التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6487 6881 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كانت في بني إسرائيل قصاص ، ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله لهذه الأمة : كتب عليكم القصاص في القتلى إلى هذه الآية فمن عفي له من أخيه شيء [ البقرة : 178 ] . قال ابن عباس : فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، قال : فاتباع بالمعروف [ البقرة : 178 ] أن يطلب بمعروف ، ويؤدي بإحسان . [ انظر : 4498 - فتح 12 \ 205 ]


حدثنا أبو نعيم ، ثنا شيبان ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن خزاعة قتلوا رجلا . وقال عبد الله بن رجاء : ثنا حرب ،

[ ص: 343 ] عن يحيى ، ثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية ، فقال :" إن الله حبس عن مكة الفيل . ." الحديث .

وفيه : ثم قام رجل من قريش فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنما نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال - صلى الله عليه وسلم - :" إلا الإذخر " . تابعه عبيد الله ، عن شيبان في الفيل . وقال بعضهم ، عن أبي نعيم :" القتل " . وقال عبيد الله إما أن يقاد أهل القتيل .

ثم ساق عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم . . إلى آخره كما سلف في تفسير سورة البقرة .

وقوله : ( وقال عبد الله بن رجاء ) هو شيخه ، ومراده بإيراد ذلك تبيين عدم تدليس يحيى فقال : ( عن أبي سلمة ) فإن جريرا قاله عنه عن يحيى ، ثنا أبو سلمة . ورواية ابن أبي عاصم عن دحيم ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا الأوزاعي ، عن يحيى ، ومتابعة عبيد الله أخرجها مسلم عن إسحاق بن منصور عنه به ، والرجل من قريش هو العباس .

وقوله فيه : ( يقال له : أبو شاة ) قال عياض : أبو شاة مصروفا ضبطه ، وقرأته أنا نكرة ومعرفة ، وخط السلفي الحافظ في تأليفه في فضل الفرس : من قاله بالتاء ، وقال : إنه من فرسان الفرس المرسولين من قبل كسرى إلى اليمن .

وقوله : (" اكتبوا لأبي شاة ") يعني : الخطبة التي خطب بها .

[ ص: 344 ] فصل :

واختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد :

فقالت طائفة : ولي المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدية ، وإن لم يرض القاتل ، روي ذلك عن ابن المسيب والحسن وعطاء ، ورواه أشهب عن مالك ، وبه قال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

وقال آخرون : ليس له إذا كان عمدا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا أن يرضى القاتل . رواه ابن القاسم عن مالك وهو المشهور عنه ، وبه قال الثوري والكوفيون ، وفائدة الخلاف تظهر فيمن قال : عفوت مطلقا ولم يذكر دية ، فالمعروف أنه لا دية له . وقال ابن القاسم : يحلف أنه لم يرد العفو على غير دية .

حجة الأولين قوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء [ البقرة : 178 ] أي : ترك له دية ورضي منه بالدية ، فاتباع بالمعروف [ البقرة : 178 ] أي : فعل صاحب الدم اتباع بالمعروف في المطالبة بالدية ، وعلى القاتل إذ ذاك : وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم [ البقرة : 178 ] معناه : أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم غير النفس بالنفس كما ذكره البخاري عن ابن عباس ، واحتجوا أيضا بحديث الباب :" إما أن يودى وإما أن يقاد " ، وهذا نص في أنه جعل أخذ الدية أو القود إلى أولياء الدم أيضا ، ومن طريق النظر : فإنما لزمته الدية بغير رضاه ؛ لأن عليه فرضا إحياء نفسه ، قال تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [ النساء : 29 ] .

[ ص: 345 ] وحجة الآخرين : حديث أنس : أن ابنة النضر - وهي الربيع - كسرت ثنية جارية ؛ فقال - عليه السلام - :" يا أنس ، كتاب الله القصاص " فلما حكم بالقصاص ولم يخيرها ( بينه و ) بين أخذ الدية ، ثبت بذلك أن الذي يجب بالكتاب والسنة في العمد هو القصاص ، إذ لو كان يجب للمجتنى عليه التخيير بينه وبين العفو لأعلمها بما لها أن تختار من ذلك ، فلما حكم بالقصاص وأخبر أنه كتاب الله ثبت بما قلناه ، ووجب أن يعطف عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ويجعل قوله :" فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتص أو يأخذ الدية " على الرضا من الجاني بغرم الدية حتى تتفق معاني الاختيار ، ألا ترى أن حاكما لو تقدم رجل إليه في شيء يجب له فيه أحد شيئين فثبت عنده حقه أنه لا يحكم بأحد الشيئين دون الآخر ، والشارع أحكم الحكماء ، وكذا حديث ابن عباس مرفوعا :" العمد قود " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد .

وأما قولهم : إن عليه فرضا إحياء نفسه ، فإنا رأيناهم قد أجمعوا أن الولي لو قال للقاتل : قد رضيت أن آخذ دارك هذه على ألا أقتلك ، أن الواجب على القاتل فيما بينه وبين الله تعالى تسليم ذلك وحقن دم نفسه ، فإن أبى لم يجبره عليها ولم تؤخذ منه كرها فيدفع إلى الولي ، فكذلك الدية لا يجبر ولا تؤخذ منه كرها .

قال المهلب : وفي قوله : (" فهو بخير النظرين " حض وندب لأولياء القتيل أن ينظروا خير نظر ، فإن كان القصاص خيرا من أخذ الدية اقتصوا

[ ص: 346 ] ولم يقبلوها ، وإن كان أخذها أقرب إلى الألفة وقطع الضغائن بين المسلمين أخذت من غير جبر القاتل على أخذها منه ، ولا يقتضي قوله :" بخير النظرين " إكراه أحد الفريقين ، كما لا يقتضي قوله تعالى : فاتباع بالمعروف [ البقرة : 178 ] أخذ الدية من القاتل كرها .

