التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6492 [ ص: 364 ] 14 - باب: القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات

وقال أهل العلم : يقتل الرجل بالمرأة . ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح . وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد ، عن أصحابه . وجرحت أخت الربيع إنسانا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" القصاص " .

6886 - حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، حدثنا موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لددنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، فقال :" لا تلدوني " . فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال :" لا يبقى أحد منكم إلا لد ، غير العباس فإنه لم يشهدكم " . [ انظر : 4458 - مسلم : 2213 - فتح 12 \ 214 ]


قد فرغنا الكلام منه آنفا .

ثم قال : ( ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح ) .

هذا قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأكثر الفقهاء ، وخالف أبو حنيفة فقال : لا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس من الجراح ، احتج أصحابه بأن المساواة عندهم معتبرة في النفس دون الأطراف . ألا ترى أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بيد شلاء ، والنفس الصحيحة تؤخذ بالمريضة ، ( وهذه ) نكتهم وعليها ( يبوبون ) الكلام ، وكذلك لا يقطعون يد المرأة بيد الرجل ، ولا يد ( الحرة

[ ص: 365 ] بالحر ) وإن جرى القصاص بينهما في النفس .

قال ابن المنذر : ولما أجمعوا أن نفسه ( بنفسها ) ، وهي أكبر الأشياء ، واختلفوا فيما دونها ، كان ما اختلفوا فيه مردودا إلى ما أجمعوا عليه ؛ لأن الشيء إذا أبيح منه الكثير فالقليل أولى . وحديث الربيع يبين أن القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ؛ ولأن كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس فكذلك فيما دونها كالرجلين والمرأتين ، وإنما لم تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء ؛ لأن اليد الشلاء ميتة والنفس الحية لا تؤخذ بالنفس الميتة فسقط اعتراضهم .

فصل :

ولما ذكر البخاري عن عمر - رضي الله عنه - ما ذكر أعقبه بقوله : وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد ، عن أصحابه . قال : وجرحت أخت الربيع إنسانا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" القصاص " .

ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - : لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، فقال :" لا تلدوني " . فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال :" لا يبقى أحد منكم إلا لد ، غير العباس فإنه لم يشهدكم " وقد سلف .

أثر عمر - رضي الله عنه - أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن شريح قال : أتاني عروة البارقي من عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن جراحات الرجال والنساء . . الحديث .

[ ص: 366 ] والتعليق عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزناد أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن وكيع ، ثنا سفيان ، عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد ، عن عمر بن عبد العزيز . قال : وحدثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن جعفر بن برقان عن عمر ، به .

فصل :

قوله : ( وجرحت أخت الربيع إنسانا ) هو بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة تحت . وهذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، ثنا ثابت بن أسلم ، ثنا أنس بن مالك قال : جرحت أخت الربيع . . الحديث .

وادعى ابن التين أنه كذا وقع هنا في غير موضع من البخاري ، أن الربيع هي الجانية ، وكذا في كتاب مسلم ، والذي رأيناه في نسخ البخاري الصحيحة هنا الربيع بحذف أخت .

فصل :

وقد أسلفنا اتفاق علماء الأمصار على قتل الرجل بالمرأة وعكسه إذا كان عمدا إلا من شذ ، وأن مالكا والثوري والأوزاعي والشافعي ، وأكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات كما

[ ص: 367 ] هو في النفس . ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة كما سلف .

وفي حديث اللدود قصاص الرجل من المرأة ؛ لأن أكثر البيت ( كانوا ) نساء ، وفيه أيضا أخذ الجماعة بالواحد ، ووجهه المخالفة فيما نهاهم ، وأنه يؤخذ الناس بالقصاص في أقل من الجراحات ؛ لأنه - عليه السلام - أمر بأن يقتص له ممن لده في مرضه وآلمه . وهذا دون جراحة ولا قصد لأذى ، والقصاص أيضا في الجراح خلافا لداود في القتل ، ولأبي حنيفة في الجراح .

فصل :

واللدود ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم ، وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا ، والتد هو ، قاله الجوهري ، والذي في الأصل لددناه ثلاثي ، وعليه يدل قول الجوهري : لد الرجل ، إذ لو كان رباعيا لكان ألد الرجل فهو ملد .

التالي السابق


الخدمات العلمية