية به ، وخالفه حماد بن زيد والثقفي ، فروياه عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، ( عنه ) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ( عن أبيه . قال ابن أبي عاصم : وحدثنا المقدمي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن قرة ،

[ ص: 304 ] عن ابن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ) . ولفظ الثقفي :" ستلقون ربكم ويسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

وقال ابن أبي عاصم : وثنا عن ابن عباس ، حدثنا حسين بن الأسود ، ثنا محمد بن الصلت ، ثنا مندل ، عن أسيد بن عطاء ، عن عكرمة ، عنه رفعه :" لا يقفن أحدكم موقفا يقتل الرجل فيه ظلما ، فإن اللعنة تنزل عليهم حتى يرفعوا عنه " .

قلت : ليس مطابقا لحديث أبي بكرة .

فصل :

يريد كفارا بتحريم الدماء وحقوق الإسلام وحرمة المؤمنين ، وليس يريد الكفر الذي هو ضد الإيمان ؛ لما تقدم من إجماع أهل السنة أن المعاصي غير مخرجة من الإيمان .

وقال أبو عبد الله القزاز : يريد إذا فعلوه مستحلين لذلك .

قيل : ويريد يفعلون فعل الكفار في قتال بعضهم بعضا . وقيل : يريد لابسة السلاح ، يريد كفر درعه يعني : إذا لبس فوقها ثوبا . وقيل : يكفر الناس ؛ فيكفر كفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس ، كقوله :" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وقيل : كفارا بالنعمة ، فهو قريب من الكفر لعظم الذنب .

[ ص: 305 ] الحديث الرابع :

حديث محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" الكبائر : الإشراك بالله ، ( واليمين الغموس ) ، وعقوق الوالدين " . أو قال :" اليمين الغموس " . شك شعبة . وقال معاذ : ثنا شعبة قال :" الكبائر : الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين " . أو قال :" وقتل النفس " .

الحديث الخامس :

حديث عبد الصمد ، ( حدثنا شعبة ) ، ثنا عبيد الله بن أبي بكر ، سمع أنسا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" الكبائر " . وثنا عمرو ، أنا شعبة ، عن ابن أبي بكرة ، سمع أنسا ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور " . أو قال :" شهادة الزور " .

وقد سلف الكلام على ذلك وليست محصورة . قيل لابن عباس : هي سبع ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب : وعنه أيضا إلى السبعمائة أقرب . وقيل : هي إحدى عشر .

وقال جماعة من أهل السنة : كل المعاصي سواء ، لا يقال صغيرة ولا كبيرة ؛ لأن المعنى واحد ، وظواهر الكتاب والسنة ترد عليهم . وقال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية [ النساء : 31 ] والغموس - بفتح الغين - التي تغمس صاحبها في الإثم ، أي : تغرقه في الإثم .

[ ص: 306 ] الحديث السادس :

حديث أسامة - رضي الله عنه - : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة . . الحديث ، والمقتول مرداس بن نهيك .

سلف في المغازي ، وفي كتاب ابن أبي عاصم حديث يشعر أن القاتل غير أسامة ، ذكره من حديث شهر بن حوشب ، عن جندب بن سفيان البجلي . وفي " السيرة " : فلما شهرنا عليه السلاح أنا والأنصاري قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، الحديث .

ولابن أبي عاصم من حديث هشام بن حسان ، عن الحسن بن أبي الحسن أنه - عليه السلام - بعث خيلا إلى فدك فأغاروا عليهم ، وكان مرداس الفدكي قد خرج من الليل ، وقال لأصحابه : إني لاحق بمحمد : ( وأصحابه ) ، فبصر به رجل فحمل عليه ، فقال : إني مؤمن ، فقتله ، فقال - عليه السلام - :" هلا شققت عن قلبه ؟" قال أنس : إن قاتل مرداس ( مات ) فدفنوه ، فأصبح فوق القبر موضوعا ، ثم أعادوه ، فعاد ، ثم كذلك ، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فطرح في واد بين جبلين بالمدينة ، ثم قال :" أما والذي نفسي بيده إن الأرض لتكفت أو تواري من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله وعظكم " فأنزل الله في شأنه يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله الآية [ النساء : 94 ] ، وهذا ظاهر في أن قاتل مرداس غير أسامة .

[ ص: 307 ] وفي رواية يونس عن ابن إسحاق ( قال ) : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم ، فخرجت إلى نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة ، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على بعير له ، فسلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم فقتله ؛ لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ البعير ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه الخبر ، نزل فينا القرآن . وذكر الآية السالفة .