وقال جماعة من المفسرين : ذلك يقتضي أخذها منه كرها إذا لم يعقله برضى أحد ، وانفصل عنه بعضهم بأنه تعالى ذكر الشيء منكرا لا معرفا ، والعفو يكون للبدل في اللغة كما يكون في الترك .

فصل :

وفي حديث الباب حجة للثوري والكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق في قولهم ، أنه يجوز [ العفو ] في قتل الغيلة ، وهو أن يغتال الإنسان فيخدع بالمشي حتى يصير إلى موضع فيختفي فيه ، فإذا صار إليه قتله ، وقال مالك : الغيلة بمنزلة المحاربة ، وليس لولاة الدم العفو فيها ، وذلك إلى السلطان أن يقتل به القاتل .

فصل :

قال ابن المنذر : وقوله :" فأهله " وظاهر الكتاب يدل على أن ذلك للأولياء دون السلطان .

فصل :

قوله : (" إما أن يودى وإما أن يقاد ") وقال في آخره : ( وقال عبيد الله : إما أن يفادى أهل القتيل ) .

[ ص: 347 ] قال الداودي : إن كان المحفوظ بالفاء فيحتمل أن يكون للمقتول وليان فيخاطبهما على التثنية ، فقال : إما أن يقاد أو يقتلهما ، وهذا غير صحيح كما نبه عليه ابن التين ؛ لأنه لو كان للتثنية لكان يوديان أو يفاديان ، وهذه الرواية إن صحت فإنما هي بالفاء : إما أن يودى القتيل ، وإما أن يفادى .

واحتج بها لمالك أن القاتل لا يجبر على الدية ، والصحيح يقاد بغير ألف ، يقال : أقدت القاتل بالقتيل ، أي : قتلته به ، وأقاده السلطان ، ومعنى رواية عبيد الله : يؤخذ لهم بثأرهم ، والمفاداة لا تكون إلا من اثنين غالبا ، وقد يرد خلافه ، ويحتمل على غير جنس الدية لا يصح إلا برضاهما .

فصل :

قال المهلب : وقوله :" إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ليدخلوا في دين الله أفواجا " فكان ذلك ساعة من نهار ، فلما دخلوا عادت حرمتها المعظمة على سائر الأرض من تضعيف إثم منتهك الذنوب فيها ، وزالت حرمتها الغير مشروعة من الله ولا من رسوله من ترك من لجأ إليها ودخلها مستأمنا فارا بدم أو بخربة ، وجعل القصاص في قتيل الحرم لقوله - عليه السلام - :" من قتل له قتيل فهو بخير النظرين " قاله في قتيل خزاعة المقتول في الحرم ، علمنا أنه يجوز القصاص في الحرم ، ولو لم يجز ذلك لبينه الشارع .

وبين أن الحرمة الباقية بمكة على ما كانت في الجاهلية هو تعظيم الدم فيها عند الله على سائر الأرض ؛ الحديث الآتي بعد

[ ص: 348 ] " أبغض الناس إلى الله ملحد في الحرم " فهذا نص منه على المعنى الباقي للحرم ، ويؤيد هذا قوله تعالى لما ذكر تحريم الأربعة الأشهر الحرم : فلا تظلموا فيهن أنفسكم [ التوبة : 36 ] تعظيما للظلم فيهن ، إذ الظلم في غيرهن محرم أيضا ، فدل أن لها مزية على غيرها في إثم الظلم والقتل وغيره .

فصل :

الساعة التي أحلت له لم يكن القتل له فيها محرما لإدخاله إياهم في شرائع الإسلام ، وكذلك كل قتل يكون على شرائع الله لا تعظيم فيها ، ويقتص فيها من صاحبه ، وقد سلف اختلاف العلماء في هذه المسألة في الحج .

( فصل ) :

قوله :- (" لا يختلى شوكها ") أي : لا يجعل خلا ، والخلا :- مقصور - الحشيش من اليابس ، وقيل : الرطب .

وقوله : (" ولا يعضد شجرها ") أي : لا يقطع بالمعضد ، وهي حديدة يقطع بها ، والمنشد : المعرف ، يقال : نشدت الضالة إذا طلبتها ، وأنشدتها : عرفتها .

ومشهور مذهب مالك أن لقطة مكة كغيرها من البلاد تعرف ، وظاهر الحديث خلافه ، وهو قول الشافعي .

والإذخر جمع إذخرة ، وهو نبت إذا يبس صار كالتبن يوقده الصاغة ، ويجعل في الطين يطين به .

[ ص: 349 ] فرع :

إذا قلنا : ولي المقتول بالخيار ، فهل يكون ذلك في الجراح أيضا أم لا ؟ فالمعروف أنه ليس ذلك له ، وذكر في " المعونة " في الرهن جراح العمد التي يقاد فيها . وقيل : العمد على قول مالك : إنه مخير بين القود والدية ، فإذا لزمت الدية جاز الرهن بها .

فصل :

روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " بإسناد جيد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : يزاد في دية القتيل في الأشهر الحرم أربعة آلاف ، والمقتول في مكة يزاد في ديته أربعة آلاف ، قيمة دية الحرم عشرين ألفا ، وفي حديث ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، أن عثمان قضى في امرأة قتلت في الحرم بدية وثلث دية ، وعن ابن المسيب وسليمان بن يسار ومجاهد وابن جبير وعطاء : إذا قتل في البلد الحرام فدية وثلث دية ، وفي الشهر الحرام وهو محرم فدية مغلظة ، وحكاه أيضا عن ابن شهاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية