التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6494 6889 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن حميد ، أن رجلا اطلع في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسدد إليه مشقصا . فقلت : من حدثك ؟ قال : أنس بن مالك . [ انظر : 6242 - مسلم : 2157 - فتح 12 \ 216 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " .

وبإسناده :" لو اطلع عليك أحد في بيتك ولم تأذن له فخذفته بحصاة ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " .

حدثنا مسدد ، ثنا يحيى ، عن حميد ، أن رجلا اطلع في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسدد إليه مشقصا . فقلت : من حدثك ؟ قال : أنس - رضي الله عنه - .

الحديث الأول ظاهر لما ترجم له دون الثاني ؛ لأن تسديد المشقص إليه كان من فعله ، وكل سلطان يتأتى منه ، وحديث سهل بن سعد الآتي في باب : من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه ، شاهد للباب أيضا ، وفي رواية صحيحة :" فلا تودية ولا قصاص " .

[ ص: 369 ] وروي عن عمر أيضا مع أبي هريرة ، وبه قال الشافعي ، وفي " نوادر ابن أبي زيد " عن مالك مثله ، والمعروف عن ابن وهب ويحيى بن عمر : إذا عضه فجذب يده فقلع سنه أنه لا شيء وهو هدر ، ومشهور مذهب مالك : أن عليه القود كما سيأتي ، وفي رواية لابن أبي عاصم :" حرج " بدل " جناح " ، وفي أخرى :" ما كان عليه من ذلك شيء " وفي أخرى :" يحل لهم فقء عينه " . وروى من حديث ثوبان مرفوعا :" لا يحل لامرئ من المسلمين أن ينظر في جوف بيت حتى يستأذن ، فإن فعل فقد دخل " .

وقال الطحاوي : لم أجد لأصحابنا في المسألة نصا ، غير أن أصلهم أن من فعل شيئا دفع به عن نفسه بما له فعله أنه لا يضمن ما تلف به كالمعضوض إذا انتزع يده من في العاض ؛ لأنه دفع عن نفسه ، فلما كان من حق صاحب البيت أن لا يطلع أحد في بيته قاصدا لذلك أن له منعه ودفعه فكان ذهاب عينه هدرا ، على هذا يدل مذهبهم .

قال أبو بكر الرازي : ليس هذا بشيء ، ومذهبهم أنه يضمن ؛ لأنه يمكنه أن يمنعه من الاطلاع من غير فقء العين بخلاف المعضوض ؛ لأنه لم يمكنه خلاصه إلا بكسر سن العاض .

وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن عليه القود ؛ ولأنه - عليه السلام - قال :" لو أعلم أنك تنظر لفقأت عينك " وهو لا يقول إلا ما يجوز فعله ، ومن فعل ما يجوز فعله لم يكن عليه قود .

[ ص: 370 ] وقال المالكيون : مما يدل على أن الحديث خرج مخرج التغليظ ، إجماعهم على أن رجلا لو اطلع على عورة رجل أو بيته أو دخل داره بغير إذنه لا يجب عليه أن يفقأ عينه ، وهجوم الدار أشد وأعظم من التسلل .

وقد اتفقوا على أن من فعل فعلا استحق عليه العقوبة من قتل أو غيره ؛ لأنه لا يسقط عنه سواء كان في موضعه أو فارقه . وقد روي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم توعدوا ولم ينفذوه ، فروى الزهري عن عمر أنه قال لقيس بن مكشوح المرادي : نبئت أنك تشرب الخمر . قال : والله يا أمير المؤمنين لقد أقللت وأسأت ، أما والله ما مشيت خلف ملك قط إلا حدثت نفسي بقتله ، قال : فهل حدثتك نفسك بقتلي ؟ قال : لو هممت فعلت . قال : أما والله لو قلت لضربت عنقك ، اخرج لعنك الله ، والله لا بت الليلة معي فيها . فقال له عبد الرحمن بن عوف : لو قال : نعم ، ( ضربت عنقه ؟) قال : ( لا ) والله ، ولكن استرهبته بذلك .

وروى جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن قال : قال علي - رضي الله عنه - : لا أوتى برجل وقع بجارية امرأته ( إلا رجمته ، فما كان إلا يسيرا حتى أتي برجل وقع بجارية امرأته ) فقال : أخرجوه عني أخزاه الله .

قلت : وحمل الحديث على ظاهره أولى .

[ ص: 371 ] فصل :

اتفق أئمة الفتوى - كما نقله المهلب وغيره - على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان ، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض ؛ لأن ذلك من الفساد ، وإنما ذلك للسلطان أو منصوبه ؛ ولهذا جعله الله لقبض أيدي الناس وليوصل الطالب إلى حقه وينتصف المظلوم من ظالمه ، ولو ترك الأمر إلى أن ينتصف كل امرئ بنفسه فسدت الأمور ، وقد يتجاوز الأمر فيأخذ ما يجب له أو يتجاوز ما يجب له ، وتأول أكثرهم هذا الحديث على أنه خرج على التغليظ والتوعد والزجر عن الاطلاع على العورات ، وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده أو أمته كما سلف ، ويجوز عند العلماء أن يأخذ حقه دون السلطان في المال خاصة إذا جحده إياه ولم يقم له بينة على حقه ، على ما جاء في حديث هند مع أبي سفيان السالف قبل ، فإن كان السلطان لا ينتصر للمظلوم ولا يوصله إلى حقه جاز له أن يقتص دون الإمام .

فصل :

قوله :" فخذفته " هو بالخاء والذال المعجمتين ، أي : رميته بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتك ، أو تجعل مخذوفة ترمي بها بين إبهامك والسبابة ، قاله الهروي .

وقوله :" فسدد إليه مشقصا " هو بالسين المهملة من سدد كما هو في الأصول ، وقال ابن التين : رويناه بتشديد الشين ( المعجمة ، كذا قال ، ومعناه : أوثقه . قال : وروي بالسين ) أي : قومه وهداه إلى ناحيته ،

[ ص: 372 ] والمشقص من السهام : ما طال وعرض ، وقيل : هو العريض النصل ، وسلف الخلاف فيه .

فصل :

وقوله : (" نحن الآخرون السابقون ") يعني : آخر الأمم في الدنيا وسابقيهم في الآخرة إلى الجنة ، وأدخله في الباب وليس معه ؛ لأنه سمع الحديثين معا .

التالي السابق


الخدمات العلمية