زاد ابن جرير أن محلما توفي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفنوه فلفظته الأرض مرة بعد أخرى ، فأمر به - عليه السلام - فألقي بين جبلين وجعل عليه حجارة ، وقال - عليه السلام - :" إن الأرض لتقبل من هو شر منه ، ولكن الله أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن " .

قال ابن عبد البر : وقد قيل : إن هذا ليس بمحلم ، فإن محلما نزل حمص بأخرة ، ومات بها أيام ابن الزبير .

والاختلاف في هذه الآية كثير جدا : نزلت في المقداد ، أو في غالب بن عبد الله الليثي ، أو في سرية ولم يسم القاتل ، أو أسامة ، أو محلم . وقيل غير ذلك ، والكل متفقون على أن قتله كان خطأ .

[ ص: 308 ] ومرداس بن نهيك ، قال الكلبي فيه : الفدكي ، وقال أبو عمر : الفزاري . وقال ابن منده : مرداس بن عمر . وروى أبو سعيد قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها أسامة إلى بني ضمرة ، فذكر قتل أسامة له ، وعن ابن إسحاق : حدثني شيخ من أسلم ، عن رجال من قومه قالوا : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث - إلى بني مرة وبها مرداس بن نهيك - حليف لهم من بني الحرقة - فقتله أسامة .

فصل :

قتل أسامة لهذا الرجل إنما ظنه كافرا ، وجعل ما سمع منه من الشهادة تعوذا من القتل ، وأقل أحوال أسامة في ذلك أن يكون قد أخطأ في فعله ؛ لأنه إنما قصد إلى قتل كافر عنده ، ولم يكن عرف بحكمه - عليه السلام - فيمن أظهر الشهادة بالإيمان أنه يحقن دمه ، فسقط عنه القود ؛ لأنه معذور بتأويله ، وكذلك حكم كل من تأول فأخطأ في تأويله معذور بذلك ، وهو في حكم من رمى من يجب له دمه فأصاب من لا يجب قتله ؛ ( لأنه لا يرد ) عليه ، وما لقي أسامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله هذا الرجل الذي ظنه كافرا من اللوم والتوبيخ حتى تمنى أنه لم يسلم قبل ذلك اليوم آلى على نفسه أن لا ( يقاتل ) مسلما أبدا ، وكذلك ( تخلفه ) عن علي يوم الجمل وصفين ، فهو تعليم له ولغيره .

[ ص: 309 ] ( والحدود ) في الأحرار من الرجال والنساء واحدة ، وحرمتهم واحدة ، ويبين ذلك قوله تعالى في نسق هذه الآيات : والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له [ المائدة : 45 ] فعلمنا أن العبد والكافر خارجان من ذلك ؛ لأن الكافر لا يسمى مصدقا ولا مكفرا عنه ، وكذا العبد لا يجوز أن يصدق بدمه ولا بجرحه ؛ لأن ذلك إلى سيده ، قال تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء الآية [ البقرة : 178 ] .

وقال أبو ثور : لما اتفق جميعهم أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس ، كانت النفس أحرى بذلك ، ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض ، وناقض أيضا أبو حنيفة : إذا قتل عبده فلا يقتل به عنده ، وقال ابن القصار ، عن النخعي : يقتل الحر بعبده وعبد غيره . قال : وحكي عنه أن بينهما القصاص في الأطراف ، وأظنه صحيحا ، فمذهب النخعي هذا مستمر لم يتناقض في شيء ؛ لأنه يقيد النفس بالنفس في كل نفس ، والأطراف أيضا .

فصل :

وقوله تعالى : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة [ البقرة : 178 ] قيل : أخذ الدية ، وذلك أنهم كانوا في بني إسرائيل يقتصون ولم يكن بينهم دية ، فخفف الله عن هذه الأمة بالدية ، كما سلف في التفسير عن ابن شهاب ، فذلك تخفيف بما كتب على أهل الكتابين ، والمكتوب على اليهود أن لا يعفى عن قاتل عمد وأن يقتل قاتل الخطأ إلا أن يعفو الولي ، وعلى أهل الإنجيل ترك القصاص وأخذ الدية في العمد والخطأ ، وقيل : هذا في الرجل يقتل عمدا أو له أولياء فيعفو بعضهم فللآخرين أن يطلبوا من الدية بقدر حصصهم .

[ ص: 310 ] واختلف إذا طلب ولي القوم الدية وأبى القاتل ، ففي " المدونة " : لا يجبر القاتل ، وليس لولي المقتول إلا القصاص ، وروى أشهب عن مالك : يلزم القاتل الدية شاء أو أبى .

فصل :

قوله بعد ذلك فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [ البقرة : 178 ] قال ابن عباس وغيره : يقتل ولا تؤخذ منه الدية .

فصل :

احتج لأبي حنيفة فيما سبق بقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية [ النساء : 92 ] ، ثم قال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية [ النساء : 92 ] ، فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي وجب أن تكون الدية كذلك ، قال تعالى : وتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] كما قال في المؤمن فأراد الكافر ؛ لأنه لو أراد المؤمن لقال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) وهو مؤمن ، كما قال : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن [ النساء : 92 ] فأوجب فيه تحرير رقبة دون الدية ؛ لأنه مؤمن من قوم حربيين ، عدو للمسلمين .

قال ابن عبد البر : وتأول مالك هذه الآية في المؤمنين ؛ لأنه قال في " الموطأ " : ومن قتل مؤمنا خطأ ثم قال : فتحرير رقبة ثم قال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم يعني : المؤمن المقتول خطأ ، ورد قوله هذا بعض من ذهب مذهب الكوفيين ، فقال : الحجة عليه أن الله تعالى قال في هذه الآية : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن

[ ص: 311 ] فقال ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ ؛ لأنه لو كان معطوفا عليه ما قال : وهو مؤمن ؛ لأن قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ يغني عن وصفه بالإيمان ؛ لأنه مستحيل أن يقول : وإن كان المقتول خطأ من قوم عدو لكم وهو مؤمن . قالوا : وكذلك قوله : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره ، والتأويل مانع في الآية الكريمة للفريقين .

وأصل الديات التوقيف ، ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه ، على أن أقل ما قيل فيه واجب ، وقد اختلفوا فيمن زاد ، والأصل تركه الدية .

وقد احتج أيضا له ما رواه الترمذي من حديث أبي ( سعيد ) البقال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ؛ أنه - عليه السلام - ودى العامريين بدية المسلمين ، وكان لهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقال في " علله الكبير " : سألت محمدا عنه وقلت له : أبو ( سعيد ) ، فقال : مقارب الحديث .

قلت : ضعفه أيضا غيره ، ووافقه وكيع وأبو أسامة حماد بن

[ ص: 312 ] أسامة
، وخرج له الحاكم في " مستدركه " ، وذكره في جملة الثقات في عكرمة ، وقال ابن المبارك : كتبنا عنه لقرب إسناده ، وقال أبو موسى المديني في كتابه : وعابه الشافعي ، مختلف في حاله ويجمع حديثه . وقال أبو داود : كان من القراء . وقال الشافعي : صدوق فيه ضعف . وقال أبو زرعة الرازي : لين الحديث مدلس ، قيل : هو صدوق ، قال : نعم كان [ لا ] يكذب . وقال الجوزجاني : يكتب حديثه ولا يترك .

واحتج له أيضا بحديث أسامة أنه - عليه السلام - جعل دية المعاهد كدية المسلم ألف دينار . وعلته عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي . قال الدارقطني : متروك الحديث .

وروى الدارقطني من حديث أبي كرز عبد الله بن عبد الملك الفهري ، ثنا نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - ودى ذميا دية مسلم . ثم قال : أبو كرز متروك ، ولم يروه عن نافع غيره .

وقال ابن حبان : لا أصل له من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولفظه : دية ذمي دية مسلم .

وفي " مراسيل أبي داود " عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر

[ ص: 313 ] وعثمان ، حتى كان يعني صدرا من خلافة معاوية ، فغيرها على النصف من دية المسلم
، وأسنده ابن عدي من طريق بركة بن محمد - وهو غير ثقة ولا مأمون - عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عنه ، بزيادة : فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رد الأمر إلى القضاء الأول .

وقال أبو عمر : هذا أثر لا يثبته أحد من أهل العلم لضعفه .

وأخرج أبو داود من حديث ابن وهب ، عن عبد الله بن يعقوب ، عن عبد الله بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي ، قال : قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما بكافر ، قتله غيلة ، وقال :" أنا أولى وأحق من أوفى بذمته " .

قال الجوزقاني في " موضوعاته " : هذا حديث منكر ، وإسناده منقطع ، ولا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال ابن القطان : عبد الله بن يعقوب ، وعبد الله بن عبد العزيز مجهولان ، لم أجد لهما ذكرا .

قال ابن حزم : روينا عن إبراهيم أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة ، فأقاده عمر بن الخطاب . قال وكيع : وثنا أبو الأشهب ، عن ( أبي نضرة ) مثله سواء ، وهذا مرسل .

[ ص: 314 ] ومن حديث ابن أبي سليم ، عن الحكم بن عتيبة أن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود قالا جميعا : من قتل يهوديا أو نصرانيا قتل به . وهو مرسل .

وصح عن عمر بن عبد العزيز ؛ كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عمرو بن ميمون قال : شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميا ، فأمر بأن يدفعه إلى وليه إن شاء قتل وإن شاء عفا عنه . قال ميمون : فدفع إليه فضرب عنقه ، وأنا أنظر .

وصح أيضا عن النخعي كما روينا ، من طريق حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عنه قال : المسلم ( الحر يقتل باليهودي والنصراني ) .

وظنه كافرا كما سلف ، وأن تشهده تعوذ من القتل ، ولم يذكر الكفارة ولا الدية . قال الداودي : إما أن يكون سكت عنه لعلم السامع ، أو كان ذلك قبل نزول الآية بالدية والكفارة .

ولما لقي أسامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لقي من التوبيخ ، ود أنه لم يكن أسلم إلا ذلك اليوم ، آلى على نفسه أن لا يقاتل مسلما أبدا كما سلف .

فصل :

في إسناده حصين ، وهو ابن عبد الرحمن السلمي ، وفي الصحيحين أيضا حصين بن جندب ، أبو ظبيان الجنبي الكوفي ، تابعيان .

الحديث السابع :

حديث أبي الخير - واسمه مرثد بن عبد الله اليزني - عن الصنابحي - عبد الرحمن بن عسيلة : أبو عبد الله - عن عبادة بن الصامت قال : إني

[ ص: 315 ] من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نزني ، ولا نسرق ، ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا ننتهب ، ولا نعصي ، بالجنة إن فعلنا ذلك ، فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله
.

هذا الحديث كان ليلة العقبة قبل أن تفرض الفرائض ، إلا الصلاة .

وقوله : ( ولا نعصي ) هو بالعين المهملة ، وذكر ابن التين أنه روي بالعين و ( القاف ) . قال : واختار الشيخ أبو عمر العين ، وبأن أن الكلام قد فرغ ، وأن ( بالجنة ) متعلق بقوله : ( بايعناه ) بالجنة على أن لا نشرك . وذكرها ابن قرقول في " مطالعه " في العين والصاد المهملتين في الاختلاف وقال في العين ، كذا لأبي ذر والنسفي ولابن السكن والأصيلي ، وعند القابسي : ولا نقضي ، أي : ولا نحكم بالجنة من قبلنا ونقطع بذلك ، قال القابسي : وهو مشكل في كتاب أبي زيد . قال القاضي : الصواب بالعين كما تضمنته الآية ولا يعصينك في معروف [ الممتحنة : 12 ] .

وقوله : ( فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله ) فيه دليل لأهل السنة أن المعاصي لا يكفر بها . وقد سلف .

الحديث الثامن :

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من حمل علينا السلاح فليس منا " .

رواه أبو موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 316 ] والمراد بقوله : (" فليس منا ") أي : ليس بكامل الإيمان ، ولا قائم بجميع شرائطه .

الحديث التاسع :

حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - :" إذا التقى المسلمان بسيفيهما . ." الحديث .

وقد سلف في الإيمان في باب : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا سندا ومتنا . وقل أن يقع له مثل ذلك ، وقد سلف في كتاب الإيمان معنى قوله :" القاتل والمقتول في النار " وإنما خرج على الترهيب والتغليظ في قتل المؤمن ، فجعلهما في النار ؛ لأنهما فعلا في تقاتلهما ما يئول بهما إلى النار إن أنفذ الله عليهما وعيده ، والله تعالى في وعيده بالخيار عند أهل السنة . ويأتي أيضا في كتاب الفتن بقية الكلام فيه . وقيل : المراد : من قاتل بغير تأويل على عداوة أو عصبية ، وأن من قاتل باغيا فقتل ، فلا يدخل في هذا الوعيد ؛ لأنه مأمور بالذب عن نفسه .

وقوله : (" إنه كان حريصا على قتل صاحبه ") احتج به القاضي أبو بكر بن الطيب ، أن من هم بمعصية ووطن عليها وعزم ما قوي في اعتقاده وعزمه ، فكذلك هذا جعله مأثوما بالحرص على القتل ، وتأوله غيره على القتل على أنه إنما استوجب العقوبة بالفعل وهو التقاؤهما وتقاتلهما ، وعليه كثير من الفقهاء والمحدثين .

واحتجوا بقوله - عليه السلام - :" من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " ، وقال القاضي : معناه أنه لم يوطن نفسه على فعلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية